منذ عقود يشهد العالم التداعيات السلبية للتغيرات المناخية، نتيجة استخدام الطاقة التقليدية، ما أدى إلى ارتفاع نسبة الانبعاث الحراري، بدأت الدول فى التباحث لإيجاد حلول نظيفة، فظهر ما يسمى بـ"الاقتصاد الأخضر"، والذى أصبح الشغل الشاغل لأنظمة العالم، فظهرت مشروعات صديقة للبيئة، وأصبحت الدول والمنظمات الدولية تدرس إمكانية إحلال الطاقات الجديدة والمتجددة والتكنولوجيات الخضراء محل المنظومة التقليدية.
كانت مصر ضمن الدول التى أدركت أهمية الاقتصاد الأخضر، وبدأت فى الاتجاه نحو التحول إليه بإيجاد حلول للطاقة النظيفة، وإنشاء مشروعات صديقة للبيئة كان أبرزها إنشاء محطة بنبان الشمسية بأسوان، والتى أصبحت تضم مجموعة من المحطات الشمسية عددها 32 محطة شمسية بقدرة تصل إلى 1465 ميجاوات، دخلت منها حتى الآن 17 محطة الخدمة بإجمالى 830 ميجاوات، ودخول 15 محطة أخرى للتشغيل الفعلى خلال عام.
وقال الدكتور محمد بيومي، المساعد الممثل المقيم لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائى فى مصر، إن هناك تحديات كبيرة يشهدها العالم نتيجة التغيرات المناخية، والتى بدت تظهر حدتها بالفعل على الأنشطة الاقتصادية، مشيرًا إلى ضرورة تقديم حلول عاجلة، والعمل على زيادة وعى المواطن بخطورة تلك القضية.
وأوضح بيومي، في تصريحات للبوابة نيوز أن التأثيرات الجوية الحادة على المدن أصبحت واضحة، على سبيل المثال سقوط الأمطار بكميات كبيرة غير معتادة، وكذلك تمدد البحر فى المدن الساحلية نتيجة ارتفاع منسوب المياه، وحدوث غرق للأراضي، بالإضافة إلى ظواهر انخفاض الإنتاجية الزراعية، بصورة كبيرة، وشهدت مصر خلال العام الماضى تراجع حاد فى إنتاجية محاصيل المانجو والزيتون.
وأرجع أسباب التغيرات المناخية إلى الظواهر الجوية الحادة سواء بحدوث طقس بارد فى وسط فصل الصيف أو طقس حار وسط فصل الشتاء، وهى ظواهر غير معتادة، مما ينعكس على المحاصيل الزراعية، والتى قد تفقد أكثر من 50% من إنتاجيتها نتيجة الخلل فى درجات الحرارة.
وأكد بيومي، أن ظهور الأوبئة والفيروسات قد تكون انعكاسًا لأزمة التغيرات المناخية، موضحا أن تلك الظواهر قد تغير من طبيعة الكائنات الدقيقة، كما قد تحدث اختلالات فى الأنظمة البيولوجية الدقيقة، مما يخلق كائنات جديدة مختلفة أكثر شراسة، وهو ما يطلق عليه الاختلال فى التنوع البيولوجى ما يؤدى إلى ظهور لكائنات الدقيقة جديدة واختفاء أخري.
وطالب المساعد الممثل المقيم لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائى فى مصر، بضرورة أن تعمل الدول على وضع استراتيجيات جديدة فى مواجهة تلك التغيرات المناخية والتكيف معها من خلال استخدام أمثل للموارد المتاحة.
ولفت إلى أن قمم المناخ المتعاقبة ساعدت على ظهور تكنولوجيات جديدة مرتبطة بخفض الانبعاثات الحرارية، وهى التكنولوجيات الصديقة للبيئة والتى تعزز من مساهمة الاقتصاد الأخضر فى المنظومة العالمية منها الاستعانة بالطاقة الشمسية وطاقة الرياح فى توليد الكهرباء، بل وأصبحت من الطاقة رخيصة الثمن بالمقارنة بمصادر الأخرى، إذ تمثل نسبة 20% من تكلفة المحطات التقليدية.
وتوقع بيومي، أن يشهد العالم زخمًا وتطويرًا فى التكنولوجيات الأخرى التى تقلل من حدة الانبعاثات، مؤكدًا أن اللجنة الدولية للتغيرات الحكومية والتى تمثل أعلى لجنة فى العالم تشير إلى أن التغيرات غير المسبوقة التى يشهدها كوكب الأرض جاءت نتيجة الأنشطة التقليدية فى حرق الوقود الأحفورى والمنتجات البترولية، والتى تسببت بارتفاع نسب ثانى أكسيد الكربون فى الجو، والتى تمثل العامل الأكثر تأثيرا لحدوث التغيرات المناخية، ما يستدعى ضرورة الحفاظ على حياة الإنسان والعمل على إيجاد بدائل للطاقة تكون صديقة للبيئة.
وأوضح، أن البرنامج يركز على نوعين من المشروعات، النوع الأول يخص نوعين من التخفيف والحد من الانبعاثات والاحتباس الحرارى من خلال تقديم فرص استثمارية واعدة للمشروعات ومساعدتها فى خفض تكاليف الطاقة من خلال الاتجاه نحو إنتاج الطاقة الخضراء وهى مشروعات رخيصة الثمن، ومصر قطعت شوطًا كبيرًا فى مشروعات توليد الطاقة الشمسية كمحطة بينان بأسوان.
أما فيما يخص الجزء الثانى من المشروعات التى يتبناها البرنامج فهى خاصة بالتكيف مع التغيرات المناخية ويركز فيها المشروع على بعض الدول النامية والتى تأثرت بشدة منها، خاصة مع مطالبة الدول النامية أن تتحمل الدول المقدمة تبعات التغيرات المناخية، لأنها هى الأكثر تأثرا، مؤكدا أن البرنامج يسعى لإيجاد حلول والعمل على دراسة المشروعات ذات الجدوى الاقتصادية فى مواجهة التغيرات المناخية بالدول النامية.
وأكد بيومي، أن قمة المناخ 27 المزمع عقدها فى شرم الشيخ فى نوفمبر المقبل، سوف تركز على إيجاد حلول لمشكلة التكيف، خاصة أن القمم السابقة كانت قد قدمت حلولاً فى مواجهة الحد والتخفيف من الانبعاثات وهى ما أتت بثمارها بعدما اتجهت العديد من الدول للطاقة الخضراء النظيفة، وأصبح مفهوم الاقتصاد الأخضر الأكثر تداولًا على مائدة حوار الدول، مؤكدًا أن التكيف مع التغيرات المناخية يستوجب حلولًا غير تقليدية.
وأشار إلى أن الانفاق على الحد من الاحتباس الحرارى كان أعلى من الإنفاق على التكييف الحرارى بنسبة 90%، لذلك فإن رفع الإنفاق على مشروعات التكييف ضمن أبرز المطالب المطروحة من الدول النامية ومن بينها مصر خلال القمة المقبلة، مشيرًا إلى أهمية إحداث اتزان فى الإنفاق بين مشروعات الخفض والتكييف، فضلًا عن اتجاه بعض الدول للمطالبة بتعويضات عن الخسائر الناتجة عن التغيرات المناخية.
وأكد بيومي، أن الإنفاق على التخفيف من آثار التغيرات المناخية أصبحت فرصة استثمارية للقطاع الخاص ولم يعد مقتصرًا على الدول إذ أن المشروعات الخضراء أصبحت ذات عائد اقتصادي، مشيرًا إلى أن الإنفاق على مشروعات الطاقة المتجددة أصبحت تتجاوز 300 مليار دولار سنويًا، بالإضافة إلى أن الاستثمارات الأخرى التى تنفق لتطوير تكنولوجيات خضراء مستحدثة كتكنولوجيا الكربون الأخضر، مؤكدًا أن رفع حجم الإنفاق يمثل التحدى الأكبر أمام العالم لتسريع وتيرة التحول إلى الاقتصاد الأخضر المستدام.
وقال المساعد الممثل المقيم لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائى فى مصر، إن هناك مشروعات مهمة يجب التركز عليها فى كثير من الدول كمشروعات تحلية المياه المالحة والتى سوف تمثل بديلًا جيدًا مستقبلًا فى حال وصول تكلفتها إلى الحد الاقتصادي، ويمكن استخدامها فى الزراعة مما يؤدى إلى حدوث ثورة فى قضية الأمن الغذائي، إذ يمثل نقص الغذاء أحد أهم التحديات التى يمر بها العالم وجاءت كانعكاس للتغيرات المناخية.
وأكد بيومي، أن قمة المناخ 27 والتى تعقد فى مصر، سوف يمثل سلسلة من الاجتماعات سوف تناقش ما يسمى الحياد الكربونى بحلول 2060، وهى التكنولوجيا التى تستهدف خفض انبعاث الكربون إلى أقصى حد والتعويض عما لا يمكن التخلص منه، وهى تتم بسبل متعددة كاستخدام أدوات صديقة للبيئة ومشروعات خضراء، وإحلال المصانع التقليدية إلى مصانع حديثة تستخدم الوقود النظيف، وهى ضمن أبرز التحديات والمطالب التى توضع على أجندة قمة "COP27" المزمع عقدها فى مدينة شرم الشيخ فى نوفمبر المقبل.