ويتواصل الحديث عن الحوار الوطنى، الذى دعا إليه الرئيس عبد الفتاح السيسى، وأصبح الشغل الشاغل لكل المهمومين بالوطن وتقدمه ورفعة شأنه.. فى عدد «البوابة»، الخميس ٢ يونيو، تحدثنا عن ضوابط آليات الحوار ومحدداته.. ونحاول أن نجتهد، قدر ما نستطيع، فى الحديث عما نراه ضروريًا من محاور فى الحوار المأمول، وهى بالطبع محاور عديدة، وسبق القول بأن مكمن الخطر لو رأى البعض أن يقتصر الحوار على القضايا السياسية بالمعنى المباشر للكلمة، ذلك أن بناء الجمهورية الجديدة يتطلب وضع كل القضايا على مائدة البحث، دون تفضيل لمحورٍ على آخر.. إذا اتفقنا على ذلك، فمن المهم أن يتناول الحوار الوطنى قضايا أساسية، من أبرزها:
- الرؤية الجديدة للدولة الوطنية المدنية الجديدة: من الناحية السياسية، ضرورة التأكيد على ركائز مكافحة الإرهاب، بما يتوجب أن تتولد قناعة تامة بأن الفكر يواجه بالفكر، ذلك أن تجفيف منابع الإرهاب والتطرف يتطلب فى الأساس مواجهة فكرية تؤمن بأهمية «تنظيف المجتمع» من الأفكار السامة والتزمت المقيت، ومن كل ما يفرق بين أبناء الوطن الواحد، مع إعلاء دعائم الوحدة الوطنية وقيم المواطنة والعيش المشترك.
- الموقف من قانون الأحزاب الحالى ومدى تمشيه مع الواقع [القانون لا يجيز إلا للجنة الأحزاب، التقدم بدعوى قضائية لحل حزب معين، لهذا رفض القضاء الإدارى كل الدعاوى المقدمة من أشخاص لحل حزب النور السلفى «لمخالفته الدستور حيث يقوم على أساس دينى»، وكان رفض الدعاوى على أساس أنها مقدمة «من غير ذى صفة»، أى الرفض فى الشكل وليس فى المضمون.. هذا إلى جانب نقاط أخرى فى القانون.
الموقف من قانون المحليات وضرورة البحث عن حل للإشكالية الدستورية التى تعيق إنشاء المجالس المحلية رغم أهميتها فى خلق حالة ديمقراطية عامة وفى حل العديد من المشكلات بالمحافظات.. وليتفرغ النواب لدورهم الأصيل [الرقابة والتشريع].
- الموقف من البنود الواردة حول الحبس الاحتياطى فى قانون الإجراءات الجنائية، والتى جعلت منه «حبسًا ممتدًا دون حكم قضائى»، خاصةً فى قضايا الرأى [التعديل لا يجب أن يشمل بعض القضايا كالإرهاب والقتل والسرقة والاغتصاب].
- من الأهمية بمكان، أن يتعرض الحوار الوطنى لملف أصحاب المعاشات دون مزايدة عليهم من أى طرف وحل ما يواجهونه من مشكلات مزمنة، تسبب فيها وزراء مالية مبارك، ونراها تتضخم مع مرور الأيام.
- للقوى الناعمة دور أساسى فى بناء الجمهورية الجديدة: الاهتمام بقصور الثقافة وتطوير عقلية القائمين عليها «خاصةً بالمحافظات» وتطوير دورها بما يواكب الثورة التكنولوجية وإعادة الدور الرائد للتليفزيون المصرى وجعله نافذة حرة لكل الآراء الوطنية، وكذلك الإذاعة، وإحياء دور السينما فى تشكيل الوعى العام.
- تطوير المناهج التعليمية، سواء التعليم العام بكل مراحله أو التعليم الجامعى (والوصول بالتعليم الجامعى إلى مرحلة إلغاء الكتاب الجامعى وفتح آفاق التفكير الحر والبحث أمام الطلاب) وبالأحرى التعليم الأزهرى.
- إعلاء شأن التعليم الفنى والنظر إليه نظرة غير متدنية والتأكيد على دوره فى أى دولة تهتم بالتصنيع «الاستفادة فى ذلك بتجارب الدول الأخرى [بالأخص ألمانيا]».
- ضرورة تخصيص مادة (فى كل أنواع التعليم قبل الجامعى) عن الفكر الإرهابى وسبل محاربته، وكذلك مادة عن الوحدة الوطنية وقيم المواطنة والعيش المشترك، على أن يضع مادة الكتابين خبراء لهم دورهم فى الوطن وليس موظفين تقليديين.
أما المحور الاقتصادى فإنه يحتاج إلى التعامل معه بحساسية، فالتوقعات تشير إلى أنه موضع اختلاف بين كثيرين، ولكن لنتفق على مبادئ عامة:
- الاقتناع بأن بناء الاقتصاد الوطنى يتم عبر عدة أجنحة أهمها القطاعان العام والخاص، ووضع خطة ببرنامج زمنى لإصلاح شركات القطاع العام المتعثرة لتسهم مساهمة فعالة فى الناتج القومى الإجمالى للبلاد، ولا يجب التعويل فقط على القطاع الخاص فى بعض المشروعات التى تتطلب التدخل من الدولة.
-تطبيق النص الدستورى الخاص بالضريبة التصاعدية، تطبيقًا يقبله العقل وبعيدًا عن النصوص القانونية التى تفرغ النص الدستورى من مضمونه.. [أيضًا هنا يمكن الرجوع للقوانين المطبقة فى دول الغرب مثل ألمانيا وبريطانيا وغيرهما].
- التأكيد على أن الاكتفاء الذاتى من القمح قضية أمن قومى، خاصةً بعد تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، واعتبار ذلك المشروع القومى الذى تحشد له الدولة كل الإمكانات مع وضع برنامج زمنى للتنفيذ حتى تعود مصر كما كانت «سلة غلال العالم».
ويبقى التأكيد على أن بعض هذه الأفكار تحتاج إلى تفصيل أكثر، قد نتناوله فى مقالات أخرى، إذا كان فى العمر بقية.