الإثنين 25 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

بستنظرك.. بستنظرك.. رغم القساوة في منظرك

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

(1)                               

(بستنظرك 9 و10 يونيو 1967)

في التاسع من يونيو 1967 كنت في طلائع منظمة الشباب بالمنيا، كانت المنظمة تحتل منزل هدى شعراوي على نيل المنيا والقريب من “موردة الحنش”، وكانت المودة هي الميناء قبل بناء الكوبري، كنا مع مسئولنا أحمد أبو رية نشاهد التليفزيون الأبيض والأسود، قلوب ملهوفة لما سوف يصرح به الزعيم جمال عبد الناصر، وصوت محمد رشدي يأتي من المذياع من بعيد بأغنية: "أبو خالد يا حبيب الخطوة الجاية في تل أبيب"، جاء خطاب الزعيم  بالتنحي زلزالا ألقي بنا إلى الطرقات نهتف برفض الهزيمة ونطالب بعودة الزعيم كابن تخلى عنهم والدهم، وأسرع كثيرون إلى محطات القطارات للتوجه نحو القاهرة أثناء الزعيم عن التنحي، في محطة القطار تعرفت على عامل النسيج عمي أحمد عبد العزيز، شيوعي سابق ممن أفرج عنهم عام 1964، اصطحبني إلى محله الكائن في شارع الحسيني وهو من أكبر الشوارع التجارية بالمنيا حينذاك، واحتسينا كوب شاي وحكي لي تاريخ الشيوعيين في المنيا ومنهم أنور إبراهيم والشهيد لويس وعزيز باسيلي وآخرين، وحل الحزب 1964، وأن تحرير الأرض وعودة الزعيم لن تكون بالمظاهرات بل بإعادة بناء الحزب الشيوعي، منذ ذلك اليوم تعمدت في معمودية الشيوعية، عاد الوعي قبل عودة الزعيم   

                           (2)     

بستنظرك (يناير ١٩٧٢ ) 

غربت شمس الثورة خارجنا قبل أن تشرق داخلنا، لم تعد أغاني فيروز تدفئ القلب، بعد أن فقدنا عواطفنا في حادث سير، نفس المدرج الذي كان يخطب فيه أحمد عبد الله رزة، الكوفية الحمراء صارت ذقن، تحيا مصر تحولت إلى تكبير ورحيق العمر يذوب على كف سجن انفرادي لا تؤنس وحدته إلا أحزانه، كانت زنزانتي بالقلعة تحمل أسماء ورسومًا ودموعًا، وصوت أحمد فؤاد نجم يأتي من خلف نبض قلب الوطن: (بستنظرك بستنظرك رغم القساوة في منظرك) لحظة هروبك يا رباب من الحب لما استنصرك بستنظرك رغم الشـــــتا والبرد والرعد المخيف بستنظرك في الشارع المشغول بحاول الرصيف أنا أصلي حاســــب موعدك وعارف اللي بيبعدك وأنا اللي خابر تبقى مين وأنا اللي صابر من سنين وباعدّ لك مطرح في بســــتان الأمل وبامدّ لك وفي كل خطوة أمدّ لك إيدي اللي شققها العمل. 

(3)

يناير ١٩٧٧:

كان الحلم يطل من خلف عيون الوطن وكانت مصر حبلى بالثورة، تتمخض من ألف عام منذ أن بكت أوروريس حتى فاض النهر بعشرات الأجساد لملوك وسلاطين ورؤساء، لكنها لم تعثر على جسد محبوبها "أوزوريس"، بل أغرقت دموعها "ست"، ليخرج "حورس" من رحم القهر، العائلة المقدسة تقترب من الشط بعد ولدت العذراء جنينها بالروح، ولا زالت إيزيس تتوجع بحثًا عن حورس على طول الشط، يحتضن حورس المسيح، يلغي السادات قرار رفع الأسعار، وتغلق الأسوار على الثوار.

 (4)

 يناير 2011:

 يفيض النهر لأول مرة حتى بعد بناء السد، دموع إيزيس تعود بحثًا عن حورس التائه، بين ذقون وكابات.. وهلال يبكي على صدر صليب.. ولحية "ست" تغطي آثار دماء الشهداء، وأبناء الصمت يهتفون بلا إدراك أن خلف اللحية أنياب "ست"، ويلتف الحلم حول حورس يخفيه من أنياب ست، ويبقى الحلم يبحث عن الحقيقة ولا زالت دموع إيزيس تبكي بحثًا عن حورس التائه، بستنظرك يا جرحي يا حلمي العنيد بستنظرك يا مصر يا حبي الوحيد وحتيجي يوم وتصدّقي عشقي الأصيل وتحققي حلمي الجميل وتزوقي عمري اللي ضاع مستنظرك بستنظرك، يبدأ حمل إيزيس في يناير ولكن المولود جاء ابن ستة لا هو ابن تسعة ولا ابن سبعة، يهرب "ست"، ويظهر حورس من جديد.. ولا ولازال عمري يضيع في الانتظار؟!!