قال مصطفى زاهران، الباحث في شئون الحركات الإسلامية، إن جماعات التشدد الإسلامي منذ ظهورها على مسرح الأحداث، مثلت أشكالا واضحة في فهم تصوراتها نحو الكثير من المفاهيم والمترادفات الخاصة بالتشكيلات الحداثية والمعرفية المرتبطة ارتباطا وثيقا بسياقات سياسية واقتصادية ومجتمعية، خاصة إذا اعتبرنا أن تلك التيارات والتنظيمات في مجملها كانت بلا مجال للشك قطيعة معارفية مع مشاريع التحديث الفكري والحضاري لجموع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، نظرا لكونها بالأساس انطلقت من أطر تنظيمية شبكية معقدة وكانت خطاباتها وأدبياتها تتمركز داخلها الفكرة التعبوية القائمة على الاصطفاف أو الحشد الأقرب للطائفة منها دون سواها، وليست تلك التي كانت موجهة لعامة المسلمين وخاصتهم دون تمييز أو تخصيص، إذ إن خصوصية خطابات جماعات التشدد والتطرف ورسالتهم كانت انتقائية بامتياز، ما ساهم بدوره في بناء جدران عازلة بين هذه التنظيمات وسياقاتها المجتمعية المصاحبة لها أو تلك التي نبتت من تربتها.
وأضاف خلال كلمته في فعاليات اليوم الثاني من مؤتمر دار الإفتاء العالمي الأول لمركز سلام لدراسات التطرف، أن المتأمل لجماعة الإخوان المسلمين الفكرية يقف على إشكال يبرز في كل طور من أطوارها التكوينية المتعاقبة، شأنه في ذلك بقية التصورات الاخرى وذلك تحديدا إزاء المفاهيم والمترادفات المتعلقة بالسياسة والمجتمع من حولها من بين تلك الإشكالات كانت رؤيتها حيال -ماهية الدولة- ومفهومها الواضح نحوه، ومدى توافقها مع شكل الدولة التي تطرحها، خاصة أنها تقدم نفسها على كونها حركة إسلامية وليس حزبا سياسيا داخل أطر الدولة المدنية القائمة أي أنها تمثل فصلا واضحا في ما تقدمه أدبياتها الفكرية والتنظيمية عن شكل الدولة القائمة.
وأشار، إلى أن نظرت الجماعة منذ بزوغها للدولة القائمة -الدولة المصرية - وتعاملت معها من زاوية براجماتية تمارس نوع من التقية معها، إذ إنها لا تقبلها ولا تلغيها تتعايش معها ولا تؤمن بها فهى بمثابة مرحلة انتقالية لتوصلها إلى شكل الدولة الحقيقي القائم في أدبياتها وفي تصوراتها أو مخيلة رموزها ومؤسسيها وعلى رأسهم حسن البنا المؤسس الأول.
وتابع زهران، أنه في عام 1928 كان ميلاد الجماعة على يد المؤسس حسن البنا بدعوى عودة الخلافة مجددا، و انتهجت الجماعة في سبيل ذلك مسارا غامضا تكتيكيا وسريا ومعقدا في آن معا في تشكلها التنظيمى الهرمى واقتربت وابتعدت في تفاعلاتها السياسية مع سياقها الملتف بها وفق هذه المنهجية فبدأت برفض التحزب السياسي في بداية نشأتها، وهو ما يفسر موقفها من القوميات والاثنيات المرتبك بقدر كبير، فضلا عن تمركز الهوية الإسلامية كنقطة رئيس في أدبياتها وتصوراتها نحو نفسها والعالم من حولها، وانطلقت تحو خلق كياناتها الخاصة المعبرة عنها كآليات لتحقيق مرادها ومبتغاها، فتسللت إلى شتى الأجهزة البيروقراطية في الدول التي تعايشها خاصة الخدمية منها واحتل العمل الطلابي في الجامعات تحديدا كبؤر للحشد والتعبئة والوظيف مركز الدائرة لديها حتى استطاعت بقدر ما أن تسحب البساط من تحت أيدي غرمائهم من اصحاب النظريات الفكرية والايدلوجية اليسارية أو القومية أو الدولاتية الاخرى ثم افترشت النقابات والمهن والحرف المختلفة وهى الأساس الذي تحرك من خلاله البنا في بداية تعبويته الرامية لتأسيس كيان الجماعة البشري ومع الوقت تبعت نقابات وجمعيات مثل الأطباء والعمال والمحامين أو المهندسين لها تبعية مباشرة وفرضت فيهما نفوذا لا يضاهي كنتيجة تنظيمها الدقيق والمتراص رافضة العلمانية وغير داعمة لها ومنادية بتطبيق الشريعة وإن لم يكن لها رؤية واضح في ذلك، إلا أنها تتبنى عنوانا عريضا فضفاضا يحمل الكثير من الدلالات والمعاني.
وتابع: “ظلت الخلافة الإسلامية حاضرة بقوة في الأدبيات الاخوانية ومترادفة للدولة، وعدها البنا المؤسس من الأصول الفكرية لجماعة الإخوان المسلمين من حيث دعوتهم إلى (الوحدة الإسلامية أو الخلافة)، والمتأمل لشكل الدولة وماهيته لدى الإخوان يجد أنها في مجملها تعاني من ضبابيتها وعدم إبراز هويتها وملامحها بالشكل الواضح والحقيقي ”.
وأشار إلى أنه عادة ما يقدم الإخوان ديباجة تعبر عن تصوراتهم للدولة وأنظمة الحكمة ثابتة كنص مرجعي على النحو التالي: "نظام شامل يتناول مظاهر الحياة جميعا فهو دولة ووطن أو حكومة وأمة والشريعة الإسلامية... إلخ.
وأكد"زهران"، أن لدى جماعات التشدد فهما مغايرا لشكل الدولة في مخيالهم الأصولي، وأن التعاطي القائم مع تصورات الدولة الوطنية الحديثة يتأتى من خلال محاولات المواءمة والتوفيق واستخدامها كوسيلة للوصول للشكل الأمثل والهدف الاسمى وفق تصوراتهم التي لم تنفك نحو محاولات اجترار تمظهرات الدولة الإسلامية القديمة أو ما تعارف عليه بـ "الخلافة الإسلامية".