تواصل مصر جهودها لجمع دول العالم على كلمة سواء، تخلص الشعوب من آفة التطرف والإرهاب، وذلك انطلاقا من الدور الريادى الذى تلعبه باعتبارها قلب العالم الإسلامي، ومنارة الوسطية والاعتدال. وانطلقت اليوم الثلاثاء، فعاليات مؤتمر الإفتاء الدولى الأول، الذى ينظمه مركز«سلام لدراسات التطرف»، تحت شعار: «التطرف الديني.. المنطلقات الفكرية واستراتيجيات المواجهة»، وذلك تحت مظلة الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم، وبرعاية الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، وحضور كبار رجال الدولة، وعدد من الوزراء، والعلماء،والمفتين، بالإضافةً إلى وفود من أكثر من 42 دولة، يمثلون كبار القيادات الدينية، والوزراء، والشخصيات العامة، وممثلى دور الإفتاء على مستوى العالم.
يستمر المؤتمر لمدة يومين، حيث تنتهى فعالياته بعد غد الخميس، ويناقش ظاهرة التطرف، وأهمية التكاتف، والتعاون، تبادل الرؤى، محليا وإقليمياودوليا، كما يهدف إلى تعزيز التعاون الدولى فى إطار مكافحة التطرف والتشدد، وتبادل خبرات التجارب الدولية فى هذا الشأن، مع الاهتمام الشديد بفتح آفاق أوسع للتعاون البحثى والأكاديمي.
كتب- هناء قنديل ومايكل عادل و محمد غنوم ومحمود سمير
تصوير: إيمان أحمد ومحمد لطفي
«مركز سلام لدراسات التطرف» يطلق مؤتمر الإفتاء الأوَّل بمشاركة 42 دولة
المفتى: مبادرات علمية تدعم مكافحة التطرف.. وتعميق النقاشات الدينية والأكاديمية وتعزيز التعاون بين المؤسسات البحثية والخبراء
فى كلمته أمام المؤتمر، أكد فضيلة الدكتور شوقى علام، مفتى الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم، أن المؤتمر الدولى الأول لمركز سلام لدراسات التطرف، يعد أكبر تجمع للمتخصصين فى مجال مكافحة التطرف، إذ يحضره ممثلون عن مجلس الأمن، والأمم المتحدة، والمفوضية الأوروبية، وجامعة الدول العربية، وعدد من الوزراء، والقيادات التنفيذية، والمفتين، ورجال الفكر والإعلام، بالإضافة إلى رؤساء المراكز البحثية المعنية، من مختلف دول العالم
وشدد على أهمية المؤتمر، وتوقيت انعقاده بما يحقق الريادة المصرية فى هذا المجال.
وأوضح فضيلة المفتى أن المؤتمر سيعمل على الخروج بمبادرات علمية تدعم عملية مكافحة التطرف وقايةً وعلاجًا، وتعميق النقاشات الدينية والأكاديمية حول ظاهرة التطرف، وتعزيز التعاون والتنسيق بين المؤسسات البحثية والخبراء المختصين فى مجال مكافحة التطرف والإرهاب.
تفنيد أطروحات التطرف
كما أكد الدكتور إبراهيم نجم، مستشار مفتى الجمهورية، أمين الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم، ورئيس مركز سلام، أن المؤتمر سيعمل على مناقشة وتفنيد أطروحات التطرف، التى يبرر بها جرائمه،وتفكيك هذه المقولات والمفاهيم والرد عليها، وترسيخ قيم السلام والتعايش والتفاهم بين الشعوب والحضارات. وأشار مستشار مفتى الجمهورية إلىأن مركز سلام يسعى إلى إنشاء مظلَّة جامعة لكلِّ مراكز الأبحاث المعنيةبمكافحة التطرف، يكون مقرها مصر، اتساقًا مع الدَّور الكبير الذى تقومبه مصر فى العديد من المجالات، ومن أهمها الخبرة المصرية فى مكافحة التطرف.
خطوة جادة
بدوره، أعرب المستشار عمر مروان، وزير العدل، عن سعادته بالمشاركة فى أول المؤتمرات الدولية، التى دعا إليها مركز سلام لدراسات التطرف،معتبرا أنه يمثل «خطوة جادة ومهمة فى مسار عملية مكافحة التطرف»، التى باتت من أهم ما يشغل الدولة المصرية، والأمتين العربية والإسلامية، والمجتمع الدولى بشكل عام.
وأضاف: «ما زالت دار الإفتاء المصرية تتقدم بخطوات حثيثة فى ميدان مكافحة الفكر المتطرف وتفكيك منظومة أفكاره الدخيلة على الدينالإسلامي، وإننى يزداد إعجابى يومًا بعد يوم بهذا الدور الذى تؤديه دارالإفتاء المصرية فى هذا الصدد بجانب دورها الإفتائى الأصيل المتميز،الذى يجعلها نموذجًا حقيقيًّا للمؤسسة الوطنية التى تسابق الزمن منأجل رفعة الدين والوطن». وتابع: «لعلنا أدركنا تمامًا أن أبرز مرتكزات استراتيجيات مكافحة التطرف تتمحور حول المواجهة الفكرية عن طريق تحليل تلك الظاهرة واستجلاء دوافعها وأسبابها ومنظومة مفاهيمها ومنطلقاتها الفكرية الرئيسية وتحليلها؛ لنستطيع تكوين صورة كاملة تمهد الطريق لمواجهة فكرية فعالة ومؤثرة».
وواصل: «أرى أن تدشين مركز سلام لدراسات التطرف كان خطوة مميزة فى ذلك المجال، ومن خلال اقترابى من رؤية المركز ونشاطاته المستقبليةالمعلَن عنها، لمستُ محاولةً غاية فى الجدية لتحقيق تقدم حقيقى فى حربنا المستمرة على قوى التطرف، لا سيما وأن المركز يسعى لتحقيق الشمولية فى مواجهة التطرف عبـر تناول الأبعـاد الدينية والإنسانية والاجتماعية والفكرية والاقتصادية والنفسية والجغرافية فـى عملية المكافحــة، كما يســعى المركــز إلى تقديــم توصيات وبرامج عمـل لكيفية مواجهة تلك الظاهرة ومحاربتها والقضاء عليها، ناظــرًا بعين الاعتبار إلى الخصوصيات والسياقات المرتبطة بتنوع الحالات وتعددها، واختلاف المناطق والبلدان».
محمد الضويني:
الأزهر تبنى موقفا واضحا لمكافحة التيارات الفكرية المنحرفة
ألقى الدكتور محمد الضويني، وكيل الأزهر، نائبًا عن فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، كلمة أماممؤتمر سلام للإفتاء الدولي الأول، أكد فيها أن أحد أوجه الأزمة التي يعاني منها الجميع حاليا، هي التعمق في التنظير إلى درجة تنسيناالأسباب الحقيقيَّةَ في صناعةِ هذا الواقعِ المرِّ».
وأضاف: «هذا ما دفع الأزهر الشريف إلى أن يكون أكثر واقعية انطلاقا من مسئوليته الدينية ودوره الريادى، فقد تبنى الأزهر وعلماؤه، وفي مقدمتهم فضيلة الإمام الأكبر، موقفا واضحا وسياسة كاشفة لمكافحة التيارات الفكرية المنحرفة كافة، أساسه الرفض التام والإدانة الفورية والعاجلة لشتى أشكال التطرف، مع التأكيد المستمر أن شرائع السماء بريئة من كل ما تقوم به هذه العصابات المنحرفة، التي تنفذ أجندات خارجية».
وتابع: جدد الأزهر الشريف دعوته إلى السلام عام ألفين وسبعةَ عشر فعقد «مؤتمر الأزهر العالمي للسلام»، الذي شخصَ فيه أسباب الإرهاب،وأعلن بلا مواربة أن الأديان بريئة من هذا التطرف، وأن أحلامَ الهيمنة والسيطرة على الدول، وسياسةَ الكيل بعدة مكاييل وعوامل أخرى مشابهة هي التي أثمرت ثمرةَ التطرف المرة.
وأضاف: «يأتي مؤتمر دار الإفتاء اليوم خطوة جديدة لهذه الرؤية الأزهرية الوطنية التي تؤكد أن مواجهةَ التطرف بتوضيح المفاهيم وتفنيد الشبهات، وترسيخ قيم التعايش، وإرساء دعائم المواطنة، ونبذ العنف والغلو، لم تعد مجرد شعارات جوفاء، بل تحولت إلى أعمال مؤسسية تقوي النسيج الوطني، وتعزز السلام المجتمعي، وتقيم الحجةَ على صانعي الفتن».
خلال كلمته التى ألقاها نيابة عن رئيس الوزراء، أكد الدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف، أن مؤتمر سلام للإفتاء الدولى الأول، يبعث للعالم رسالة مفادها أن ديننا هو دين السلام، وأن أخطر تحد يواجه عالمنا اليوم، هو الاستخدام السياسى لجماعات التطرف، وتوظيفها لإفشال الدول والحكومات.
وقال «جمعة»: «إن تحديات المجتمعات والدول قد تختلف من آن لآخر، لكنها لا تنتهى ما دامت المجتمعات قائمة، وإن أخطر تحدٍّ يواجه عالمنااليوم هو الاستخدام السياسى لجماعات التطرف وتوظيفها لإفشال الدولوالحكومات». وأضاف: «إذا قصَّر أصحاب الحق فى حقهم تمادى أهل الباطل فى باطلهم، ونحن نؤمن بأهمية تفكيك الفكر المتطرف؛ ومن ثَمعلينا الوقوف فى المواجهة وخوض عملية البناء وسد الفراغات وتضييقالخناق على أهل الشر، وكذلك أن نتحوَّل من ردِّ الفعل إلى الفعل».
وتابع: «علينا أيضًا العناية بالنشء والشباب وتحصينهم من خلال تكثيف العمل الميداني، ليكون الشباب قادرًا على الصمود فى وجه جماعات التطرف،وخاصة تلك الجماعات التى تدعم من بعض القوى السياسية لمحاولة إضعاف دولنا».
أكد الدكتور جيهانكير خان، مدير مكافحة الإرهاب بالأمم المتحدة، أن انطلاق مؤتمر سلام، يمثل بداية لعلاقة مهمة ومفيدة مع الأمم المتحدة تسهم فى مكافحة الإرهاب.
وأشار خان، فى كلمته أمام مؤتمر سلام للإفتاء الدولى الأول، إلى أن التطرف الإرهابى عبر الإنترنت، وعمليات التجنيد، والهجمات المستوحاة من فكر تنظيم «داعش» الإرهابي، تمثل مصدر قلق رئيس للعالم، لافتاإلى أن القادة الدينيين يلعبون دورا حاسما فى ترسيخ القيم السلمية والإنسانية، المتأصلة فى معتقداتهم الدينية بين المجتمعات.
وأوضح أن مركز الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب، يركز على بناء القدرات العالمية لمواجهة هذه التهديدات الإرهابية، وأبدى استعداد المركز لبدء حوار حول كيفية زيادة التأثير الجماعي، ضد روايات الإرهابيين والمتطرفين الذين يتسمون بالعنف.
ولفت خان إلى العلاقة جيدة، وطويلة الأمد، بين مكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب، ومصر، وألقى الضوء على الدور المهم الذى لعبته مصر فى توجيه الاهتمام الدولي، والعمل على مكافحة الخطاب الإرهابى بشكل استباقي.
بينما قال الدكتور سلطان محمد النعيمي، مدير عام مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، إن التسامح والتعايش هما السبيل الوحيد لوجود التنمية، وأشار إلى أن الإمارات ما زالت تضع يدها فى يد مصر لمواجهة الإرهاب والقضاء عليه.
وأضاف خلال كلمته فى فعاليات الجلسة الافتتاحية للمؤتمر العالمى لمركز سلام لدراسات التطرف: «أهمية مؤتمر سلام العالمى الأول تأتى على قدر مناقشته لقضية التطرف والإرهاب»، مشيرًا إلى خطورة ظهور جماعات ترتكز على أيديولوجية دينية متطرفة.
وتابع: «إن دولة الإمارات قد أدركت خطورة ظاهرة التطرف والفكرالتكفيرى مبكرًا وما يحدث من أعمال عنف، وشدد على ضرورة تشكيل البيئة العالمية لمواجهة الإرهاب، فالإمارات ما زالت يدًا بيد مع مصر فى مواجهة الإرهاب والقضاء عليه وإنضاب بؤره للوصول إلى التنميةوالتسامح، والمواجهة لا بدَّ أن تبدأ بالنشء والولوج إلى الوسائل الإعلاميةلتصحيح الخطاب الموجَّه والداعم للخطاب المتطرف».
مركز سلام.. محاربة التطرف بالعلم والمناهج الوسطية
أنشئ مركز «سلام» تحت رعاية دار الإفتاء المصرية، فى أكتوبر ٢٠٢١،ويرتكز على مناهج وسطية ويعالج التشدد والتطرف عالميا وفق دراسات معمقة تستهدف إنضاب بئر التطرف العالمى ودعم عملية صنع السياسات بـ«سلام».
ويسهم المركز فى تحقيق رؤية الدولة المصرية فى المواجهة الشاملة للتطرف والتشدد والإرهاب، عبر التجديد الدينى عن طريق تحويل الجهود الفردية فى مواجهة التطرف إلى عمل مؤسسى وأكاديمي، وتقديم إسهام علمى رصين لاستشراف أنماط التطرف المستقبلية. ويهدف المركز إلى تعميق المناقشات العامة وتغيير فكر المتطرف ويستهدف تحصين المجتمعات من الأفكار الهدامة، وإعداد الدراسات وعقد الندوات والتواصل بين المراكز البحثية وتوظيف الأداة الإلكترونية لمواجهة الفكر المتشدد.
ويقيم مركز «سلام» معارض فنية فى الأماكن العامة والجامعات والمدارس والمراكز التجارية والدينية، حيث يعرض أهم شبهات التطرف والرد عليها باستخدام التقنيات الحديثة، كما يهتم المركز كذلك بمكافحة التشدد بأنواعه المختلفة.
ويستهدف المركز تحصين المجتمعات من الأفكار المتطرفة، على نحو يحول دون استمرار انتشار مثل هذه الأفكار فى المجتمع، ومواجهة انتقالها بين الأجيال المختلفة، وهو ما يتطلب سلسلة من إجراءات المكافحة التى لا تهتم بمعالجة الأسباب الجذرية للتطرف فقط أو تلك المتعلقة بالسياق المشجع على تبنى الفكر المتطرف، وإنما تهتم أيضًا بمعالجة العوامل المحفزة التى تفسر سبب تبنى شخص ما فكرًا متطرفًا فى الوقت الذى يعزف شخص آخر له نفس الظروف الاجتماعية والاقتصادية عن تبنى ذلك الفكر.
مفتى القدس:
التطرف آفة العصر.. ولا يفرق بين مسلم ومسيحى أو دين وآخر
تقدم سماحة الشيخ محمد أحمد حسين، المفتى العام للقدس والديارالفلسطينية، بخالص التحية والتقدير لقيادة مصر الحكيمة، ولفضيلة الدكتور شوقى علَّام مفتى الديار المصرية، وأوضح خلال كلمته فى افتتاح مؤتمر سلام للإفتاء الدولى الأول، أن التطرف لا يفرق بين مسلم ومسيحى وهو آفة العصر.
وأعرب عن أمله فى أن يخدم المؤتمر البشرية جمعاء، بعدالة وإنصاف وحق، دون تفريط، كما ناشد فضيلته بضرورة حماية مقدسات المسلمين من التدمير والخراب والتدنيس