الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

التحديات الاقتصادية الحالية وآفاق المستقبل

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

هل مصر تسير بخطوات ثابتة لتجاوز الأزمة الحالية وهل الإجراءات التي اتخذتها الحكومة ناجحة في كبح جماح الضغوط التصخمية؟
هذا سؤال الساعة قد يطرحه أي خبير اقتصادي مثلما يشغل بال المواطن العادي. في السطور التالية محاولة لشرح المشهد الحالي بشكل مبسّطٍ حتى تتضح الصورة أكثر.
شهدنا الشهرين الماضيين تشديدًا تدريجيًا للسياسة النقدية في مصر، مثلها مثل العديد من البلدان في العالم، في محاولة لمواجهة التحديات الخاصة باحتواء موجات التضخم والحفاظ على النمو الاقتصادي من خلال استمرار تنفيذ برامج الحكومة، بعد تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية التي هزت الاقتصاد العالمي منذ فبراير الماضي. 
ويأتي رفع سعر الفائدة من طرف لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي المصري تماشيا مع تشديد السياسات النقدية العالمية في محاولة للحد من التضخم المرتفع. في رأيي أن الارتفاع في سعر الفائدة من المركزي يهدف إلى خدمة هدفين رئيسيين: الأول، الحفاظ على جاذبية الجنيه المصري من خلال مواكبة فارق أسعار الفائدة بين الجنيه والعملات الدولية، وعلى رأسها الدولار الأمريكي. الثاني، المساعدة في كبح التضخم.
من المعروف أن ارتفاع معدلات التضخم يمكن أن يكون له تأثير ضار على أي اقتصاد، حيث يؤدي إلى تآكل القوة الشرائية، وبالتالي يقلل من الاستهلاك الذي يعد مكونًا رئيسيًا في الناتج المحلي الإجمالي. وقد أظهرت بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أن التضخم في مصر ارتفع إلى 13.1 % في أبريل مقارنة بـ 10.5 % في مارس الماضي. لذلك، يستخدم البنك المركزي الأدوات المتاحة للحفاظ على استقرار الأسعار وسعر الصرف من أجل الحفاظ على مستوى جيد من الأداء الاقتصادي، وخاصة من أجل الحدِّ من الضغوط التضخمية الحالية التي تغذيها الزيادة الأخيرة في أسعار السلع الغذائية وبالتحديد الحبوب والزيوت، إضافة إلى الطاقة في ضوء استمرار الحرب في أوكرانيا. 
ومن بين أدوات السياسة النقدية رفع أسعار الفائدة للمساعدة في تشجيع الادخار بدلًا من الإنفاق وكمحاولة أيضًا للحفاظ على استقرار سعر الصرف، حيث أن ضعف العملة المحلية على غرار ما شهدناه في الشهرين الماضيين من شأنه أن يؤدي إلى تفاقم التضخم، من خلال زيادة تكلفة الواردات. وتم طرح شهادة ذات عائد الـ 18% التي جذبت سيولة إلى الجهاز المصرفي من جهة بقيمة اجمالية بلغت 750 مليار جنيه، ربما نصفها أو أكثر يدخل لأول مرة للجهاز المصرفي. وتم استيفاء الهدف من هذه الشهادات خلال أقل من شهرين.  وحققت أيضًا قيمة لحامليها من المواطنين المصريين تغطي جزءً كبيرًا مما فقدوه من قيمة مدخراتهم خلال تخفيض قيمة الجنيه التي تراوحت بين 17 و18 %. كما أنها حققت هدفًا مهمًا بالنسبة لصانع السياسات النقدية وهو منع الدولرة فبدلًا من اتجاه الأفراد للمضاربة على الدولار وزيادة الطلب عليه من السوق السوداء يشترون شهادات الـ 18% للحفاظ على مدخراتهم في وعاء آمن والحصول على عائد شهري منها طيلة عام. وبالفعل لُوحظ استقرار نسبي، أو قلَّ الاقبال على طلب الدولار من الأفراد، نتيجة الثقة في الجهاز المصرفي من طرف المتعاملين لأن العائد من الشهادات سيعوضهم عن معدلات التضخم.
في المقابل، تم تحجيم الطلب على الدولار من الشركات بعد قرارات البنك المركزي الحد من فتح الاعتمادات المستندية بغرض الاستيراد. وطبعًا مازالت هناك فجوة بين الطلب والعرض هنا لكن من الملاحظ أن هناك انفراجة مطمئنة أيضًا على هذا المستوى خاصة بعد زيارة رئيس الوزراء مصطفى مدبولي إلى الإمارات والإعلان عن استثمارات إماراتية في مصر والأردن بقيمة 10 مليارات دولار. يضاف إلى هذا التحرك لتخصيص 25 % من شركة مصر للألمنيوم للطرح لمستثمر استراتيجي والتي ستنعكس بجذب المزيد من الدولارات للسوق المصرية.
وبالنسبة لمن تتملكهم الحيرة  وينظرون للمستقبل بشك وريبة لابد أن يأخذوا في اعتبارهم أن تحقيق التوازن في السياسة النقدية يتطلب أن يرفع البنك المركزي أسعار الفائدة حسب الضرورة للحفاظ على استقرار الأسعار وأسعار الصرف، طالما أن التضخم أعلى من أهداف المركزي. 
ولعل الشهادة ذات عائد 14% سنويا لمدة 3 سنوات، التي أعلنت عنها العديد من البنوك حاليًّا، هي أحد الأدوات التي يستخدمها أيضا صانعو السياسات النقدية لتحقيق نوع من الاستقرار لمن لم يتمكنوا من الإقبال على شهادة الـ 18% ولكي يستفيد من عائدها أصحاب المدخرات. ولأنها لمدة ثلاث سنوات فمن المتوقع أن تكون استفادتهم القصوى منها خلال السنتين أو على الأقل السنة ونصف السنة الأخيرة من مدة الشهادة خاصة مع بدء تراجع معدلات التضخم عن مستواه الحال. 
لكن هل هذه الخطوات ناجحة/ كافية في كبح جماح التضخم وتحقيق الاستقرار داخل الأسواق بما في ذلك استقرار الجنيه والطلب على الدولار والمضي في مشروعات التنمية الاقتصادية؟
هناك مؤشرات داخلية تحدثت عن بعضها سابقًا وأخرى خارجية وتؤكد الأولى أن الضغوط تحت السيطرة بما في ذلك ضغوط الأسعار والضغوط التضخمية. وقد حاول البنك المركزي استباق الارتفاع المتوقع في التضخم في مصر والارتفاعات في أسعار الفائدة لبنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، واتخذ عددا من الإجراءات الناجحة؛ لكنْ المزيد من المفاجآت التضخمية والمزيد من إجراءات بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي الأكثر تشددًا ليست مستبعدة. وهذا من شأنه أن يدفع البنك المركزي المصري بدوره إلى تشديد السياسة النقدية بشكل أكبر لدعم جاذبية العملة المحلية وكبح معدل التضخم؛ مع الأخذ بعين الاعتبار التوقعات التي تشير إلى استمرار الارتفاع الحاد في أسعار السلع الأساسية العالمية، وخاصة القمح والحبوب عامة، والوقود، والتي تصل ذروتها في شهر يوليو. كما أن معدلات التضخم السنوية ستظل مرتفعة، لبعض الوقت، لتصل إلى 15%، على الرغم من أن هناك توقعات بتراجع التضخم في نهاية المطاف في السنة المالية 2023 أو بحد أقصى في الربع الأول لعام 2024.
المؤشرات الأخرى الخارجية هذه المرة، تدلُّ على نجاح نسبي لصانعي السياسة النقدية وتعكس ثقة في الاقتصاد المصري نستطيع أن نستنتجها من مضيِّ مصر في تنفيذِ مشروعات كبرى مثل القطار السريع وهو من أكبر المشروعات على مستوى العالم حاليًّا في مجال النقل من حيث التكلفة والحجم. ويشارك بنك التنمية الألماني في تمويل المشروع، بواقع 3 مليارات دولار، ستوجه لصالح الأعمال التى تنفذها شركة سيمنز الألمانية، و1.4 مليار دولار من ووكالة ائتمان الصادرات الإيطالية "سايس" لتمويل أعمال تحالف شركتى أوراسكوم كونستركشن والمقاولون العرب، بالإضافة إلى مساهمة الحكومة المصرية فى المشروع الذى يمتد بطول 660 كيلو مترًا من العين السخنة إلى العلمين وصولًا إلى مرسى مطروح.
هذه التمويلات التي من المنتظر أن تسددها الحكومة المصرية لم تتوقّفْ بل مستمرة برغم الأزمة الاقتصادية العالمية. وهو دليل في رأيي على الثقة التي يحظى بها الاقتصاد المصري؛ فالبنك الألماني وشركة سيمنز والوكالة الإيطالية لا يخالجها شك على قدرة مصر على السداد، ومن هنا تستمر في تنفيذ المشروع الضخم بنفس سرعته. ومن المفترض أن يتم الإنتهاء من تنفيذ المرحلة الأولى، وهو قطار العين السخنة –العلمين، بحلول يوليو 2023؛ وسيتزامن ذلك مع التشغيل الكامل للعاصمة الإدارية الجديدة. من جهة ثانية، من الملاحظ استمرار تنفيذ مشروع ضخم آخر وهو مشروع المونوريل الذي يعدُّ أحد أفضل مشاريع النقل التي يتم إنشاؤها للربط بين القاهرة والسادس من أكتوبر من جهة والقاهرة والتجمع والعاصمة الإدارية من جهة أخرى، حيث سيجعل الحركة أيسر وأسرع وأكثر أمانًا على قاطني هاته المدن الجديدة والمناطق الصناعية التي يمر عليها، إضافة لتميزه لكونه صديقًا للبيئة. المشروع مستمر وتمويله أيضًا مستمرٌّ، حيث يتم تمويله بقرض دولي ميسر من بنك الصادرات الكندي.
لكن ربما يتساءل البعض هل الحكومة قادرة على سدادِ الديون والقروض وفوائدها؟
طرح هذا السؤال يأتي في وقتٍ تتوالى أخبار عن توقف حكومات آسيوية وأفريقية عن سداد ديونها نتيجة تفاقم الأزمة العالمية. وليس هذا حال مصر حيث من المقرر أن تسدد الحكومة فوائد قيمتها 690 مليار جنيه (37.7 مليار دولار) بنسبة 7.6٪ من الناتج المحلي الإجمالي على الديون المحلية والخارجية للعام المالي (2022/23).
إجمالي الدين الخارجي لمصر ارتفع إلى 145.52 مليار دولار في ديسمبر 2021، ارتفاعًا من 137.42 مليار دولار في سبتمبر 2021، وفقا لبيانات البنك المركزي.وشكلت الديون طويلة الأجل 132.7 مليار دولار، أو 91.2٪ من إجمالي الدين الخارجي. وهو ما يعني أن الديون القصيرة تشكل أقل من 10% من إجمالي الديون.
ويقابل ذلك، الاحتياطيات الأجنبية التي ارتفعت بمقدار 41.5 مليون دولار، ووصلت إلى 37.12 مليار دولار في أبريل الماضي، بحسب بيانات المركزي. وكثيرًا ما استخدمت مصر تدفقات المحافظ لغير المقيمين لتمويل عجز الحساب الجاري.
أخيرًا، تبقى كلمة: مطلوب من القطاع الخاص المساهمة في الجهود المبذولة من الحكومة للإصلاح الاقتصادي ومعالجة القضايا المتعلقة بالفقر وتوزيع الدخل وعليه دور كبير في ذلك لم يقم به على المنوال المطلوب حتى الآن لتحفيز النمو والتشغيل، وضمان الاستدامة المالية، وتحسين الصادرات والقطاع الخارجي. وأسباب متنوعة لعدم قيامه بدوره وتصلح لمقال آخر.
olfa@aucegypt.edu