ينفتح الشعر على التجربة الإنسانية اللانهائية، متحركًا في فضاء الخيال والدهشة، محاولا إعادة بناء الوجود عبر أصواته الحميمية القريبة من روح المتلقي، ويُعد الشعر هو الوسيلة الأكثر فاعلية في التعبير عن الأحلام والانفعالات والهواجس التي تجوب الوعي الإنساني واللاوعي أيضًا، وتتنوع روافد القصيدة من حيث الموضوع والشكل ليستمر العطاء الفني متجددا ودائمًا كما النهر.
تنشر "البوابة نيوز" عددا من القصائد الشعرية لمجموعة من الشعراء يوميا.
واليوم ننشر قصيدة بعنوان "طيور الأماني" للشاعر أحمد رامي، تزامنا مع ذكرى وفاته، التي تحل اليوم الأحد.
هتفتْ في الرُّبى طيورُ الأماني
باكياتٍ على النعيم الفاني
حائراتِ العيون رفَّافةَ الأجْـنـُحِ
مطرودةً عن الأكْنان
كلما أوشكتْ تُقارب غصناً
ذادَها حاصبٌ عن الأفنان
أو أسفَّتْ تريد نقْعَ ظَماها
حلأتها الأيدي عن الغُدران
فهي العمرَ حائماتٌ ترى الأثْمارَ
والماء نائياتٍ دواني
ولَوَ انَّ الرياض خُلْدٌ لَقَرَّتْ
نفسُها بالهبوط والسلوان
غيرَ أن الغصون ناضجة الأثْمارِ
والنهر طافحُ الفيضان
هكذا نحن في الحياة نريد الصْفوَ
فيها والصفوُ نائي المجاني
ونريد النعيمَ فيها ومن دونِ
مُنا نا سَدٌّ من الحرمان
ونبثُّ البذور في الأرض والدَّهْرُ
ضنينٌ بالعارض الهتّان
ومنَ الزرع باسقٌ جفَّتِ الأَثْمارُ
فيه وما جَنَتْها يدان
ومن الماء دافقٌ جفَّ فَوْق الأرضِ
ما مسَّ قَطْرَهُ شفتان
لو نظرنا إلى الحياة بعين الحقِّ
راحت بالصدِّ والهجران
غيرَ أنّا نعيش فيها بآمالٍ
تُسرِّي لواعجَ الأشجان
وإذا أخطأتْ ظنونٌ فيا رُبَ
ظنونٍ تريح قلبَ العاني
فلنعشْ بالمنى فكم صدَعَ البَدْرُ
حجابَ السَّحابة المِدْخان
ولنعشْ بالمنى فكم جَرَتِ الأَقْدارُ
بالعزِّ بعد طول الهوان
فارفعي الصوت بالغناء قليلاً
بَدَلَ النوحِ يا طيور الأماني
بَسَمَ العصرُ بالأماني رُواءً
فنعِمْنا في ظلِّها الفيْنان
وغرسنا في كل قلبٍ رجاءً
فقطفنا باكورةَ النشوان
وسرينا والليلُ سُهدٌ وجهْدٌ
فاجتلينا وجهَ الصباح الداني
ودعانا داعي الفدا فاستجبنا
واتَّحدْنا في نصرة الأوطان
وانطلقنا في شرعة الحق نَشْدو
ونغنّي أمجادَ هذا الزمان
كرَّم الله عهدَ من كرَّمَ الفنَ،
وأعلى مكانةَ الفنّان
وجزاه عن طِيب ما قدَّمتْ كَفْاه
من مِنَّةٍ ومن عرفان
جمع الشملَ حوله ومضى يَنْشُرُ
من عدله ظلالَ الأمان
ثمّ مُدَّت يمينُه فكسا الفنَ
جلالاً وخصَّ روضَ البيان
وانتقى من بلابل الشعر سِرْبًا
يَتَناغَى في أيْكةِ المهرجان
يا بني العمِّ يا أولي الأدب الجَمِ
سبقتمْ بالفضل والإحسان
هزَّني الشوقُ للِّقاء فأرسلْتُ
خَيالي في مسبح الوجدان
وتصورَّتُ ما اُراهُ من العَطْفِ،
وألْقاه من ضروب الحنان
ثم ناجيتكم بشعري على البُعْد،
وأودعتُه صفيَّ جناني
وقضى الله أن أراكم وأروي
ناظِري من بهاء هذي المغاني
فإذا الدار منزلي وإذا الأهلُ
لِداتي وصفوة الإخوان
وإذا بي أنا المطلُّ على النِّيلِ
مقيمٌ على رُبَى الزَّبَداني.