الإثنين 20 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

العالم

هل وقعت باريس في فخ الخلط بين محاربة الإرهاب والإسلاموفوبيا؟.. إغلاق حساب بنكي لعميل تبرع لأحد المساجد يثير الجدل بين المصرفيين والقانونيين

أرشيفية
أرشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

في مواجهة محاربة الإرهاب والتطرف المنتشر في فرنسا خلال العقد الأخير، قررت الحكومة الفرنسية تطبيق قانون 24 أغسطس 2021، الذي يؤكد احترام مبادئ الجمهورية المسمى "قانون مكافحة الانفصالية"، وحماية دور العبادات في فرنسا من أي تأثير أجنبي. 

ويستهدف هذا القانون بشكل أساسي الجمعيات والمراكز والمساجد الإسلامية بسبب التأثير القوي لبعض البلدان الإسلامية على إدارتها من خلال حظر التمويل الأجنبي ولا سيما دولتي تركيا وإيران، ولذا وضعت الحكومة الفرنسية إجراءات صارمة فيما يتعلق بإدارة العبادة الإسلامية في البلاد، لتجفيف منابع تمويلها، حيث ستعلن فرنسا بأنها دولة علمانية بامتياز الدستور، مما يعني أن الدولة لا تتدخل في إدارة أو تمويل أماكن العبادة لمختلف الأديان. 

ويحظر القانون الفرنسي على الدولة تمويل دار عبادة أو جمعية دينية.، وهو وضع كان يجعل العديد من الدول الأجنبية لا تتردد في تقديم الدعم لها من خلال تمويل دور العبادة في فرنسا. هذا هو الحال خاصة بالنسبة للمساجد التي غالبا ما تستفيد من التمويل الأجنبي؛ مثل مسجد باريس الكبير الذي يستفيد من ميزانية سنوية ضخمة تقدمها الجزائر، ومسجد إيفري الكبير الذي تموله المملكة المغربية، وبعض المساجد الباريسية التي كانت تمولها المملكة السعودية عبر رابطة العالم الإسلامي.

في المقابل تشجع فرنسا المؤمنين المحليين على دعم المراكز الإسلامية بأنفسهم، إذ مع هذا القانون الجديد، يتعين على الجمعيات المسؤولة عن المساجد في فرنسا الاعتماد على تبرعات المواطنين  المسلمين وليس على الدول الإسلامية كما كان في السابق.

عميد مسجد فيلوربان يندد بالخلط بين محاربة الارهاب والاسلاموفوبيا:

يبدو أن الأمور لا تسير كما يشاء القائمون على الجمعيات والمساجد الإسلامية في فرنسا، فقد أغلق بنك باريس الوطني ( BNP ) حساب مسلم تبرع بمبلغ (10000 يورو) لمسجد تحت الإنشاء في ليون بل وأغلق حسابات كل أسرته، وهذا ما كشفه عز الدين جاسي، عميد مسجد عثمان في ضاحية فيلوربان ، حيث أبغ بأنه جاءه الى المسجد أبو المحسن يدعى مسعود ، وقد انفجر غاضبا ضد بنكه ، وأبلغه قائلاً: "ابني لديه حساب مصرفي في بنك باريس الوطني. تبرع خلال شهر رمضان الأخير إلى مسجد تحت الإنشاء في مدينة ليون ، عبر تحويل عشرة آلاف يورو. وأعطاه المسجد إيصالاً، وبعد شهر، قرر البنك إغلاق حسابه وحساب والده وشقيقه وشقيقته وعمه البالغ من العمر 96 عامًا ، أي إغلاق 5 حسابات مصرفية دون أي تفسير.

جدير بالذكر أن بقية البنوك ولاسيما حتى بنك الفقراء ( La Poste -البريد) الذي يقبل ما ترفضه كل البنوك أغلق حسابات أشخاص تبرعوا لبناء مساجد.

وذهب عميد مسجد فيلوربان إلى حد تصنيف "قانون مناهضة الانفصالية" على أنه إضفاء الطابع المؤسسي على الإسلاموفوبيا في فرنسا، حيث يخلط البعض بين تطبيق القانون لمحاربة الارهاب ولكنهم يسقطون في ظاهرة كراهية الإسلام ومحاربته.

واستجوب القائمون على المراكز الإسلامية جيرار دارمانان وزير الداخلية خلال الاجتماع الأول لمنتدى الإسلام في فرنسا الذي عُقد في باريس يوم السبت 5 فبراير 2022، بشأن مسألة إغلاق البنك. حسابات عدد كبير من المساجد في فرنسا ، بعضها قيد الإنشاء أو التوسيع الكامل  ، ولكن بعد 4 أشهر ، لم يتم فعل أي شيء. والأسوأ من ذلك ، بعد إغلاق الحسابات المصرفية لعشرات المساجد ، سمحت كل البنوك الفرنسية لنفسها بإغلاق حسابات الأفراد الذين يشاركون في بناء المساجد.

مصرفي: تصرف "قانوني".. ومحام: "تمييزي" 

أثارت هذه القضية ردود فعل كثيرة في فرنسا على وسائل التواصل الاجتماعي. حيث ذهب البعض إلى حد التنديد بإجراء بنك باريس الوطني ، فيما وصفه آخرون ، بأنه قانوني. 

وقال أحد المصرفيين: "يحق للبنك إغلاق الحساب دون قرار من المحكمة ودون إبداء الأسباب. لديها جميع الحقوق في الحسابات الموجودة معها. ومع ذلك ، إذا قرر البنك إغلاق حساب عميله ، "فإنه يرسل إشعارًا لمدة شهرين حتى يتمكن العميل من تحويل أمواله إلى حساب آخر أو بنك آخر" ، 

وأضاف: "في حالة عميل (BNP) هذا ، الذي أغلق حسابه ، "للبنك حق تعسفي في القيام بذلك ، ويمكن للعميل المعني استرداد أمواله خلال فترة معينة" ، وفقًا للمصدر نفسه. رأي شاركه المحامي ستيفن جويز جويز عضو نقابة المحامين في نيس ، "أي أنه قانوني لكنه يشكل من ناحية أخرى فعل "تمييزي"، وقال إن البنك حر في إنهاء العلاقة. ولكن لدينا مجموعة من القرائن التي توضح حالة التمييز والعنصرية. مع كل الوثائق التي لدينا."

في الواقع فرنسا محقة في احترام قيم جمهوريتها لتقي نفسها مخاطر تنامي التشدد الإسلاموي، الذي أنتج سلسلة من الهجمات الارهابية منذ عام 2015  وتم إغلاق ستة مساجد وحل عدد من الجمعيات، مؤخراً، كانت تعد حواضن التشدد الإسلامي بفرنسا لتبنيها الدعاية للإسلام السياسي. 

وبحسب وزير الداخلية الفرنسي، فإنّه وضع ثلث أماكن العبادة الـ89 المشتبه في كونها متشددة، تحت المراقبة، كما أوضح أنّ الأجهزة الأمنية نفذت حوالي 30 ألف عملية تفتيش و750 عملية إغلاق لأماكن يتوافد عليها متشددون. كما استطاعت السلطات، خلال السنوات الثلاث الماضية، إغلاق قرابة 250 فضاء ومنشطاً إسلاموياً، بينها مدارس ومساجد، تبشر بأيديولوجية انفصالية، فضلاً عن فتح تحقيقات في تمويلات المؤسسات التابعة لتيار الإسلام السياسي؛ وشبهة التمويل الأجنبي آخرها تتعلق بتمويل المعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية،  المؤسسة غير حكومية للتعليم العالي، قريبة من جماعة الإخوان، تقوم بتدريب الأئمة على وجه الخصوص.

وبدأت الاجهزة الأمنية الفرنسية في مواجهة الإسلاموية بعد أن صعدت في فرنسا، بقوة، مستوحية من اندلاع الثورة الإيرانية، والتي زادت انتشارا منذ ثورة الربيع العربي حيث بدأ الإسلام السياسي يتشكل حركياً وتنظيمياً في فرنسا، لجهة أداء أدوار سياسية واسعة، واختراق النخب الفرنسي، وهذا دفع الرئيس الفرنسي لوضع حدا لهذه الظاهرة وجعلها من بين الركائز السياسية التي قام عليها برنامجه الانتخابي ، لا سيما وأنّ الفهم الفرنسي للأزمة الخاصة بالعنف والتشدد الديني، لا يحصر القضية في حوادث عرضية وكوارث الجرائم الارهابية التي ضرب البلاد واستهدفت صحفيين ومعلمين وقساوسة ويهود ورجال الشرطة والجيش والسياح، إنّما يقف عند السرديات والأيديولوجيات التي تنبعث على أطرافها هذه السيولة الدموية، والمعاداة الواضحة أو بالأحرى الصدام التدميري للقيم العلمانية بفرنسا التي باتت مهددة بالفعل، ومن ثم، تتجه السياسات الفرنسية إلى ضرورة نقد الأفكار المتشددة، وتجميد المؤسسات التي تتبنى الترويج لها.

لكن على طرفي نقيض من هذا،  فإن على القائمين على المنظومة الأمنية الفرنسية أن يوضحوا الهدف الرئيسي من القانون الجديد حتى لا يأتي بنتائج وقناعات عكسية ،سيما بعد تنامي موجة كراهية المسلمين وتصاعد تيار العنصرية في البلاد بشكل غير مسبوق، وتصرف بنك باريس الوطني الأخير خير مثال حيث بات العديد من الفرنسيين يخلطون بين ما هو في صالح محاربة الإرهاب وظاهرة الإسلاموفوبيا والتي تجعل الكثير من مسلمي فرنسا وهم يشكلون أكبر جالية اسلامية في أوروبا يظنون بأن فرنسا تحارب الاسلام وتسن جملة من القوانين ضدهم بشكل خاص وهذا غير صحيح فالأمر يتعلق بمفهوم العلمانية التي تحترم كل الأديان بلا تمييز لكن وجهاء السياسة والأمن الفرنسي مطالبون بتوضيح حيثيات القانون المسيء فهمه واستخدامه.