الحديث عن مرحلة ما بعد الحوار الوطنى ليس قفزًا على مساراته الزمنية أو حرقًا لمراحله، وإنما ضرورة قد تساعد على إيجاد آليات تضمن استمراريته على نحو يمكّن المجتمع من مراقبة ومتابعة ما تم التوافق عليه.
المشاركة المجتمعية فى صياغة استراتيجية الخروج من الأزمة هى الهدف الرئيس من الحوار؛ وليس من المتوقع أن تقف هذه المشاركة عند حدود مناقشة الأولويات وسبل التعامل معها، دون أن تمتد إلى مرحلة المراقبة والمتابعة لآليات تطبيق الحلول التى ستتخذها الحكومة عبر آلية مختلفة وحيوية للحوار الوطنى؛ وإلا لماذا كانت الدعوة فى البدء؟!!.
كما أن أعيننا جميعًا مسلطة على ترتيب أجندة أولويات الحوار بين الحكومة وباقى أطراف المجتمع من القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدنى، من المهم أيضًا أن يذهب السياسيون بأعينهم إلى المستقبل؛ كيف سنعيد ترتيب أركان وجنبات الشارع السياسى؟! كيف ستتحرك الأحزاب السياسية المعارضة فى ضوء مشاركتها فى رسم سياسات وأولويات الحكومة؟! وحتى نصل إلى هذه المرحلة ماذا على الأحزاب السياسية والنقابات المهنية والعمالية وجمعيات رجال الأعمال والفلاحين وحقوق الإنسان أن تفعل أثناء الحوار لإقناع الحكومة أنها جديرة بمشاركتها فى وضع الأولويات وتصميم استراتيجية الخروج من الأزمة؟!.
هل لنا أن نتخيل أن الحكومة ستذهب إلى الحوار الوطنى عبر ممثليها بنية إشراك قوى المعارضة ومنظمات المجتمع المدنى فى وضع الخطط حتى تتشارك معها فى تحمل مسئولية تبعات تطبيق هذه الاستراتيجية وتلك الخطط؟! وبما أننا دخلنا دائرة الأزمة بكل معانيها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وحتى الثقافية، هل من المقبول أن تستمر العلاقة بين الحكومة وما تسمى بالمعارضة قائمة على التربص والتحفظ أو كما يقول المصريون "ناقر ونقير" أو فى مقولة أخرى "علاقة الأبناء بزوجة الأب"؟! أليس أولى بنا جميعًا البحث عن صيغة جديدة لهذه العلاقة يكون الاصطفاف فيها حول استراتيجية يشارك الجميع فى وضعها، لتحتفظ المعارضة وباقى منظمات المجتمع بمسافة كافية تجعلها فى موقع المراقب والمتابع والراصد حتى تنبه الحكومة إن هى حادت عن المسار المتفق عليه، أو تشاركها فى وضع المقترحات لتعديل الخطط والمسارات التى قد تظهر عيوبها عن التطبيق، فالجميع يريد نتيجة واحدة اتفقوا عليها بناء على استراتيجية تشاركية وضعوها مسبقًا؟!.
ربما تقودنا هذه الطريقة فى طرح هذا النوع من التساؤلات إلى عملية تساعد على نضج الجميع وحلحلة العديد من الملفات الشائكة تلقائيًا وفى القلب منها بناء حياة سياسية سليمة وصحية، استعادة مساحة الحرية المطلوبة للإعلام المصرى؛ ذلك أن إعادة التفكير فى كيفية بناء علاقة أساسها الثقة بين الحكومة والأطراف الفاعلة فى المجتمع من شأنه فتح المجال السياسى بطريقة شبه تلقائية لأن الحكومة وثقت فى نوايا معارضيها ونضج أساليبهم وهو ما قد ينعكس على نحو شبه تلقائى أيضًا على أداء الإعلام حينما يشارك فى نقل ما سيطرح فى الحوار الوطنى من تساؤلات وإجابات ونقاشات تحاول جميعا التوصل ليس لحل توافقى وإنما إلى أفضل خطة عمل مصرية لتجاوز هذه الأزمة فيتنافس الجميع على تطبيقها بأكمل وأحسن وجه متخلين عن آلية الصراع التقليدية بين المعارضة والحكومة.
الحديث حول الحوار الوطنى بدأ منذ دعا إليه الرئيس عبد الفتاح السيىسي ولا أظنه سينتهى خاصة وأن ردود أفعال الأطراف الرئيسة المدعوة له من القوى السياسية وأحزاب المعارضة تؤشر إلى أن الجميع يريد خوض غمار الحوار بنوايا حسنة وبهدف استمراره للعمل مع الحكومة ومؤسسات الدولة ليس لتجاوز الأزمة الحالية وإنما لبناء دولة مدنية حديثة قوية ومستقرة.
آراء حرة
ما بعد الحوار الوطني!
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق