آثار العقوبات الاقتصادية المفروضة من الدول الغربية، لم تقتصر على روسيا فقط، وإنما امتدت نيرانها إلى أوروبا وأمريكا، وباتت انعكاسات العقوبات على الغرب ظاهرة أمام العالم، وهو محور مقال للخبير الاقتصادى فى صحيفة الجارديان البريطانية، لارى إليوت.
استهل «إليوت» مقاله بالقول إن الآثار الضارة للعقوبات تعنى ارتفاع تكاليف الوقود والغذاء لبقية العالم، وتتزايد المخاوف من وقوع كارثة إنسانية عاجلا أم آجلا، ويجب أن يتم التوصل إلى اتفاق، مضيفا لقد انقضت الآن ثلاثة أشهر منذ أن شن الغرب حربه الاقتصادية على روسيا، ولكن لا تسير وفق الخطة على العكس من ذلك فإن الأمور تسير بشكل سيئ للغاية.
وأشار الخبير الاقتصادى إلى أنه تم فرض العقوبات على فلاديمير بوتين كانت أفضل من مسارين آخرين متاحين للعمل، وهما عدم القيام بأى شيء أو التورط عسكريا، وتم تقديم المجموعة الأولى من التدابير الاقتصادية فور الغزو، عندما كان من المفترض أن تستسلم أوكرانيا فى غضون أيام لكن ذلك لم يحدث، فكانت النتيجة أن العقوبات رغم أنها لا تزال غير كاملة، تم تكثيفها تدريجيا.
ورغم ذلك لا توجد أى إشارة فورية على انسحاب روسيا من أوكرانيا، مشيرا إلى أن العقوبات كان لها تأثير ضار فى زيادة عائدات صادرات النفط والغاز الروسية، مما أدى إلى تعزيز ميزانها التجارى بشكل كبير وتمويل مجهودها الحربى، ففى الأشهر الأربعة الأولى من عام ٢٠٢٢، يمكن لبوتين أن يتباهى بفائض فى الحساب الجارى قدره ٩٦ مليار دولار «٧٦ مليار جنيه إسترلينى»، أى أكثر من ثلاثة أضعاف الرقم مقارنة بالفترة نفسها من عام ٢٠٢١.
وقال لارى إليوت إنه عندما أعلن الاتحاد الأوروبى حظره الجزئى على صادرات النفط الروسى، ارتفعت تكلفة النفط الخام فى الأسواق العالمية، مما منح روسيا مكاسب مالية أخرى غير متوقعة، خاصة أن روسيا لا تجد صعوبة فى إيجاد أسواق بديلة لطاقتها، حيث ارتفعت صادرات النفط والغاز إلى الصين فى أبريل بأكثر من ٥٠٪ على أساس سنوى، لكن هذا لا يعنى أن العقوبات لم تؤثر على روسيا، ويقدر صندوق النقد الدولى أن الاقتصاد الروسى سينكمش بنسبة ٨.٥٪ هذا العام مع انهيار الواردات من الغرب، وتمتلك روسيا مخزونات من السلع الأساسية للحفاظ على استمرارية اقتصادها، ولكن بمرور الوقت ستُنفد.
وأضاف اأن أوروبا تتخلص تدريجيا من اعتمادها على الطاقة الروسية، وبالتالى تم تجنب أزمة مالية فورية لبوتين، وأصبح الروبل قويا بفضل ضوابط رأس المال والفائض التجارى، ولدى روسيا الوقت للالتفاف على العقوبات الغربية، وعندما عقد مؤتمر دافوس مايو الماضى، كانت الرسالة العامة هى إدانة العدوان الروسى وتجديد الالتزام بالوقوف بقوة وراء أوكرانيا ولكن سرا، وكان هناك قلق بشأن التكاليف الاقتصادية لحرب طويلة الأمد، وهذه المخاوف لها ما يبررها تماما.
وتابع، أعطى الغزو الروسى لأوكرانيا دفعة إضافية لضغوط الأسعار القوية بالفعل، ويبلغ معدل التضخم السنوى فى المملكة المتحدة ٩٪ وهو أعلى مستوى له منذ ٤٠ عاما، وقد سجلت أسعار البنزين مستوى قياسيا، ونتيجة للحرب، تواجه الاقتصادات الغربية فترة من النمو البطيء أو السلبى وتضخم متصاعد «عودة إلى الركود التضخمى فى السبعينيات»، وتشعر البنوك المركزية بما فى ذلك بنك إنجلترا أنه يتعين عليها الاستجابة للتضخم الذى يقترب من رقمين عن طريق رفع أسعار الفائدة، ومن المتوقع أن ترتفع نسبة البطالة وتواجه الدول الأوروبية الأخرى نفس المشاكل، إن لم يكن أكثر من ذلك، لأن معظمها يعتمد على الغاز الروسى أكثر من المملكة المتحدة.
وأوضح الخبير الاقتصادى، أن المشاكل التى تواجه البلدان الفقيرة فى العالم تختلف من حيث الحجم، فبالنسبة لبعضها، لا تكمن المشكلة فى الركود التضخمى، بل المجاعة، نتيجة لإغلاق إمدادات القمح من موانئ أوكرانيا على البحر الأسود، وكما قال ديفيد بيسلى، المدير التنفيذى لبرنامج الغذاء العالمى: «فى الوقت الحالى، صوامع الحبوب فى أوكرانيا ممتلئة، وفى الوقت نفسه، يسير ٤٤ مليون شخص حول العالم نحو المجاعة».
ونوه الكاتب إلى أن صندوق النقد الدولى والبنك الدولى ومنظمة التجارة العالمية والأمم المتحدة أبدوا مخاوف متزايدة من وقوع كارثة إنسانية، وما لم تكن الدول النامية مصدرة للطاقة نفسها، فإنها تواجه ضربة ثلاثية تؤدى فيها أزمات الوقود والغذاء إلى أزمات مالية، وفى مواجهة خيار إطعام سكانها أو الدفع لدائنيها الدوليين، ستختار الحكومات الخيار الأول، وكانت سريلانكا أول دولة تخلفت عن سداد ديونها منذ الغزو الروسى، لكن من غير المرجح أن تكون الأخيرة، ويبدو العالم أقرب إلى أزمة ديون كاملة من أى وقت مضى منذ التسعينيات.
وأضاف، تمت إدانة بوتين بحق بسبب «تسليح» الطعام بمعنى استخدام الطعام كسلاح، لكن استعداده للقيام بذلك لا ينبغى أن يكون مفاجئا منذ البداية، كان الرئيس الروسى يلعب لعبة طويلة، فى انتظار تفكك التحالف الدولى ضده، وإذا كانت هناك حاجة إلى دليل على أن العقوبات لا تجدى نفعا، فإن قرار الرئيس الأمريكى جو بايدن بتزويد أوكرانيا بأنظمة صاروخية متطورة يوفر ذلك، والأمل هو أن تحقق التكنولوجيا العسكرية الحديثة من الولايات المتحدة ما فشل فيه حظر الطاقة والاستيلاء على الأصول الروسية حتى الآن فى تحقيقه، وهو إجبار بوتين على سحب قواته.
وأشار الخبير الاقتصادى إلى أن الهزيمة الكاملة لبوتين فى ساحة المعركة هى إحدى الطرق التى يمكن أن تنتهى بها الحرب، رغم أن الأمور لا تبدو على الأرجح على هذا النحو، وهناك نتائج أخرى محتملة، الأول هو أن الحصار الاقتصادى سينجح فى نهاية المطاف، ومع فرض عقوبات أكثر صرامة على روسيا سيجبرها على التراجع، والآخر هو تسوية تفاوضية، لكن بوتين لن يستسلم دون قيد أو شرط، وإمكانية حدوث أضرار جانبية خطيرة من الحرب الاقتصادية واضحة من بينها انخفاض مستويات المعيشة فى البلدان المتقدمة؛ ومجاعة وأعمال شغب بسبب الغذاء وأزمة ديون فى العالم النامى.