صرح الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق، رئيس اللجنة الدينية بمجلس النواب، بأن الإسلام أرسى قواعد وأسسا للتعايش مع الآخر في جميع الأحوال والأزمان والأماكن، بحيث يصبح المسلمون في تناسق واندماج مع العالم الذي يعيشون فيه، بما يضمن تفاعلهم مع الآخر وتواصلهم معه دون تفريط في الثوابت الإسلامية.
وتابع "جمعة" عبر حسابه على فيسبوك مردفًا: وعلى نهج تلك الأسس ووفق هذه الثوابت يمضي المسلمون قدما في رسم الحضارة الإسلامية لمعايشة المستجدات التي تطرأ عبر التاريخ، كما يظل الرسول صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة والقدوة الطيبة في كل شيء, مصداقا لقول الله تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَاليَوْمَ الآَخِرَ) [الأحزاب:21]. وقد ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لنا أربعة نماذج للتعايش مع الآخر داخل الدولة الإسلامية وخارجها.
وأوضح الدكتور علي، أن أول هذه النماذج هو نموذج مكة، وكان المقام فيها مقام الصبر والتعايش، والثاني نموذج بقاء المسلمين في الحبشة، والمقام فيها مقام الوفاء والمشاركة, والثالث نموذج المدينة في عهدها الأول, والمقام فيها مقام الانفتاح والتعاون، أما النموذج الرابع فهو نموذج المدينة في عهدها الأخير، والمقام فيها مقام العدل والوعي قبل السعي.
وقال رئيس اللجنة الدينية، إنه ولا يخرج بقاء المسلم في مجتمعه وتعايشه مع كافة النظم والأديان كافة عن هذه الصور الأربع، ومن ثم يجب علينا أن نعي حقائقها، لندرك أنها صالحة للمسلم في كل عصر بحسب حاله، مستفيدا من سنة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيرته على كل حال، إذ قد أقامه الله تعالى في هذه المقامات كلها.
مردفًا: والحقيقة أن هذه المقامات أصبحت أساسا أصيلا في تكوين شخصية المسلم، وامتدت إلى أعماقه حتى صار الصبر والتعايش والانفتاح والتعاون والوفاء والمشاركة والعدل والوعي بالشأن والزمان والسعي على بصيرة جزءا لا يتجزأ من تلك الشخصية، بل إن هذه المقامات هي أصل دين الله الذي ارتضاه للبشر عبر العصور وكر الدهور، والذي نحاول أن ننتهي إليه أن النماذج الأربعة في التعايش مع الآخر فردا كان أو دولة هي نماذج قائمة لا يعتريها إبطال أو تعطيل, وواقع وحال الأفراد أو الجماعات هو الذي يحدد للمسلم في هدي أي نموذج يمكن أن يتواصل ويتعاون ويحقق السلام الاجتماعي والتعايش مع الآخر.
واختتم "جمعة" حديثة قائلًا: على ألا يغيب عن أذهاننا أن هذه النماذج لا يدخلها النسخ بمعنى رفع أحكامها كلية، إذ النسخ لا يقع في الأحكام التي وردت في كتاب الله تعالى, فهو صالح لكل زمان ومكان، وهو الكلمة الأخيرة من رب العالمين إلى الناس، ونحن في احتياج إلى كل ما أمر به ونهى، أو أرشد ونبه، فليس هناك نسخ لأحكامه، لا بالكتاب ولا بالسنة.