الإثنين 25 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

سياسة

عاصم حفني: تيارات الإسلام السياسي تمتلك صورة مشوهة عن الدولة الحديثة

عاصم حفني
عاصم حفني
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

تمتلك الجماعات والحركات الإسلامية تفسيرات بدائية وشعارات ماضوية حول علاقتها بالآخر المختلف عنها، وفي الوقت الذي تنفتح فيه المجتمعات الحديثة على استيعاب التنوع العرقي والديني لضمان التعايش الإنساني بين مجموعات متباينة فإن تيارات الإسلام السياسي لا زالت تحلم بتهيئة ظروف الواقع الآني لإعادة إنتاج حقب تاريخية قديمة تنظر إليها الجماعات كأنها مراحل مثالية ونموذج يجب تكراره، مع تجاهل كل المتغيرات التي طرأت على العالم الحديث، وهو ما يشرح انفصال هذه الجماعات عن الواقع.

وتعتقد الجماعات أن مجموعة من الأهداف تقع على عاتقها بعد وصولها للحكم، مثل نشر الدعوة الإسلامية، وإقامة المجتمع المسلم وإعادة الجهاد في سبيل الله، وإقامة دولة الخلافة، وهو الحلم الذى أعلن عنه تنظيم "داعش" الإرهابي، ونشر الأهوال والفظائع حيث قتل الأبرياء والأطفال واغتصاب النساء وسرقة الأموال وثروات البلاد. 

يربط عاصم حفني، أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة مونستر الألمانية، بين إصرار تيارات الإسلام السياسي على التفتيش الأخلاقي وبين امتلاكها لصورة مشوهة عن مفهوم الدولة الحديثة، متسائلا: هل يحكم الدولة نص ديني معين أم تحكمها مبادئ شاملة صالحة لتعايش الطوائف المختلفة وأكثر من أتباع دين؟ وبرأيه أن الإجابة عن السؤال تكشف عدم إيمان الجماعات بتطور تطبيق مبادئ الدين داخل أي مجتمع.

يقول "حفني"، إنه مع ظهور الإسلام، وأيضا بقية الأديان، كانت هناك وحدة واحدة بين الجانب الأخلاقي والجانب الديني، لأن الجماعة البشرية كان مفهومها بسيط، ليست بمفهوم الدولة حاليا، فالجماعة الصغيرة تعيش في بقعة واحدة، ويحكمها قانون واحد، وأخلاق شبه واحدة، فمن الطبيعي الخلط بين الجانب الديني والخلقي، وهو ما يناسب بساطة شكل الحياة في القبيلة أو المجتمع الصغير قديمًا.

ويتابع: مع تعقد المجتمعات البشرية وتطورها ونشوء الدولة بمفهومها الحديث، أصبحت الدولة مربوطة بدستور عام، ويعيش تحت ظل هذا الدستور جماعات مختلفة دينيا وعرقيا وأحيانا لها لهجات مختلفة في بقع جغرافية معينة، فمن الصعب أن يكون دين أي مجموعة أفراد من هذه الدولة هو الذي يحكم الجانب الأخلاقي للبقية.

ويوضح أستاذ الدراسات الإسلامية، أنه من الطبيعي اشتقاق الجوانب الأخلاقية من القناعات الدينية، لكنه لابد له من إطار عام حاكم له، وهناك كود اجتماعي معين يحكم هذا الإطار والقانون يساعد عليه، وهو الذي يُستقى من جميع القناعات، وليس الذي يُستقى من جماعة دينية واحدة، وهذه نقطة لا تؤمن بها الجماعات الإسلامية.

ولا تعتقد الجماعات الإسلامية أن التطور بات يكفل الحق لكل القناعات الدينية المختلفة أن تشارك في وضع كود أخلاقي عام يدعمه قانون الدولة، وبهذا الصدد يشرح "حفني"، أن عدم إيمانها بالتطور يجعلها تسعى لإحياء الفكرة القيمة لربط الأخلاق بالسياسية، وهي صورة تقليدية لا تؤمن بأن الأخلاق لا يمكن أن تولد بدون مرجعيات دينية معينة.

ويلفت "حفني" إلى أن هناك شعوب كثيرة لا تعتقد بدين معين، جماعات في بلاد متقدمة، في أوروبا مثلا، لا تؤمن بأي دين، لكنها تؤمن بالأخلاق وتؤمن بالقيم الروحية، وهذا ما ينقص الجماعات الإسلامية بأنه يمكن تطوير الأخلاق بدون الرجوع لدين معين، ومن الطبيعي أن ترفض التطور وتخلط بين الديني والسياسي، وتلجأ للجانب الأيسر والأسهل لها من أجل أن تتحكم في الشأن العام عن طريق فرض صورتها عن الأخلاق التي تساويها بالدين.

ويعتقد أستاذ الدراسات الإسلامية، أن أوامر الدين لا تفرض بالقوة، حتى وإن كان في بداية الإسلام يوجد ما يمكن أن يكون حماية للدعوة، فهو ما نتج عنه هذا الخلط من أن أوامر الدين تحكمها بالقوة، وفهمنا للوقائع القديمة يوضح لنا أن القضية ليست في أوامر الدين بحد ذاتها، لأنه كان يُسمح للمسيحي أن يظل مسيحيا، ولليهودي أن يظل يهوديا في مقابل الجزية أو الحماية، وهذا يؤكد أنه لا يفرض أوامره بالقوة، لكن هناك خلق مجال عام لحرية الدعوة، وكلها خطوات مرتبطة بالجماعات البسيطة القبلية.

ويبين أنه في ظل الدولة الحديثة هناك مرجعيات أخلاقية وروحية لأتباع الديانات لكن الجانب السياسي له مرجعية واحدة يرتضيها مجموع طوائفه، والأمور التعبدية تنبثق دائما من الدين، ولا يفرضها القانون، لكنه يتيح مجالا لتطبيقها وممارستها، لأن فرضها بالقوة يفقدها معناها، إذ كيف أفرض على شخص أن يصلي لو لم يكن مقتنعا بالصلاة! وما الفائدة التي تعود على الدين! فالقوة تخلق مجموعة من المنافقين.

ويلح "حفني" في حديثه على ضرورة الإيمان بالتطور، لأن الجانب السياسي متغير كما هو الحال في الواقع، لأنه جانب إداري معاملاتي تحكمه المصلحة وما يراه العقل البشري عن طريق الخبرة والتجربة.

يؤكد عاصم حفني، أن فرض الحجاب أو أزياء معينة على بعض المجتمعات مرتبط بالجانب الثقافي والاجتماعي، وكذلك الحال عند حركة طالبان مثلا،  فلا ينتظر منها غير ذلك، لأن البيئة الاجتماعية هناك مازالت تعتقد في هذا النوع من الملابس، وهنا يتضح الخلط بين الديني وبين الثقافي المجتمعي، أي تصبح العادة أو التقليد الاجتماعي جزءا من الدين.

ويشير "حفني" إلى قرارات طالبان المتعلقة بفرض نوعًا من الزي على النساء في أفغانستان، قائلا: الخلط الذي أقصده واضح في مرسوم طالبان الذي أعلنه هبة الله زاده، زعيم طالبان بقوله: "ينبغي عليهن وضع التشادري (البرقع) تماشيا مع التقاليد"، إذن فهو قد استخدم كلمة التقاليد، وهو الخلط بين ما هو ديني وبين ما هو تقليد اجتماعي، وهذا الأمر موجود ومنتشر في أكثر من دولة.

وأوضح، أن الأزياء مختلفة في أكثر من بلد، وهي من القضايا التي يحكمها التقليد، والذي يتم ربطها بالدين، مثلا المرأة في الريف والصعيد في مصر تلبس بشكل معين، وتمشي خلف الرجل وينظر لهذا أنه من الدين، وأيضا تعاقب إذا ارتكبت جرمًا أخلاقيا ربما بالقتل، ويتم ربط هذا الفعل بالدين بينما هذا لا تقره أي شريعة.

وأشاد أستاذ الدراسات الإسلامية بجوهر بقضية "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" واصفًا إياها بـ"قضية ذات أهمية"، موضحًا في الوقت نفسه أنه يتم استغلالها من قبل الجماعات لفرض مفاهيم تصب في صالح فرض هيمنتها وسيطرتها.

ووفقًا لرأي "حفني" فإن القضية يمكن فهمها في المجتمعات التقليدية على التناصح والتكاتف والتذكير، لكنها مع تطور الأمور واتساع ونمو الجماعة ودخول غير المسلمين فيها، واختلاف العادات والتقاليد في البلاد المفتوحة، أصبح من المستحيل أن يكون "المعروف" في مكة هو نفسه "المعروف" في القاهرة أو دمشق، ومعنى "المعروف" هو ما تعارف عليه الناس، ومن المستحيل أن يتعارف الناس في مصر والعراق والشام على أمور واحدة، فـ"المعروف" مختلف عليه من مكان إلى مكان.

وشرح "حفني" كيف تنظم الدولة الحديثة قضيتي "المعروف والمنكر"، وذلك مع تحديد فهم الحديث النبوي "من رأى منكم منكرا فليغيره"، ووفق رأيه، فإن المسئول عن التطبيق بالقوة هي الدولة لأنها تطبق القوانين التي ترتضيها لنفسها، وبهذا زال مفهوم تطبيق الأفراد لمنطق القوة لتطبيق المعروف أو منع المنكر، أما التغيير باللسان فأصبح من سلطة المؤسسات القادرة على إعطاء أي معارف صحيحة مثل الإعلام ومنابر المساجد والمدارس والجامعات، أما تغيير القلب فمرتبط بفكر ووعي وقناعات الأفراد.

وقال "حفني"، إن تطبيق الحديث يخرج بهذا المفهوم من يد الأفراد ليد الدولة، فمن حق المواطن أن يقدم بلاغا للنيابة العامة بحق الأشياء التي لا يرتضيها، وبدورها تباشر التحقيق في الوقائع، على النقيض من هذا تؤمن الجماعات الإسلامية، ترفض المفاهيم الحديثة، وتستغل الدين للسيطرة على الناس.

وفي الختام، شدد أستاذ الدراسات الإسلامية على ضرورة صياغة القيم الدينية البسيطة في إطار المؤسسات الحديثة، لأنها كانت تخاطب أفراد بسطاء قديما، والآن مع تعقد المجتمعات وظهور الدولة الحديثة بات من الضروري النظر لدور المؤسسات في تطبيق المبادئ العامة دون الأفراد.

د. عاصم حفني