مما لا شك فيه أن الألم تجربة قاسية وسلبية بغيضة يتخلله شعور بعدم السعادة والمعاناة التى قد تقذف بنا فى محرقة التذمر وعدم الرضا عن الحياة ؛ وقد تصل بالبعض لمحاولة إنهاء حياتهم رغما عن إرادة الله الخالق العظيم ؛ فكل إنسان على وجه الأرض تتشكل حياته من مجموعة من التجارب والاختبارات المتعددة والمتنوعة ما بين قاسية ومفرحة لكن دائما يبقى السؤال الأزلى هل نستطيع أن نحتمل تجاربنا برضا وشكر أم نقع فريسة سهلة لإغواءات الشيطان ومقاصده الشريرة فى التذمر على ما نبتلى به خلال رحلة الحياة ؟ ولكى نعبر المحن والتجارب بسلام نحتاج دائما إلى الرجوع لتاريخ من سبقونا فى أرض الشقاء والاسترشاد بفضائلهم التى كانت ولا تظل منارة نهتدى بها فى ليل مظلم ملىء بقسوة الألم.
ولأن من الثابت أن أغلب الألام الإنسانية تقع فى قلوب النساء فقد أخذت السيدة العذراء مريم النصيب الأكبر من الألم والأحزان فقد جاز فى نفسها أكثر من سيف مؤلم حتى الإماتة فمنذ حداثتها وبداية حياتها وهى طفلة عندما بلغت عامها الثالث جاءا بها والداها وقدموها لله لأنها كانت نذرًا لله، وبقيت في الهيكل حتى سن الثانية عشرة لم تكن الخدمة فى الهيكل سهلة كما يظن البعض فقد كانت تقوم بتنظيف الهيكل من روث ومخلفات الحيوانات التى كانت تقدم كذبائح لله، ويتجلى خضوع العذراء مريم في قبولها لمشيئة الله، فهي الفتاة المخطوبة لرجل عمره ثمانين عامًا تأتيها بشارة الملاك ليخبرها بأن أختيار السماء وقع عليها كما جاء في بشارة الملاك لها قائلًا: ” لا تخافي يا مريم لأنك قد وجدت نعمة عند الله، وها أنت ستحبلين وتلدين أبنًا وتسمينه يسوع، هذا يكون عظيمًا وابن العلي يدعى ويعطيه الرب الإله كرسى داود أبيه، ويملك على بيت يعقوب الى الأبد؛ وهنا من الطبيعى أن تغرق فى تساؤلات مرعبة وسيف جديد اجتاز فى نفسها وهو سيف "الشك " فكيف تكون أما وهى لم تعرف رجلًا هل المجتمع سيصدق قصة بشارتها من الملاك ؟!!؛ ثم ما هي نظرته ونظرة المجتمع اليهودي لها وهي نذيرة الرب وابنة الهيكل؟!. علاوة على ذلك قد تتعرض لعقوبة الزنا وهي الرجم حتى الموت، ولكن القديسة الطاهرة مريم العذراء لم تحتسب لشيء ولم تفكر في نفسها، بل بإيمان واثق صمتت وقبلت البشارة.
لذلك نجد أن الكنيسة الكاثوليكة تحتفى احتفاءً بالغًا بالقديسة مريم فقد تمثّلت فيها صور آلام البشرية ومنذقرون عديدة خصصت الكنيسة الكاثوليكية شهر كامل للسيدة العذراء وأسموه (الشهر المريمى ) لتكريمها ومارس فيه أجدادنا وأبائنا صلوات مختلفة لتكريم أمنا العذراء مريم منها: (صلاة المسبحة الوردية، قراءة الطلبات الخاصة بمريم العذراء، صلاة السهرانة، قراءات وتأملات الشهر المريمي )، مؤكدين أن مريم هي خليقة من خلائق لله ولكنها خليقة فريدة نالت رضى الله بأمانتها وإخلاصها وأخلاقها والتزامها بكل ما يرضي الله.ولهذا أُطلقت عليها لقب “أم الأحزان”. وخصصت لها عيد تذكاري فى يوم 15 سبتمبر من كل عام، ويرجع الأمر إلى القرن الرابع والخامس الميلادي،عندما كتب القديس افرام السرياني (373م) “مراثي مريم” والذى لخّص فيها ما عانته مريم، ولقد بدأ فـى الإحتفال بـعيد “سيدة الأحزان” من بدايـة القرن الثانـى عشر ثـم بدأ فـى الإنتشار بين مكرمـي العذراء فـى كل العالـم وتمت إضافتـه إلـى قائـمة الأعياد الـمريـمية بمعرفـة البابا بندكيت الثامن
لذلك لم أجد أفضل من " الملكة "، " العذراء "، " البتول "، " أم النور الحقيقى "، " الحمامة الحسنة "، " السماء الثانية "،" تهليل حواء "،" فخر العذارى "،" نهر المحبة "، أمنا كلنا وفخر البشرية كلية الطُهر السيدة العذراء مريم لتكون حياتها ورحلة آلامها ضوء ينير لنا الطريق فى غربة الأرض ورحلة الشقاء.