استقبل البابا فرنسيس صباح الأربعاء، في الفاتيكان المشاركين في المؤتمر الدولي حول خطوط التطوير للميثاق التربوي العالمي وللمناسبة.
ووجه البابا كلمة ترحيب بضيوفه وقال يسعدني أن الاقتراح الذي تم إطلاقه في عام ٢٠١٩ لميثاق تربوي عالمي يجذب الانتباه من العديد من الجهات، وأن الجامعات تتعاون أيضًا؛ وتقوم ذلك من خلال دراسات متعمقة حول مختلف القضايا، مثل كرامة الإنسان وحقوق الإنسان، والأخوَّة والتعاون، والتكنولوجيا والبيئة المتكاملة، والسلام والمواطنة، والثقافات والأديان. وبالتالي يشكّل مؤتمركم هذا فرصة لتقييم العمل الذي تمَّ القيام به حتى الآن والتخطيط لتطوير ميثاق التربوي للسنوات القليلة القادمة.
وأضاف البابا فرنسيس حسب ما نشرته الصفحة الرسمية للفاتيكان، أنه التقى مؤخرًا برؤساء جامعات اللاتسيو، وتذكرمعهم كيف يجب أن نتعلم في هذه الفترة مع الطلاب الشباب في جامعاتنا أن نعيش الأزمة ونتغلب عليها معًا. بهذه الطريقة يمكنها أن تصبح kairòs، لحظة مناسبة تحثُّنا لاتخاذ مسارات جديدة. نموذج رمزي لكيفية التعامل مع الأزمة تُقدِّمه لنا شخصية إينياس الأسطورية، الذي، وسط ألسنة اللهب في المدينة المحترقة، حمل والده العجوز أنتشيسيس على كتفيه وأمسك ابنه الصغير أسكانيو بيده وحملهما كلاهما إلى بر الأمان. إنَّ إينياس لم يخلِّص نفسه فقط، بلَّ خلّص معه أيضًا أباه الذي يمثل تاريخه وابنه الذي هو مستقبله.
واستطرد البابا فرنسيس يقول يمكن لهذه الشخصيّة، أن تكون مهمة لرسالة المربّين، الذين دُعوا للحفاظ على الماضي ومرافقة خطوات المستقبل الشابة. كما أنها تسمح لنا بتذكر بعض المبادئ الأساسية للميثاق التربوي العالمي. أولاً محورية الشخص البشري. بدءًا من طروادة، لم يحمل إينياس معه الخيور والأشياء - باستثناء أصنام الآلهة بيناتس – وإنما حمل فقط أباه وابنه. وهذا الأمر يذكرنا أنه علينا في كلِّ عمليّة تربوية أن نضع الأشخاص دائمًا في المحور ونهدف إلى الأساسي، ولكي يكون كل شيء آخر ثانوي. عنصر أساسي آخر هو استثمار أفضل الطاقات بإبداع ومسؤولية. يمثل أنتشيسيس المُسنّ التقليد الذي يجب احترامه والحفاظ عليه؛ فيما يمثل الشاب أسكانيو الغد الذي يجب ضمانه؛ وبالتالي فإينياس هو "كجسر" يضمن المرور والعلاقة بين الأجيال. إنَّ التربية، في الواقع، هي متجذرة دائمًا في الماضي، ولكن لا لكي تتوقّف، ولكنها تتوق نحو تخطيط طويل الأمد، حيث يلتقي القديم والجديد معًا في تكوين أنسنةٍ جديدة.
تابع البابا فرنسيس : كذلك لا يجب أن ننسى أنّه من الضروري أن نربّي على الخدمة. إنَّ أنتشيسيس وأسكانيو، بالإضافة إلى أنهما يمثلان التقليد والمستقبل، هما أيضًا رمز للفئات الهشة في المجتمع والتي يجب الدفاع عنها، رافضين تجربة الإبعاد والتهميش. إنَّ ثقافة الإقصاء تريدنا أن نعتقد أنه عندما لا يعمل شيء ما بشكل جيد، علينا أن نتخلَّص منه ونغيِّره. هكذا نفعل مع المنتجات الاستهلاكية، ولسوء الحظ أصبح ذلك أيضًا ذهنية وسينتهي بنا الأمر بعيشها مع الأشخاص أيضًا. على سبيل المثال، إذا لم يعد الزواج ناجحًا، يقوم المرء بتغييره؛ إذا لم تعد الصداقة تناسبنا، نقطعها وينتهي الأمر؛ وإذا لم يعُد المُسنُّ مستقلاً، يتم تهميشه وإبعاده... لكنَّ الهشاشة هي مرادف للقيمة: إنَّ المسنين والشباب هم مثل الأواني السهلة الانكسار التي يجب الحفاظ عليها بعناية.
واختتم البابا فرنسيس قائلاً : أيها الأصدقاء الأعزاء، في زمننا هذا، حيث تميل التقنية والاستهلاك إلى جعلنا مستخدمين ومستهلكين، يمكن للأزمة أن تصبح لحظة مواتية لكي نبشِّر مجدّدًا معنى الإنسان والحياة والعالم؛ ولكي نستعيد محوريّة الإنسان كمخلوق هو صورة الخالق ومثاله في المسيح. هذه هي الحقيقة العظيمة التي نحملها والتي من واجبنا أن نشهد لها وننقلها أيضًا في مؤسساتنا التربوية. لا يمكننا أن نخفي عن الأجيال الجديدة الحقائق التي تعطي معنى الحياة. وفي المجال التربوي، يكون إخفاء الحقيقة حول الله احترامًا للذين لا يؤمنون مثل حرق الكتب احترامًا للذين لا يفكرون، أو محو الأعمال الفنية احترامًا للذين لا يرون، أو إزالة الموسيقى احترامًا للذين لا يسمعون. أشكركم على عملكم في خدمة التربية، والذي هو أيضًا إسهام خاص تقدّمونه للمسيرة السينودسيّة في الكنيسة. أشجعكم على المضي قدمًا وأُرافقكم ببركتي. ومن فضلكم لا تنسوا أن تصلّوا من أجلي.