دعت اللجنة الاوروبية للديمقراطية عن طريق القانون، المعروفة باسم لجنة البندقية، الى إلغاء مراسيم الرئيس التونسي قيس سعيد المتعلقة بتشكيل الهيئة المستقلة للانتخابات واجراء انتخابات تشريعية قبل الاستفتاء على الدستور، الأمر الذي أغضب الرئيس معتبرا تقرير اللجنة نوعًا من التدخل في الشأن التونسي.
وحلل بعض المراقبين للمشهد التونسي أن لجنة البندقية استندت في تقريرها إلى الأراء التي تروجها حركة النهضة الإخوانية حول المسار الإصلاحي السياسي الذي ينتهجه الرئيس سعيد، كما أن رأيها المطروح يدعم بشكل كبير العودة إلى الوراء وإنتاج نفس الوجوه الإخوانية القديمة.
وقال الكاتب والمحلل السياسي التونسي نزار الجليدي، إن تونس شهدت بعد العام 2011 سيلا من الهيئات والمنظمات الدولية التي فتحت (دكاكين) بهدف تقديم الدعم والمشورة لما يسمى بالمجتمع المدني الذي أصبح عبئا ثقيلا على الحياة السياسية في تونس.
وأضاف "الجليدي" في تصريحات خاصة لـ"البوابة نيوز"، أن دكاكين الهيئات الدولية فُتحت في كل مكان بإرادة أشخاص في الداخل، حيث ذهبت لممارسة دور الأحزاب الصغيرة الموازية بيافطة مدنية وليست سياسية، وتكشف الأرقام المهولة لعدد الجمعيات، ما يثير الأسئلة حول ما يتم تدبيره لتونس، إحدى الولايات بها 120ألف مواطن، بها حوالي 600 جمعية جميعها مدعومة من منظمات دولية، وهذه الجمعيات باتت عبئا ثقيلا على تونس.
وتابع، أن هذه المنظمات والجمعيات لا تتورع عن التدخل في الشأن القضائي والديمقراطي وما يتعلق بالحشد والتعبئة، والتعليق والتدخل في القرار السياسي، والكل يعرف تدخلهم في الانتخابات التي شهدتها البلاد في العام 2011 وفي العام 2014، ونحن اليوم بحاجة إلى قانون ينظمها.
وأوضح أن لجنة البندقية هي لجنة استشارية، وهي التي أثرت على القانون الانتخابي الذي صدر في تونس ودمر الحياة الانتخابية السابقة، قانون فوضوي، وبدورها تطاولت على الأمر في تونس وأصبحت الراعي الرسمي للمسألة الانتخابية.
ويحكي "الجليدي" كيف تعامل أصدقاء اللجنة اليوم مع تقاريرها سابقا، ففي العام 2015 رفضت لجنة البندقية بكل وضوح قانون المصالحة الاقتصادية الذي أعلن عنه رئيس الجمهورية الراحل الباجي قايد السبسي وأكدت أن هذا القانون مخالف للدستور وبالتحديد الفصل 148 منه. ماذا حدث بعد ذلك؟ هاجم اللجنة كل من نداء تونس وحركة النهضة، ثم وقع تبني هذا القانون ووقعت المصادقة عليه من مجلس النواب. فصمتت اللجنة وصمت المنافقون وصمت غيرهم.
ولفت الي أن لجنة البندقية هي إحدى المؤسسات المرتبطة بالاتحاد الأوروبي، وهي تساعد على تركيز النظم الديمقراطية ولكن بالمعايير الأوروبية ودون الالتفات الى خصوصية كل بلد، ويبدو أن الرئيس قيس سعيد غضب لهذا السبب.
وقال "الجليدي": المأساة الحقيقية هي الانفصام في شخصية الكثير من السياسيين الذين يكونون سعداء جدا بهذا الرأي الاستشاري للجنة البندقية ، وهم انفسهم شتموا هذه اللجنة منذ سبع سنوات خلت لأنها لا تتماشى مع مصالحهم آنذاك.
واختتم أنه من حق رئيس الجمهورية اتخاذ أي قرار يحمي به سيادة تونس إذا كان به مساس بالأمن القومي، ولكن الحقيقة أن لجنة البندقية لها رأي استشاري لا غير، ولا تأثير له بأي شكل من الأشكال.