في ظل الزيادة في الأسعار العالمية، نتيجة الأزمة الاقتصادية التي ألقتْ بظلالها على العالم بأسْرِه، أصبح الاكتفاء الذاتي من إنتاج المحاصيل الإستراتيجية ضرورة مُلِحَّة للتنمية في مصر الجديدة، حتى تنهض في المستقبل القريب، فقد شهدتْ أسواق القمح العالمية -في الشهر الماضي وحتى الآن- اضطرابًا كبيرًا متأثرة بالحرب الروسية الأوكرانية، حيث تصاعدت أسعار القمح بصورة كبيرة نتيجة عدم تصدير شحنات من قمح روسيا وأوكرانيا.
نتج عن ذلك تضرر الاقتصاديات العالمية، وما صاحبه من ارتفاع جميع الأسعار للسلع وخاصة في الدول النامية، حيث تحتل مصر المركز السابع عالميًا في استهلاك القمح بإجمالي استهلاك ٢١ مليون طن، ومصر أيضًا هي أكبر دولة في العالم استيرادًا للقمح بقرابة ٨: ١٢ مليون طن في عام ٢٠٢١، وفقًا لبيان مجلس الحبوب العالمي المنشور على موقع (وورلد جرين) في ديسمبر الماضي، ومن المتوقع أن يصل إجمالي الناتج إلى ١٠ ملايين طن بحسب تقديرات مركز المعلومات الصوتية والمرئية بوزارة الزراعة، ويُستورد الباقي من الخارج، مع الوضع الاضطراري لظروف الحرب الروسية- الأوكرانية، وهما الدولتان المصدِّرتان للقمح لنا، وتغير سوق الاستيراد المفاجئ بأسعار مرتفعة حسب الزيادة العالمية.
علينا في مصر الجديدة بقيادة الرئيس السيسي والتي بدأها بخطوات التنمية التي نشاهدها على أرض الواقع من شبكة طُرق وكباري، تربط جميع أنحاء جمهورية مصر العربية وأطرافها المترامية مما يُيسر الوصول إلى أي مكان في أسرع وقت، ويشجع على زيادة الرقعة الزراعية بالاستثمار والتنمية في استصلاح الأراضي وزراعتها؛ وذلك نتيجة لتمهيد الطرق التي من خلالها تنقل السيارات المنتجات من المحاصيل الزراعية للأسواق المحلية، وتمكّن أيضًا من سرعة الوصول للموانئ في رحلتها للأسواق العالمية، كما أنها تؤدي إلى سهولة استقطاب ووصول الأيدي العاملة للعمل في الزراعة ورعاية الزراعات حتى الحصاد والإنتاج.
كما صاحب عملية الاستصلاح وزراعة الأراضي الجديدة مدّ شبكة الكهرباء أو استخدام طرق حديثة للكهرباء ستؤدي بالطبع لاستخراج مياه الآبار، كما سيؤدي وصول المرافق إلى خلق مجتمعات جديده في تلك الأراضي البِكر زراعيًّا، وستنقل أعدادا كثيرة من الوادي الضيق الذي يعاني البطالة إلى مجتمع مُنتِج له تطلعات وأحلام حقيقية.
ولكي تسد الفجوة يجب تسريع الخطا نحو الزراعة الحقيقية التي تستطيع الدولة البناء عليها بقرارات سيادية، وخاصة في المحاصيل الإستراتيجية واسعة الاستخدام لدى المواطنين المصريين، مثل القمح، والذرة، والأرز، وقصب السكر، وبنجر السكر، ومن المحاصيل الزيتية الحولية المخصصة لإنتاج الزيت في مصر أربعة: الفول السوداني، والفول الصويا، والسمسم، وعباد الشمس؛ وذلك لمواجهة النقص في إنتاج الزيوت النباتية بسبب الزيادة الكبيرة في الاستهلاك السنوي لتغذية الإنسان الذي يصل إلى ٦٦/ ٢ مليون طن بذور زيتية تُعصر في مصر لتصل الفجوة إلى ٩٧- ٩٨ ٪.
وتنتج مصر نحو ٣٠٠ – ٤٠٠ ألف طن زيت تُستخدم في الصناعات الدوائية ومستحضرات التجميل والصابون والجلسرين والمنظفات، كما تعد تلك المحاصيل تصنيعية تقوم عليها مجتمعات زراعية صناعية سواء في الأرض الجديدة أو أراضي الوادي، وتستخدم المخلفات علفًا حيوانيًّا عالي القيمة الغذائية.
قدمت الحكومة المصرية -مع بداية حرب روسيا وأوكرانيا- حوافز تشجيعية لمزارعي القمح بزيادة سعر إردب القمح ٦٥ جنيها، ويزن الإردب ١٥٠ كجم ليصبح سعره ٨٦٥ – ٨٧٥ – ٨٨٥ جنيهًا حسب درجة النقاوة؛ لتوريده لشون ومراكز التجميع التابعة لوزارة الزراعة وبمتابعة التموين لكي نكتفي ذاتيًّا من المحاصيل الإستراتيجية التي تمثل الأمن الغذائي في مصر.
لا بد من رؤية شاملة وخُطط مستقبلية تواكب التطورات والزيادة السكانية، يجب أن يُبدأ فيها فورًا؛ ونقترح لذلك تخفيض سعر إيجار أراضي الدولة المؤجرة للأهالي والمستثمرين في الأراضي المستصلحة حديثًا، وتلك التخفيضات تصل لنصف مبلغ الإيجار السائد في مثيلاتها للأهالي بشرط زراعة أصناف القمح التي تتناسب مع نوع التربة ومكوناتها بإرشاد المختصين من مركز البحوث الزراعية وأيضًا الأراضي المُعدَّة والمخصصة لطرحها للإيجار بذات الشروط، أو زراعة نصف مساحة كل فرد مع خفض نصف القيمة الإيجارية مع الرقابة على التنفيذ من لجان يكون من بينها عناصر من الأمن الحربي لضمان التنفيذ الصحيح على الواقع، والتوسع فى زراعة محصول الذرة لسد العجز من إنتاج القمح، وخلط دقيق القمح مع الذرة وإيقاف استيراد القمح.
منذ وعينا على الدنيا في النصف الثاني من السبعينيات وما تبعه كانت مصر تأكل خبزا من عيش الذرة، وبعد تلك الحقبة الزمنية خُلطت الذرة مع القمح ثم استُبعد دقيق الذرة عن الخبز وطعام الإنسان وأصبح الخبز الرئيسي من القمح. ولمَ الذرة ونحن نتهافت على أكله مشويًّا؟ فعلى الحكومة سُرعة مساندة صغار المزارعين وتشجيع الشباب والمنتفعين بأراضي الدولة لزراعة الذرة وتوريده للشون الزراعية بأسعار مجزية على غِرار القمح، وفرض دورة زراعية بها حصر للمساحات التي تزرع سنويًّا على مستوى الجمهورية، تُعد سلفًا حتى يمكن تقدير الناتج من المحصول.
ولابد من زيادة الرقعة الزراعية لمحاصيل قصب السكر والبنجر؛ لزيادة الإنتاجية مع تشييد وبناء مصانع كبرى لاستخراج السكر بالقُرب من مناطق الزراعة، وكذلك التوسع في الرقعة الزراعية لمحاصيل الزيت سواء الفول السوداني أو فول الصويا أو السمسم أو عباد الشمس مع زراعة أصناف تتعايش مع طبيعة الأرض والجو على أن تكون ذات جودة وإنتاجية عالية، فضلًا عن إنشاء مصانع لاستخلاص الزيوت النباتية، ومصانع للأعلاف الحيوانية، مع قيام الدولة بدورها في توجيه المستثمرين بحوافز تدفعهم لتحقيق ذلك.
وعلى البحوث الزراعية توفير انواع البذور عالية الجودة تناسب التربة الزراعية ومتخصصين في الإرشاد من الزراعة والخدمة والمتابعة حتى الحصاد مع توفير الأسمدة بأسعار مناسبة وإعداد خريطة لجميع المحاصيل الإستراتيجية بها المساحات من الآن لعدة سنوات مع حساب الارتفاع المتوقع في عدد السكان لتحقيق الأمل المنشود بالاكتفاء الذاتي سنويًّا، تشرف عليه الأجهزة الرقابية حتى تنهض مصر الجديدة وتساير الأمم.
آراء حرة
في ظل ارتفاع الأسعار.. الاكتفاء الذاتي من المحاصيل الإستراتيجية مستقبل مصر
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق