دعوة الرئيس عبدالفتاح السيسي لحوار وطني شامل، تستحق كل اهتمام من أجل تحقيق كل ما نصبو إليه نحو رفعة الوطن فى كل المجالات، وغني عن القول، أن الدعوة إلى الحوار خلقت حالة من الحراك فى المجتمع وبدأنا نسمع عن عقد جلسات للتشاور بين الأحزاب ومنظمات المجتمع المدنى، إلى جانب استضافة بعض القنوات التليفزيونية لقادة الأحزاب وبعض المفكرين لعرض وجهات نظرهم.
فى هذا السياق، بادر الكاتب الصحفى عبدالرحيم علي رئيس مجلسي الإدارة والتحرير لمؤسسة «البوابة»، كعادته وطرح فكرة عقد ندوات يستضيفها صالون البوابة، إيمانًا بقناعته التامة بأن المرحلة الحالية من عمر الوطن في حاجة إلى إجراء حوار جاد يتناسب مع بناء الدولة الجديدة.
وقد انطلقت الندوة الأولى لصالون «البوابة» حول الحوار الوطني الأحد الماضي 29 مايو، وافتتحتها داليا عبدالرحيم رئيس التحرير التنفيذي لـ«البوابة»، وشارك فيها من أقطاب حزب التجمع: عاطف مغاوري نائب رئيس الحزب وعضو مجلس النواب، ومحمد فرج الأمين العام المساعد.
وكانت داليا عبدالرحيم مُحقَّة تمامًا عندما قالت فى كلمتها الافتتاحية، إن الحوار الوطني جاء في وقته، لتجنب الخلافات ودعوة الجميع على طاولة واحدة للنهوض بالدولة المصرية، بالإضافة إلى كونه مظلة تشمل تحتها مصلحة الوطن.
كما حرص ممثل حزب التجمع على التأكيد على أنه لا حوار مع أحزاب دينية وإرهابيين وقتلة تلوثت أياديهم بدماء الشعب المصري.
والشاهد أن هذا الحوار الوطنى فرصة ثمينة لطرح كل الأفكار والرؤى، بعيدًا عن أي تعصب لرأى معين. ولكى يُكتب لهذا الحوار النجاح فإن هناك محددات رئيسية أراها ضرورية كى لا يتحول الأمر إلى مجرد «مكلمة» ثم تنفض الجلسات ويذهب كل طرف إلى حال سبيله.
وأولى خطوات الطريق نحو نجاح الحوار تتمثل فى آلياته ومحدداته والتى يمكن اختصارها فى نقاط محددة من وجهة نظرى المتواضعة:
- ضرورة تشكيل لجنة تحضيرية تشترك فى اختيارها الأكاديمية الوطنية للتدريب [التى أوكل إليها مهمة إدارة الحوار الوطنى] بالتشاور مع أطياف المجتمع من أحزاب ومنظمات مجتمع مدنى وعلماء ومفكرين ومثقفين وفنانين. كاقتراح مثلًا: ممثل عن كل حزب [مدنى] ممثل فى مجلسى النواب والشيوخ.. والهدف من ذلك بلورة كل محددات الحوار ومحاوره وما إلى ذلك، كى لا تبدأ الجلسات وسط حالة ضبابية أو فى ظل عدم تنسيق مسبق. إذ من المهم التأكيد على أن تشعب الحديث فى كل شىء دون ترتيب، لن يصل بنا إلى أى شىء.
- اعتماد مبدأ توسيع قاعدة المشاركة فى الحوار من خلال دعوة جميع ممثلى المجتمع المصرى بكل فئاته ومؤسساته، وبالتالى عدم اقتصار جلسات الحوار على الجلسات المركزية الرئيسية، والسعى نحو خلق حوار حى فى كل محافظات الجمهورية بما يضمن حالة من الزخم وشعور الناس بأهمية رأيها.
- توسيع قاعدة المشاركة فى الحوار [سواء مركزيًا أو بالمحافظات] يعنى أن دعوة الحوار الوطني موجهة لكل القوى الوطنية ومنظمات المجتمع المدنى باستثناء من تلوثت أياديهم بالدم عبر استخدام السلاح أو عملوا على تلويث أدمغة الناس بالفكر المسموم (مثل عدم الوقوف تحيةً للسلام الوطنى أو العلم المصرى أو القول بحرمانية تهنئة المسيحيين بالأعياد...إلخ).
- أساس الحوار هو "التوافق الوطني".. فالحوار ليس بين حكام ومحكومين، ولا بين موالاة ومعارضة، أو بين أغلبية وأقلية.. لابد أن تتولد قناعة تامة من أن الحوار بين جميع شركاء الوطن على قدم المساواة بين كل الأطراف دون تمييز ودون استقواء بأي صفة من الصفات. وما يتم التوصل إليه يكون بالتوافق العام وليس بالتصويت الاعتيادى.. لننظر إلى الحوار على أنه نوع من التفاوض بين الجميع حول الصالح العام للوطن.
- تتولى اللجنة التحضيرية (المقترحة هنا) تشكيل لجنة تكون مهمتها تجميع مخرجات الحوار الوطنى عبر جلساته المختلفة، فى وثيقة أولية موحدة متفق عليها من جميع القوى والفئات المشاركة يتم رفعها إلى السيد الرئيس.
- عدم وضع شروط مسبقة من أى طرف للمشاركة، وأن يتسع الحوار ليشمل كل القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية دون تجزئة أو انتقاء، وألا يتعمد أى من المشاركين جر الآخرين لاتجاه محدد يتفق وتصوراته وحده، أو الخروج بمكاسب منفردة.
- يتردد أن مخرجات الحوار التى سيتم رفعها إلى السيد الرئيس، سوف تعرض على مجلسى النواب والشيوخ، ولكننا لا نعرف حتى الآن شكل هذا العرض على غرفتى البرلمان.. هذه المسألة قد تبعث على القلق. ما المقصود بالعرض على الغرفتين؟.. هل مناقشة مخرجات الحوار نفسها، أم البدء فى إقرار ما ورد من مقترحات؟ (بمعنى مثلًا: لو تم الاتفاق على تعديل قانون الأحزاب فيشرع البرلمان فى التعديل فورًا مثلما تم التوافق عليه.. وهكذا).. هذا سؤال مشروع يبحث عن إجابة شافية وواضحة، إذ أعتقد أن عرض نتائج الحوار على رئيس الجمهورية يكفى ليقرر برؤيته وحكمته ما يحقق مصلحة الوطن.
إذا اتفقنا على منهج إدارة الحوار، نكون قد بدأنا السير على الطريق الصحيح، ويكون ما بعد ذلك سهلًا بما فى ذلك محاور الحوار الوطنى التى تحتاج إلى مقالٍ آخر مستقل إذا كان فى العمر بقية.