المصريون قاوموا محاولات توظيف الدين فى السياسة عبر تاريخهم.. و«السادات» أخطأ فى استخدام عصا الإسلاميين لمواجهة اليسار
تطرف المثقفين أفرز مزيدًا من التطرف.. وبعضهم دافع عن التطبيع علنًا
المراجعات الفكرية أثمرت عودة الكثيرين عن خط العنف.. ودار الإفتاء المصرية تأخذ بالتنوع الفقهى ولا تتبنى مدرسة واحدة
جماعة شكرى مصطفى اعتبرت الشيخ الذهبى مرتد حلال الدم.. والتجديد خارج المؤسسات الدينية يفتقد الأرضية اللازمة للاجتهاد
أدعو للتوسع فى دراسة علم اجتماع الحركات الدينية والتوعية عبر المناهج الدراسة.. وتجب دراسة حركات التطرف والإرهاب وإنشاء كرسى دراسى لها فى الجامعات المصرية والعربية
حوار- محمد كامل
في سبعينيات القرن الماضي، كان هناك مسجد في قلب القاهرة يعلو منبره أحد دعاة التطرف، يدعى آدم صالح، ليقول بعلو صوته: «السادات كافر ومن لم يحكم بما أنزل الله كافر ومن يوجد عنده ثلاجة ولا يوجد في منزله بندقية آلية يقاتل بها الطواغيت يأثم شرعًا»، وكان شكري مصطفى يردد في أتباعه أثناء هروبه في الصحراء: «أنا أمير جماعة المسلمين الوحيدة علي الأرض.. ورأس الشيخ الذهبي يسكنها الشيطان.. ويجب أن نتخلص من هذا الشيطان». في الوقت نفسه، كان الراحل الشيخ الشهيد محمد حسين الذهبي يقول إن الإسلام جاء رحمة للعالمين ويجب توعية شبابنا المسلم من مخاطر الغلو في الدين بالقدوة والعمل الصالح.
كان هذا مشهد السبعينيات الذي قدمة عمرو عبدالمنعم، الباحث والخبير في تاريخ حركات التطرف والتشدد الديني، الذي حصل مؤخرًا علي درجة الدكتوراه في فلسفة التاريخ، من جامعة طنطا، عن موقف الجماعات الإسلامية المتطرفة من قضية التجديد الديني، اغتيال الشيخ الذهبي نموذجًا من عام 1917 إلي عام 1981.
تخيل أنك كنت شابًا وعاصرت هذا الزخم من الفتاوى التكفيرية، في مواجهة منابر الاعتدال الأزهرية، ماذا عليك أن تفعل؟، قطعًا تحتاج لأن تحشد كل ما تربيت عليه وتعلمته من شيخك القديم، من معلم التربية الدينية، من أسرتك، وربما غيرت خط سيرك كي لا تلتقط أذناك هذا الغثاء المؤذي لكل ضمير! وعن هذه الفترة الصاخبة واغتيال التكفيريين للشيخ محمد حسين الذهبي، التقت «البوابة» الباحث عمرو عبدالمنعم، وكان لنا معه الحوار التالي..
** اخترت الفتوى وعلاقتها بالمجتمع المصري لرسالة الماجستير.. فما أهمية الفتوى في دراسة التاريخ؟
الفتاوى مصدر خام للتاريخ تستطيع أن تتعرف منه على أحوال المجتمع وتحركاته ونوازعه الداخلية، وكمؤرخين وباحثين ندرس الفتوى باعتبارها محركة للأحداث، وندرس السؤال بعيدا عن الإجابة، ندرس دورها فى تشكيل الوقائع وسلوكيات الفاعلين فى التاريخ؛ فالمؤرخ ليس رجل فقه ولا دين، المؤرخ محلل ناقد وصاحب رؤية فى دراسة المجتمع فى ماضيه وحاضره واستشراف مستقبله، والمغزى من بعض الفتوى ودراستها هو كشف تجليات لعبة توظيف الدين فى السياسة طمعا فى المجد والسلطة، وهنا كان يكمن ذكاء المصريين ضد كل من حاول الالتفاف عليهم فى الماضي كما فى الحاضر.
** ما أهم النتائج التي وصلت إليها في رسالتك عن فتاوى المصريين؟
حوت الرسالة معظم الجوانب الإفتائية تقريبا في مائة عام، وربط ظهورها بالعوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وكيف تغيرت الفتوى بتغير الزمان والمكان وقدرات الفقيه وخلفيته المعرفية، وكيف كان الحكم على بعض المستحدثات بكونها حرامًا ثم أصبحت حلالًا فيما بعد مثل فوائد البنوك وقوانين تنظيم الأسرة وقوانين الأحوال الشخصية عمومًا.
كما تعرضت لثراء الحقل الإفتائي المصري بعيدًا عن التعصب المذهبي، وهو مذهب دار الإفتاء المصرية، فهي من تلك المؤسسات التى اعتمدت على مذهب «الاختيار الفقهي»، بعدما كانت تعتمد على المذهب الحنفى إبان مجلة الأحكام العدلية، وهي مجلة وضعتها لجنة من العلماء فى الدولة العثمانية.
** لماذا اخترت حقبة السبعينيات ومقتل الشيخ الذهبى موضوعًا لرسالة الدكتوراه؟
لقد كانت فترة مهمة من تاريخ مصر، وكتبت فيها كثير من الرسائل الجامعية، ولكن ملمحي الفكري الجديد هو منظور تلك الجماعات بعضها لبعض وعلاقتها بالدولة، وعلاقة الدولة بمؤسساتها الدينية بهذه الجماعات «دار الإفتاء، والأزهر الشريف، ووزارة الأوقاف»، وموقف الدولة منها وبداية ظهور مصطلح التجديد فعليا في بعض الأروقة العلمية الدينية المصرية.
تميزت حقبة السبعينيات بكونها ذروة اشتعال المنطقة بالأحداث المرتبطة بظاهرة الإسلام السياسي، فهي الحقبة التي عاصرت تداعيات حرب أكتوبر وصحوة الوعي بالعدو الصهيوني والحاجة لبناء القدرات الوطنية بعد نصر أكتوبر، في مقابل الهجرة إلى بلدان النفط وتبني مذاهب وآراء فقهية متشددة في مسألة الجهاد والحاكمية، وبروز جماعة التكفير والهجرة بزعامة شكري مصطفى، التي تبنت تكفير المجتمع وجيشه وحاكمه الرئيس أنور السادات.
وأصبحت تلك الآراء تتخذ منحى أكثر حدة بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد 1979، كما شهدت تلك الحقبة قيام الثورة الخومينية الإيرانية في العام نفسه، واقتحام الحرم من قبل جهيمان العتيبي، ودخول السوفيت أفغانستان وبداية الحرب الأفغانية مع ظهور الرئيس محمد داود خان، وما تبع ذلك من الحرب الباردة بين أمريكا والاتحاد السوفيتي التي أدت لتفكك الأخير، وظهور أفغانستان كملاذ للجماعات الإرهابية الباحثة عن القوة والنفوذ، ما جعل العالم كله يرتج من عمليات تنظيم القاعدة الإرهابية وغيرها من المنظمات التي تتبنى العنف باسم الدين.
وقد تعرضت الرسالة لتلك الظواهر المجتمعية والسياسية التي أفرزت جماعة التكفير والهجرة، كما تعرضت لحياة ومناقب الشيخ الذهبي رحمه الله ومواقفه الفكرية التي حملت الجماعة على الانقضاض عليه، فقد اعتبر أفعالهم خارجة عن الدين وكان واحدا من أبرز المجددين في عصره ومنهم الشيخ جاد الحق والشيخ موسى لاشين والشيخ محمد الغزالي، كما ظهر جيل من المفكرين الإسلاميين من خارج مؤسسة الأزهر ووصفتهم برواد مدرسة «إسلام الأطراف» في مقابل «إسلام المركز» وهؤلاء ممن تبنوا أفكار التجديد مستقلة، ومنهم طارق البشري ود. أحمد كمال أبوالمجد.
** ما المعوقات التى واجهتها في أثناء تجميع المادة العلمية لرسالة الدكتوراه؟
الحصول على الوثائق الخاصة بالقضايا السياسية وقضايا الاغتيالات، مثل قضية الفنية العسكرية وقضية التكفير والهجرة وقضية الجهاد الصغري عام 1979، وقضية الجهاد الكبرى عام 1981، قضية السفارة القبرصية، مناظرة شكري مصطفي مع حسن الهلاوي قيادي تنظيم الجهاد والمؤثر الرئيس في شكري، والذي دفع الثمن بعملية اقتحام كتيبة شكري مصطفي الخضراء منزله في الطالبية هرم عند مسجد الرحمة والاعتداء عليه وشقيقته.
وتكمن الصعوبة في أن أوراق قضية الفنية العسكرية والتكفير والهجرة غير موجودة في بعض الأماكن الرسمية نظرا لحساسية القضيتين من الناحية السياسية، وورود أسماء بعض الشخصيات العامة فيها مثل نائب رئيس الجمهورية حسن الشافعي ووجود شخصيات سياسية وأمنية بارزة حققت في قضية التكفير والهجرة، فكانت هناك صعوبة بالغة في الحصول علي الأوراق، وهنا لجأت إلى المحامي مختار نوح الذي فتح لي خزائن أسراره وأمدني بالكثير منها المدعم بالوثائق.
** لماذا اخترت اغتيال الشيخ محمد حسين الذهبى نموذجًا فى مواجهة التكفير؟
كتاب الشيخ الراحل محمد حسين الذهبي «قبس من الهدي النبوي» والذي لم يطبع مرة أخرى، هو رد مهم على جماعة شكري من الناحية الأصولية والشرعية والمنطقية، وكانت جماعات الإسلام السياسي ترى «الذهبي» كافرا مرتد حلال الدم، رأسه بها شيطان أكبر يجب أن تتطهر برصاص أمير الجماعة.
فالشيخ ما زال مظلوما ولم تصنع عنه رسائل جامعية ولا مسلسلات درامية ولا صنعت دراسات عن فكر الرجل، ولم نر اسم «الذهبي» يطلق على ميدان أو حتى مدرج بالجامعة، وكان من الاستثناءات المبهجة أخيرًا رواية «رصاصة في الرأس» للكاتب إبراهيم عيسى.
** هل ترى أن قضية التجديد الدينى لا تزال يساء فهمها باعتبارها تبديدا لأصول الدين؟
التجديد واجب شرعي وفقهي ووطني ورسالة السماء إلى الأرض، وهناك فارق بينه وبين التبديد عملية مصطنعة يجيدها البعض ولا تستمر، وقد قال الرسول الكريم إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها، وهناك اجتهاد مع النص لتفسيره وتوضيحه وإظهاره، والمصلحة تدور مع النص حيث كان، لذلك فقد ركز الفقه وأصوله علي أهمية الواقع التاريخي، وأهمية الزمن الذي يصدر فيها الأحكام.
فحين شرع علم الأصول جاء لأهمية رعاية مصالح العباد، لأنه يعرف أهمية الوقع التاريخي، وبل وذهب كثير من الفقهاء إلي أنه لا تعارض مطلقا بين الشرع والمصلحة بل ووجب تقديم المصلحة علي الشرع، فالواقع الحالي يحمل مستجدات كثيرة تتطلب اجتهادات جديدة توافق حركة المجتمع، لذلك لم يكبل القرآن الكريم حركة الواقع من خلال نصوصه الشرعية، فالقرآن به كافة التشريعات المرنة.
وأستطيع القول: إن دراستي محاولة لإعادة الصورة التاريخية التي اتسمت في أذهان الكثيرين من أن قضية التجديد من اختراعات ما بعد الحداثة، لكن الحقيقة تسعى إلى تقديم ما هو جديد في إطار «مدرسة التاريخ المصري» في مرحلة السبعينيات وربط الماضي بالحاضر من خلال المعرفة الخلدونية، أي التجديد باعتباره عملية بناء وإضافة للتراث وفق منهجية محددة وفي ضوء المقاصد الكلية للشريعة الإسلامية حتي تبقي الشريعة فاعلة في الحياة، وهو موقف الفقهاء عبر العصور.
** ما أبرز الدروس المستفادة من حقبة السبعينيات فى مواجهة التطرف الدينى؟
الدرس التاريخى هو عدم استغلال الدولة للجماعات أو ما أطلقت عليه عملية «المخاتلة» بمعنى استخدام النظام السياسي لقوى اجتماعية لأغراض سياسية في مواجهة قوى اجتماعية أخرى، اليسار في مواجهة الجماعات الإسلامية، والجماعات في مواجهة اليسار، فلأول مرة في التاريخ الحديث يحدث ذلك من نظام الحكم، فقد كانت تحولات الدولة المصرية في عهد الرئيس الراحل محمد أنور السادات تتجه لمخالفة الحقبة الناصرية، وبالتالي انعكس ذلك على مكونات وجودها في فترة السبعينيات فاتجهت إلى التخلص من ميراث «عبدالناصر» وتشابك القوى اليسارية مع الدولة العميقة، لتحجيم وجودها في الجامعات المصرية تم غض الطرف عن ممارسات القوى الإسلامية البازغة في هذه التوقيت لمواجهة التيار اليساري في الجامعات.
وهنا نستطيع القول إن الدولة تمارس عملًا خارج إطار القانون ضد التطور الطبيعى للقوى السياسية فى المجتمع نتج عنه ترعرع قوى الإسلام السياسى بشقيها العنيف والتكفيرى فيما بعد.
** رصدت صعود التيار المتطرف الذى أسفر عن حادثة «الفنية» واغتيال الشيخ الذهبى والرئيس السادات.. ما ملامح هذا الصعود؟
شكلت السبعينيات حاضنة صعود الإسلام السياسي، وصعود منابر دعاة التطرف، ومنهم رفاعي سرور وآدم صالح وبعض الدعاة من أصحاب الكاريزما في الأوساط الشعبية ومنهم كشك والمحلاوي، وأسفر ذلك عن ظهور مثلث جماعات العنف من أبناء التيارات الثلاث «الإخوان والسلفية والتكفير» الذي قام باغتيال الرئيس السادات في حادثة المنصة 1981، وقاد الجماعة قبلها للاقتحام الدامي للكلية الفنية العسكرية وقتل الشيخ الذهبي، وتغير وجه العالم وما زال تأثير تلك الأحداث حاضرًا حتى يومنا.
في تلك الفترة اتسمت الساحة السياسية الإسلامية بالالتهاب الشديد والحماس الشبابي وروح تحدي الغرب من خلال كتب مثل «قذائف الحق»، «أحجار على رقعة الشطرنج» و«قادة الغرب يقولون: دمروا الإسلام»، وكانت حركة التكفير والهجرة قد بدت منتفخة إذ اسسها شكري مصطفى عقب خروجه من السجن 1971، وأعلنت حكمها على المجتمع بالجاهلية، وشابت تلك الفترة ممارسات أمنية استفزت هؤلاء الشباب، مثل التوسع في الاعتقالات على خلفية قضايا العنف، كما نجح الإخوان في استقطاب عشرات القيادات من الجماعات الإسلامية ومنهم خيرت الشاطر والعريان، في العام الذي شهد مقتل الشيخ الذهبي 1977.
وأطلقت علي العمليات الثلاث الإرهابية في السبعينيات «الاقتحامات الثلاثة الكبرى» بقيادات رموز التطرف الديني، أمثال صالح سرية، شكري مصطفي، ومحمد عبد السلام فرج، من خلال ثلاث سرديات فكرية هي رسالة «الإيمان» وبحث «التوسمات» و«الفريضة الغائبة» (اقتحام الفنية العسكرية، وذبح ثلاثة عشر من قياداتها وطلابها 74، واقتحام منزل الراحل الشيخ محمد حسين الذهبي واغتياله 77، واقتحام المنصة واغتيال الراحل محمد أنور السادات81) وكان لهذه الأحداث واقع فكري وامتدادات عنف فيما بعد.
** هل لا تزال أدبيات جماعة التكفير المتطرفة تلقى صدى من أي فصيل؟
مع الأسف فإن السرديات ما زالت موجودة وتُدّرس في الأروقة والمغارات السرية والأوكار التنظيمية، ويتم البناء عليها والتعامل معها وترويجها، ونجد أن أفكار سيد قطب وأبوالأعلى المودودي ما زالت مستمرة، مثل سرية التنظيم وعلانية الدعوة ووجوب العمل الجماعي وفلسفة قتال الحكام وتكفير المجتمع والخروج عليه وتكفير من لم يكفر هذه الطائفة، وسنضرب مثل بأبي حمزة المهاجر وزير حرب تنظيم القاعدة عندما نظّر لفكرة الطائفة الممتنعة.
** وفقًا للرسالة فإن مفكرى مصر كان لهم موقف من قضية التجديد فى سبعينيات القرن الماضى.. ما ملامح هذا الموقف؟
بالفعل تعرضت لموقف أبرز المثقفين المصريين من قضية التجديد الديني ومرجعية الدين الإسلامي في أمور الحياة، وقد كانت في مجملها تميل للتحفظ، أي الاستناد للدين مع نظرات فقهية تلائم العصر ومنهم بنت الشاطئ، وبعضهم مال إلى آراء فيها تمييع للدين وتارة مغالاة وصلت للدعوة لفصل الدين عن الحياة ما يعكس الهوة بين النخب والشارع المتمسك بهويته الدينية.
أراد المثقفون التجديد خارج إطار المؤسسات الدينية، وأغفلوا أن التجديد هكذا يفتقد من صاحبه المؤهلات المعرفية الشرعية اللازمة للاجتهاد، وهي قاعدة تمتلكها مؤسسات الدولة الدينية العريقة، وبدت حالة غياب الثقة بين المثقفين والأزهر، وحدث صدام كبير بين المؤسسة وهؤلاء ومسجل في معارك ظهرت في كتب منها «الحصون المنيعة» للشيخ موسى شاهين، وبل وبعضهم كان يرى التطبيع مع إسرائيل واجب المرحلة، ومنهم توفيق الحكيم، وبالمناسبة لقد كان هناك رصد مبكر من قوى غربية لهذا الأمر سجله غالي شكري في الأرشيف السري للثقافة المصرية، وهذا اتجاه عند بعض مثقفينا إلى اليوم، اتجاه يضرب في المؤسساتية ويعمل لصالح نفسه ومشروعاته الذاتية، وللأسف يصب هذا الاتجاه في التشدد ومن ثم التطرف، بل ويدفع الجندي على الجبهة الثمن لأن هذا الاتجاه ينسب إلى الدولة في النهاية.
** أشرت لمواقف حاسمة قادتها المؤسسات المصرية لوأد الإرهاب فى السبعينيات... فهل يمكن استلهام تلك التجارب حاليًا؟
ناقشت الرسالة دور دار الإفتاء، ووزارة الأوقاف ومشيخة الأزهر الشريف من التشدد والتطرف والإرهاب، وكيف نجحت الدولة حينها من وأد الفتنة الطائفية في بعض المناطق المهمشة في المرج والزاوية الحمراء وعين شمس، وهو دور هام يصلح أن نبني عليه أو تنبني عليه الدولة موقفها من التشدد والتطرف الديني قبل استفحالها ووصولها إلي الإرهاب والعنف.
ومن التجارب اللافتة في مصر، في مجال التصدي لتلك الظاهرة، كانت تأسيس وزير الداخلية، حسن أبو باشا، إدارة داخل جهاز مباحث أمن الدولة للمواجهة الفكرية ووضع أسس علمية قانونية للتعامل مع تلك الجماعات من الملامح الغائبة في هذه الفترة، وتم اسناد هذه المواجهة الفكرية لمجموعة من العلماء الثقات، وكانت بالمناسبة على علاقة تضاد مع الدولة مثل الشيخ موسي شاهين لاشين فقد رفض قانون الأحوال الشخصية حينها وتصادم مع الدولة وشيخ الأزهر حينها، الذي تفاعل مع الدعوة وتجاوب معها بقوة فقد كان صديق للراحل الشهيد محمد حسين الذهبي.
لقد بدأ مشوار الحوار والمناقشة والمحاججة والمناصحة لمجموعة التكفير بقيادة شكري مصطفى في السجون المصرية، وأحدثت هذه الطريقة رد فعل إيجابي، خاصة أن الدولة لم تستثمرها إعلاميا إلا بعد نجاحها فانطلقت بعدها في برنامج «ندوي للرأى» للإعلامي حلمي البلك، وعدد من الحوارات الفكرية الصحية جدا بجريدة اللواء الإسلامي.
كما تطرقت لموقف مراجعات التنظيمات نفسها من الداخل من قضية التكفير، بعضها مثل «دعاة لا قضاة» لمرشد الإخوان الثاني حسن الهضيبي، وأكدت فيه أنها كانت مراجعات لصالح التنظيم والجماعة للحفاظ علي التنظيم من غلواء أفكار سيد قطب وأبو الأعلى المودودي بعد تناميها في السجون وخارجها.
** ما مستقبل هذه التنظيمات على ضوء دراستك لحقبة السبعينيات؟
التطرف والإرهاب موجات، وهناك هبوط وصعود بحسب الأوضاع السياسية والأمنية، في السبعينيات كانت الموجات الأولي للإرهاب بعد الحرب الأفغانية الروسية، وبعد الاجتياح الأمريكي للعراق كانت الموجة الثانية، وبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر كانت الموجة الثالثة، والآن الحرب الأوكرانية الروسية مرجح أن يجتاح العالم الموجة الرابعة للإرهاب والعمليات الإرهابية السريعة «ذئاب مانهتن تتقدم»، في إشارة للعمليات التي ينفذها جهاديون منفردون بتخطيط من المنظمات الإرهابية، وتحتاج تلك لمواجه غير تقليدية واستراتيجية قومية مبدعة لمواجهتها.
** ما أهم التوصيات التى خرجت بها رسالتك عن الإرهاب والتجديد الدينى فى السبعينيات؟
خرجت الدراسة بعدد من التوصيات أهمها الدعوة لكرسي دراسي لمواجهة الإرهاب في جميع الجامعات المصرية والعربية ومراكز الأبحاث المتخصصة والمؤسسات الدينية العلمية لمعرفة تطورها والوقوف على أبعادها الفكرية، مع تطوير المناهج الدراسية لتشمل الحث على احترام الآخر والحوار معه ونبذ العنف بلغة منطقية قاطعة يتشربها النشء، والاهتمام بعلم اجتماع الدين والحركات الدينية، وعلاقتها بالجغرافيا والزمان، لأن ذلك يمنحنا تفسيرا لخروج أبناء تلك التنظيمات سواء من المناطق المهمشة أو الحضرية، ضمن ما يعرف بـ سيسيولوجيا الفرق الدينية المتطرفة.
كما دعت الرسالة للتوسع في مكافحة الإرهاب والتطرف الديني بالوسائل الحديثة الفكرية والتكنولوجية واعتماد استراتيجية الخطاب المباشر للشباب في أماكن تواجدهم، والمناظرات الهادفة لدحض أفكار التطرف، وإحياء المراجعات الفكرية وعرضها ليتعلم الشباب من اخطاء من سبقهم، مع معرفة مالات الجماعات ومصير الانتماء إليها.ودعم الجهود الرامية إلى وضع مدونة سلوك لمكافحة التطرف والإرهاب، لأن مصطلح الإرهاب مصطلح مطاط فبعض الدول الأوروبية تطلق علي حركات المقاومة ارهاب وبعض الدولة تعترف بأنشطة جماعات إرهابية بعينها تعادي دولها ومجتمعها لذلك فوضع مدونة خاصة بالدولة لتأكيد التوافق العام المجتمعي والدولي عليها تحمي السلم الداخلي والأمن العالمي.