لم تنج صناعة السينما كباقي الصناعات من التغيرات التي طرأت في السنتين الأخيرتين، فبسبب غلق دور العرض سابقا بسبب إجراءات احترازية تم تقنين معدل الصناعة، والتي كانت في الأساس قليلة، علاوة على ظهور منافس لدار العرض السينمائية والمتمثل في المنصات المختلفة، والتي أصبحت أمرًا خطيرًا يهدد مكانة ووضع السينما.
على صعيد آخر لم تنج الصناعة السينمائية من بعض الآراء الحادة، والتي أصبحت تصل للتجريح والتعامل مع صناع السينما من منطلق أن أي نقد مباح حتى وإن كان خارجا عن إطار الأخلاق.
في نظرة عامة استوقفتني حول طبيعة رواد السينما في السابق ورواد السينما حاليًا وجدت أن الفرق كبير، وحتى لا نرجع للخلف كثيرا فلنتحدث عن الحقبة التي عاصرناها كجيل حديث
كانت «خروجة» السينما، كما يطلق عليها في الماضي القريب، متنفسا مهما للعائلة والحبيبة والأصدقاء، وكان محتوى الفيلم حتى وإن اعتمد على الضحك فقط، فقد نجح في إيصال ما يريد، فالبنظر لبعض الأفلام التي حققت أرقاما كبيرة في الإيرادات رغم «قلة» سعر التذكرة وقتها، ستجد أن تلك الأفلام متواضعة المحتوى الفني، ولكنها كبيرة المحتوى الترفيهي، والذي يقوم على مبدأ الضحك من أجل الضحك.
وظلت السينما حتى عام 2011 محافظة على رونقها، قادرة على التعبير والتغيير حتى وإن كان التغيير مجرد تغيير مزاجي للأفضل، فتلك القاعة المظلمة التي يشع من خلالها نور منبعث من شاشة كبيرة وشخصيات من مختلف فئات المجتمع كانت تشارك في تكوين بعض من ذاك الجيل الذي أصبح أقل ابناءه سنآ اليوم في منتصف الثلاثينات
لكن ماذا حدث؟ ولماذا حدث؟ ومتى حدث؟
فلنبدأ بالإجابة عن تلك الأسئلة بشكل منفرد فماذا حدث؟.. الذي حدث كثير، ظهرت فئة جديدة من رواد السينما أصبح شغلها الشاغل هو الاصطياد، هل يا ترى اصطياد في الأخطاء الفنية أو البناء الدرامي والتصاعد في الأحداث بالطبع لا.. فالاصطياد قائم على منطلق أخلاقي، فتقييم الفيلم لم يعد من أجل تقييم الفيلم، لكن تقييم الفيلم أصبح قائما على الحياة الشخصية لصناعه، فتجد رواد السينما ممن يطلق عليهم الشباب كل ما يشغلهم ماذا ارتدت البطلة ليس فى الفيلم فحسب، ولكن عبر صورها على تطبيق الإنستجرام، أو كيف أثارت الجدل بتصريح ناري عبر تغريدة في تويتر، وما إن تسأله عن الفيلم ومحتواه وأحداثه وعن ماذا يتحدث سيجيبك «والله مافاكر!».
أما الفئة الأخرى من المصطادين فأولئك الذين سخروا أنفسهم كحراس الفضيلة، يفسرون مفردات الحوار في الفيلم حسب أهوائهم، ويسخرون من طبيعة الأحداث حسب ميولهم.
السؤال الثاني لماذا حدث ذلك؟
الإجابة باختصار هي انعدام الثقافة، فالثقافة أول خطواتها قائم على فكرة تقبل الاختلاف، وأسمى خطواتها هو الانغماس في المحلية.
بالنسبة لتقبل الاختلاف فهو أمر أصبح أشبه بالعفاريت تسمع عنها ولكن لا تراها، أما الانغماس في المحلية «فجيل هذه الأيام» تهمه مشاكل الغرب وسينما الخارج، ولا تهمه تلك السينما التي تتحدث عن مشاكله أو تسرد بعض تفاصيل من حياته بشكل غير مباشر وهو أمر سببه الأساسي قائم على «قلة القراءة» وقلة الوعي الفكري وعقدة الخواجة!!
أما متى حدث؟
فبالرجوع للخلف قليلا، فالجيل الحالي هو نتاج جيل تربى على حروب وانشقاقات وخلافات وعدم انتماء، مما أثر في تركيبته عموما، فبلا شك إن توجهاته السينمائية ستختلف.
ولعل صناع السينما في العصر السابق، والذي كما قلنا ليس ببعيد، كانوا محظوظين أنهم استطاعوا زن يصنعوا في بداياتهم بهدوء وبعيدا عن هيمنة السوشيال ميديا والتي يستخدمها البعض لتدمير البعض الآخر وتحديدا من صناع السينما.
متناسين أن السينما أكبر وأهم مؤرخ للتاريخ وأنها تعيش لسنوات حاملة بين طياتها، قصصا من الحب والهجر والواقعية والخيال والكوميديا والتراجيدية والوطنية والخيانة.
آراء حرة
هل تغير مفهوم رواد السينما؟
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق