في إطار استكمال حلقات "التجليات الربانية بالوادى المقدس طوى" منذ دخول يوسف الصديق وأهله آمنين إلى مصر ومسار نبى الله موسى بسيناء حتى الوصول إلى أعتاب المدينة المقدسة والذى يستعرضها خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان مدير عام البحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمى بجنوب سيناء بوزارة السياحة والآثار نستكمل الحلقة السادسة عن التجلى الأول عند شجرة العليقة الملتهبة.
وقد استعرضنا دخول يوسف الصديق وأهله إلى مصر ومكان إقامة بنى إسرائيل في مصر ومناقشة موقع ولادة نبى الله موسى وتربيته في بلاط أحد ملوك مصر وموقع بئر موسى في مدين حيث قابل الفتاتين وتزوج وعاش لمدة عشر سنوات في خمس حلقات سابقة
}فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِّنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ{ سورة القصص آية 29.
يشير الدكتور ريحان إلى أن كلمة سار بأهله هنا تعنى أنه انتظر حتى قضاء المدة المتفق عليها مهرًا لزواجه من ابنة العبد الصالح شعيب وانطلق يبغى العودة لأن بقاؤه فى مدين ليس نهاية المطاف بل العودة لأخذ بنى إسرائيل أهله هو الغرض الحقيقى ولكنه لا يعرف الطريق، وكان نبى الله موسى يعيش بمدين مدة كافية ليتعرف على معالمها وأماكن الرعى بها فمن غير المنطقى أن يضل الطريق فى هذه الحالة، ولكن لأنه غادر مدين بالفعل متجهًا إلى وادى النيل وفى هذه الحالة ضل الطريق.
سار نبى الله موسى بعد أن غادر مدين يتبع موضع الكلأ ومواقع المطر حتى يتوفر له ولأغنامه الحياة لذا اقترب من موقع الوادى المقدس طوى (منطقة سانت كاترين حاليًا) وهى شهيرة بالأمطار كما أنها أكثر مناطق مصر برودة حيث ترتفع 1580م فوق مستوى سطح البحر، وكل هذا يتوافق مع موقع مدين وموقع شجرة العليقة الملتهبة بالوادى المقدس طوى.
ويتابع الدكتور ريحان مسار نبى الله موسى حيث رأى نارًا فى هذه الليلة الباردة فترك أهله للانتظار لحين إشعال قطعة خشب فى النار لتدفئة أهله أو ربما يجد عند النار من يرشده إلى الطريق لأنه من الطبيعى وجود أشخاص تشعل هذه النيران لصنع الطعام أو التدفئة، ولكنه وجد أمرًا غريبًا فالنار تشتعل فى شجرة العليقة والعليقة لا تحترق ولم يجد أحدًا من الناس بجوار النار كالعادة فأوجس فى نفسه خيفة ورجع إلى الخلف خائفًا والنار تدنو منه، فلما سمع صوتًا اطمأن لوهلة ولكن مازال الخوف يخالجه من غرابة ما يرى فقال تعالى مطمئنًا عبده ونبيه }إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى{سورة طه آية12.
وبهذا فإن الوادى المقدس طوى هو الوادى الذى ناجى عنده نبى الله موسى ربه عند شجرة العليقة وجبل الطور هو الجبل المجاور على يمين نبى الله موسى {وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا{سورة مريم آية 52 وموقع الشجرة والجبل بسيناء طبقًا لنص القرآن الكريم }وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ وَطُورِ سِينِينَ{سورة التين آية 1-2 }وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَاء تَنبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِّلْآكِلِينَ{ سورة المؤمنون آية 20.
وينوه الدكتور ريحان، إلى أن مصر البلد الوحيد في العالم الذى تجلى فيها المولى عز وجل مرتين تجلى نورًا خلف العليقة المشتعلة وتجلى فدك الجبل حين طلب نبى الله موسى رؤية ربه أثناء وقوفه على جبل الشريعة وناجى نبى الله موسى ربه مرتين الأولى عن شجرة العليقة والثانية حين ذهب لتلقى ألواح الشريعة .
وفى سفر الخروج "أنه عندما كان موسى يرعى غنم حميه يثرون كاهن مدين تمثل له ملاك الرب عند جبل حوريب بلهيب من نار وسط شجرة عليق ولم تحترق الشجرة، وخاطب الرب موسى بعد أن خلع حذاءه: هو ذا صراخ بنى إسرائيل قد أتى إلى ورأيت أيضا الضيقة التى يضايقهم بها المصريون فالآن هلى فأرسلك إلى فرعون وتخرج شعب بنى إسرائيل من مصر وأصعدهم من تلك الأرض إلى أرض جيدة واسعة إلى أرض تفيض لبنًا وعسلًا إلى مكان الكنعانيين والحثيين والفرزيين والحويين واليبوسيين" سفر الخروج: الإصحاح الثالث – الآيات 1-7.
ويوضح الدكتور ريحان أن نبى الله موسى أرسل لهداية المصريين والعبرانيين فى آن واحد، وقد قرَّب الله تعالى موسى ليناجيه، لأن هذه خصوصية لموسى عليه السلام، فكلام الله لموسى خاصٌّ به وحده لا يسمعه أحد غيره، فإنْ قلتَ: فكيف يكلّمه الله بكلام، ويسمى مناجاة؟ قالوا: لأنه تعالى أسمعه موسى، وأخفاه عن غيره، فصار مناجاة كما يتناجى اثنان سِرًا، وهذا من طلاقة قدرته تعالى أن يُسمع هذا، ولا يُسمع ذاك.
وقد بارك سبحانه وتعالى هذه البقعة وما حولها { فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَن بُورِكَ مَن فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }سورة النمل آية 8، وكلمة بُورِك لا تناسب النار لأن النار تحرق، فلابد أن مَنْ في النار خَلْق لا يُحرق ولا تؤثر فيه النار، فمَنْ هم الذين لا تؤثر فيهم النار، هم الملائكة أو بُورِكت الشجرة ذاتها لأنها لا تُحرق أو النار لأنها لا تنطفىء فهى مُباركة، وقد رأى نبى الله موسى عليه السلام مشهدًا عجيبًا، حيث رأى النار تشتعل في فرع من الشجرة، فالنار تزداد والفرع يزداد خُضْرة، فلا النار تحرق الخضرة ولا رطوبة الخضرة ومائيتها تطفىء النار.
وجاء فى التوراة الإصحاح الثالث خروج " وأمّا موسى فكان يرعى غنم يثرون حميه كاهن مديان فساق الغنم إلى وراء البرية وجاء إلى جبل الله حوريب، وظهر له ملاك الرب بلهيب نار من وسط عليقة فنظر فإذا العليقة تتوقد بالنار ولم تحترق فلما رأى الرب أنه مال لينظر ناداه الله وسط العليقة وقال موسى أميل الآن لأنظر هذا المنظر العظيم، لماذا لا تحترق العليقة".