رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الحوار الوطني.. حتى لا تتكرر خطايانا..!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

ربما يكون الحوار الوطنى فرصة جيدة تتيح لجميع أطرافه التدرب على ممارسة السياسة دون تشنج وبمبدأ الأخذ والرد على نحو يساعد الأطراف لبلوغ النضج المطلوب للتوصل للحد الأدنى من التوافق على استراتيجية الخروج من الأزمة الحالية؛ غير أن ذلك مقرون بشروط معينة.
يحسب للقوى السياسية وأحزاب المعارضة الوطنية المدعوة للحوار مع الدولة توافقها على استبعاد ما يسمى بالإسلام السياسى والتنظيمات الإرهابية وفى القلب منها تنظيم الإخوان؛ وهو ما بدد مخاوف الكثيرين من استدعاء بعض الوجوه التى تدعى المدنية والمحسوبة على هذا التيار بزعم عدم تورطها فى أعمال إرهابية أو على الأقل عدم انتماءها التنظيمى لجماعة الإخوان.
وما يعزز هذا التوافق على لفظ حتى الوجوه المدنية الصرفة التى تورطت فى معاداة الدولة المصرية من الحياة السياسية برمتها وعدم الاعتداد بها؛ الحوار الصحفى الذى أدلى به الهارب علاء الأسوانى لإذاعة الجيش الإسرائيلى قبل أيام بعد موافقته على ترجمة أعماله الأدبية إلى اللغة العبرية ونشرها وتوزيعها داخل إسرائيل بحسب ما جاء على لسان مضيفه المذيع الإسرائيلى.
الأسوانى الذى ملء الدنيا ضجيجًا حول معاداته للصهيونية استثمر جل حديثه فى الهجوم على الدولة المصرية وإعلان معاداتها.
هذا الظهور المخزى ربما يضع الجميع أمام حقيقة مفادها أن كل من هرب إلى الخارج مدعيًا معارضة النظام السياسى المصرى ليس إلا خائن رخيص، وليس مقبول بأى وجه أى محاولة لتصنيف بعضهم كمعارضين وطنيين يمكن القبول بعودتهم لأرض الوطن حتى لو لم يتورطوا فى ارتكاب أعمال إرهابية مسلحة.
الوصول إلى ذروة النضج السياسى الذى يحقق الاستقرار ويخلق البيئة الصحية لقبول الآخر وتعدد الآراء وتنافس البرامج الحزبية؛ الهدف الأسمى من الحوار الوطنى؛ وأول الشروط التى ينبغى توافرها، أن تدخل كل القوى السياسية وأحزاب المعارضة هذه العملية دون تشنج يستتر وراء شعارات رنانة تشبعت منها الحياة السياسية المصرية لحد الملل؛ والأهم دون أن يكون لديها نية للتربص بالحكومة وتصيد أخطاءها عبر استخدام لهجة اللوم المتعالية.
وعلى الجانب الآخر ينبغى أن تتحلى الأطراف الممثلة للدولة برحابة الصدر وتقبل الانتقادات مهما كانت حدتها وتتفهم أن بعض القوى السياسية قد تأتى إلى الحوار تحت تأثير الأزمة الاقتصادية الحالية وارتفاعات الأسعار وما تصفها بأزمة سياسية مع الحكومة؛ على الدولة أن ترسل مع انطلاق أول جلسة رسائل بناء الثقة الحقيقية وتقنع الجميع أنها دعت لهذا الحوار ليس فقط للاستماع وإنما للتفاعل إيجابيًا مع كل ما تطرحه المعارضة الوطنية سواء من انتقادات أو أفكار ورؤى مغايرة بشأن مستقبل جميع الملفات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
الأمانة تقتضى القول أن أغلب القوى السياسية وأحزاب المعارضة لم تطرح على الشارع المصرى من زمن مبارك برنامج سياسى واقتصادى واجتماعى واضح المعالم وكانت دائمًا تكتفى بنقل مشاكل المصريين وأوجاعهم دون حلول بديلة وربما كان هذا أحد أسباب ضعف شعبيتها وعلى مستوى بناها الهيكلية لم تكن تلك الأحزاب تمارس الديمقراطية بمعنى تداول السلطة بين زعماءها وقادتها، وقد أدى كل ذلك إلى جانب القيود المفروضة عليها من الخارج لم تصل فى أغلبها إلى مرحلة النضج السياسى التى تؤهلها للعب أدوار مهمة ومؤثر.
فى رأيى المتواضع أتصور أن وضع الملف الاقتصادى على قائمة أولويات أجندة الحوار الوطنى سيمثل فرصة حقيقية لنضج أحزابنا السياسية من ناحية، واعتياد الحكومة على الإنصات جيدًا لكل الأطراف الفاعلة فى المجتمع؛ وظنى أن هذا الملف مدخل جيد طوال الوقت وليس فقط بمناسبة الأزمة الحالية.
وحتى تستفيد كل أطراف الحوار الوطنى بشكل عملى؛ أعتقد المعارضة الوطنية بأطيافها المختلفة مطالبة بإعداد برامج ورؤى اقتصادية تحاور بشكل واقعى وعلمى الخطة التى وضعتها الحكومة لمواجهة الأزمة الاقتصادية الحالية.
لن نستفيد شيئًا إذا ذهب ممثل المعارضة الوطنية بأحاديث عامة عن أنين الناس من الأسعار، عليهم أن ينخرطوا مباشرة فى طرح الرؤى البديلة أو التعديلات التى يرونها مناسبة على خطة الحكومة.
هكذا فقط يصبح النقاش مفيدًا لأن الحكومة ستضطر إلى الرد بتفنيد ما يطرحون بحسب ما لديها من حقائق ومعلومات، أو إلى تعديل وتصحيح بعض جوانب خطتها.
ولأن أغلب الأحزاب إن لم يكن جميعها ليس لديها مراكز للدراسات كما هو فى الدول الديمقراطية التى يسعون لمحاكاتها فبإمكانهم الاستعانة بالخبراء الاقتصاديين الذين يقتربون من أيدولوجية كل منها، وحتى يكون الحوار أكثر فائدة بما يسهم فى الوصول إلى توافق على أولويات المرحلة المقبلة وهو الهدف الذى صرح به الرئيس عبد الفتاح السيسي حين أطلق دعوته للحوار الوطنى؛ قد يكون من المناسب دعوة ممثل اتحاد الصناعات وجمعيات رجال الأعمال والغرف التجارية، وممثلين عن أصحاب المشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر.
عملية كهذه يتشارك فيها الجميع أتصور أنها ستخفض منسوب التشنج لدى بعض القوى السياسية لأنها ستتعرف ربما ولأول مرة على بعض الحقائق، وبعض التصورات والأفكار المغايرة والأكثر واقعية، ومع إتاحة نقل هذا الحوار بتفاصيله عبر نقاشات مفتوحة فى مختلف وسائل الإعلام المصرية ستكسب المعارضة المصرية مساحة أوسع بالتعبير عن نفسها وسيكسب الإعلام مساحة أرحب للنقاش وطرح التساؤلات الجادة وكل ذلك سيساعد على نضج الجميع على نحو يمكّن مساحات من الثقة المتبادلة بما يتيح المجال أمام حراك سياسى فعال يتنافس فيه الجميع من أجل الاستقرار والنمو السياسى والاقتصادى بعيدًا عن فعل وسلوك الصراع ورفض الآخر والتحفز ضده، والذى قد يمارسه البعض أو الكل بحسن نية ظنًا منه أنه ممارس حقه الطبيعى فى المنافسة.
رب ضارة نافعة، فقد توفر الأزمة الاقتصادية الطاحنة الشروط اللازمة لجدية هذا الحوار ونجاح أطرافه فى التوصل إلى توافق وطنى نجنى من وراءه ثمارًا سياسية ربما كان من الصعب تصورها لو جاءت الدعوة له فى ظروف أخرى.