أجاز القانون التصالح على المباني، ولكن يعاقب بالحبس لتبوير الأراضي، وهى عيوب قانونية لا بد من تداركها لتطوير البيئة التشريعية؛ لأنها خطوة رئيسية نحو التنمية، فقد أفرز تطبيق القانون ١٧ لسنة ٢٠١٩ بشأن التصالح على مخالفات البناء ظهور ثلاثة عيوب مهمة؛ الأول تشريعي: بشأن إجازة التصالح على مخالفات البناء، فقد سمح للمخالفين بتقنين أوضاعهم بالتصالح على المبانى المقامة على الأراضي الزراعية المتاخمة للمناطق السكنية، وما فيها من منازل وعمارات متعددة الطوابق، ولم يسمح بقبول التصالح على ذات الأرضية محل طلب التصالح، ويعاقب سواء على تهمة التبوير أو تجريف الأرضية قبل البناء عليها بالحبس والغرامة.
العيب الثاني: تنفيذي وإجرائي، ويتمثل في تأخير اللجان المشكلة في جميع أنحاء الجمهورية لإنهاء المصالحات في المدد القانونية، وتسليم المواطنين المخالفين مقدمي طلبات التصالح نموذج ١٠ الذي ينهي الدعاوي القضائية صلحًا، مما تسبب في استنزافهم ماليا، وخلق حالة التكدس في جميع الإدارات الهندسية في أنحاء الجمهورية، بسبب تقديم طلب وقف الدعاوي والأحكام عدة مرات كل من مرة تطلب المحكمة ما يفيد من الجهات المعنية بتقديم طلب التصالح وعدم البَتِّ فيه.
أما عن ثالث عيب في القانون ١٧ لسنة ٢٠١٩ الخاص بالتصالح في المباني هو إجرائي، ويترتب على إهماله مخاطر كبيرة وهو غياب الرقابة علي المكاتب الهندسية وضرورة مراجعة التقارير الهندسية والسلامة الإنشائية بعناية؛ لأن نسبة كبيرة منها صدرت من غير مختصين، وغابت عنهم رقابة الأجهزة المعنية، فقد عالجت الدولة ما أفسده النظام السابق والانفلات الأمني عقب ثورة 25 يناير 2011 والاعتداء الذي وقع على الأراضي الزراعية بالبناء بإصدار القانون رقم 17 لسنه 2019 والقانون واحد لسنة 20 20 الخاص بالتصالح في مخالفات البناء، ونص في مادته الأولى: "يجوز التصالح وتقنين الأوضاع في الأعمال التي ارتكبت بالمخالفة لأحكام القوانين المنظمة للبناء الصادرة قبل العمل بهذا القانون المقامة على الأراضي الزراعية".
وشمل المنازل والحظائر وعمارات وخلافه، وقبول طلبات التصالح المرفقة بها جميع الأوراق والمستندات والرسوم المطلوبة، وكذا مبلغ جدية تصالح يتم سداده لا يقل عن ربع المبلغ الإجمالي المقرر على طوابق المبنى وخلال مدة لا تزيد على شهر يُعطى مقدم الطلب شهادة نموذج ثلاثة لتقديمها للمحكمة أو النيابة العامة والجهات المختصة لوقف نظر الدعاوى المتعلقة بالمخالفة.
ووقف تنفيذ الأحكام والقرارات والإجراءات الصادرة بشأن الأعمال المخالفة محل هذه الطلب إلى حين البَتِّ فيها بانتهاء اللجان المشكلة قانونًا بفحص المباني هندسيًا، وانطباق الشروط من حيث السلامة الإنشائية والقانونية والصدمة الحقيقية التي ما زال المواطنون يعانون بسببها هي صدور أحكام قضائية وجوبية بالحبس والغرامة على ذات قطع الأراضي المقامة عليها المباني محل التصالح السابق تحرير محاضر تجريف أو تبوير لها لعدم نص قانون التصالح على ذلك صراحة.
والأحكام الصادرة واجبة النفاذ بالحبس والحيرة والحسرة نشاهدها تلازم المواطنين محل الاتهام مقدمي طلبات التصالح، ويتساءلون: كيف يقبل تصالحنا على المبنى ويتم الحكم علينا بالحبس على ذات الأراضي محل المباني؟! ما تلك الازدواجية؟! حيث نصت المادة 150 من قانون 116 لسنة 1983 بتعديل بعض أحكام قانون الزراعة على أنه يحذر تجريف الأرض الزراعية أو نقل الأتربة باستعمالها في غير أغراض الزراعة، ونصت المادة 154 من ذات القانون على أنه يُعاقب على مخالفة أحكام المادة 150 من هذا القانون بالحبس والغرامة لا تقل عن العشرة آلاف جنيه ولا تزيد عن 50،000 جنيه، أما في جريمة تبوير الأراضي الزراعية بالمباني عليها وخلافه نصت المادة 151 من قانون الزراعة الصادر بالقانون رقم 53 لسنة 1966 رقم 116 لسنة 1983 ورقم اثنين لسنة 1985 على أنه يحذر على المالك أو نائبه أو المستأجر أو الحائز للأراضي الزراعية بأي صفة ترك الأرض غير المنزرعة لمدة سنة من تاريخ آخر زراعة رغم توافر مقاومات صلاحيتها للزراعة، كما يحظر عليهم ارتكاب أي عمل شأنه تبوير الأراضي الزراعية أو المساس بخصوبتها.
وتعاقب المادة 155 على مخالفة تبوير الأرض الزراعية والمساس بخصوبتها بالحبس والغرامة لا تقل عن 500 جنيه ولا تزيد عن 1،000 جنيه عن كل فدان أو جزء منه من الأرض موضوع المخالفة، والعقوبة هنا ليست تخييرية لكن هي واجبة النفاذ للحبس والغرامة.
القانون نجاحه يرتبط بتحقيقه لأهدافه وكان من أهداف قانون التصالح على المباني هو إغلاق باب المخالفات في تطبيق قواعد أكثر صرامة في البناء بعد تقنين أوضاع المخالفات السابق سداد الغرامات التي حددها القانون وبالتالي يستطيع صاحب الوحدة المخالفة إدخال المرافق بصورة قانونية، كما يهدف قانون التصالح على المباني استخدام أكثر من 60% من حصيلة التصالح لصالح المشروعات التنموية ومشروعات الصرف الصحي ومياه الشرب بالمحافظات والباقي ٣٩% لخزينة الدولة ١% إثابة للعاملين. والملاحَظ أنه رغم مرور ما يقرب من ثلاث سنوات من تطبيق القانون فما زالت المشاكل قائمة ما بين عيوب القانون ومشكلات وعراقيل إجراءات تنفيذه؛ على سبيل المثال مشكلة تأخير اللجان المعنية في الفحص والمعاينات على المباني المقدم لها طلبات التصالح خلال المدة التي حددها القانون، وحتى الآن لم يتم الانتهاء وإعطاء المواطنين نموذج 10 الذي يفيد قبول التصالح نهائيا حتى يُقدَّم للمحاكم لإنهاء الدعاوي الجنائية ووقف تنفيذ الأحكام.
وترتب على ذلك خسائر مالية للمواطنين تؤثر بالسلب في الحالة العامة الاقتصادية، كما يترتب على ذلك أيضا تقديم نموذج 3 فقط الذي يفيد تقديم طلب التصالح ولم يتم البتُّ فيه، ووقف الدعوى الجنائية حيث يتم وقف القضية أكثر من ثلاثة مرات كل مرة مدة ستة أشهر وفي كل مرة المتهم مطالب بحضور الجلسة وتقديم ما يفيد أن طلبه قيد الفحص ولم يتم البت فيه، مما يؤدي إلى تكدس الجمهور داخل الوحدات المحلية للحصول على أوراق كل 6 أشهر لتقديمها للمحاكم وأيضا زيادة العبء في المحاكم من أوراق وتكدس للجمهور. والحل السريع الآن، يتمثل في تنسيق وزارة الحكم المحلي والمحافظات مع النائب العام والجهات المعنية، بوقف الدعوى القضائية والأحكام الجنائية والإجراءات لمدة عامين للمباني المقامة على الأراضي الزراعية والمتاخمة للكتل السكنية حتى تنتهي المحليات من إنهاء الفحص والمعاينات لطلبات التصالح في جميع أنحاء الجمهورية.
يعد ظهور مهندسي السبوبة والمزوِّرين من العيوب التي كشفها تنفيذ قانون التصالح، مهندسي السبوبة ومزوري المستندات الرسمية من الأوراق المنصوص عليها بقانون التصالح على المباني رقم واحد لسنة 20 20 في مادته الرابعة نص على تولي لجنة منصوص عليها في المادة الثانية من القانون ذاته البتّ في طلبات التصالح وتقنين الأوضاع.. إلخ.. وأن يُكلَّف طالب التصالح بتقديم تقرير هندسي من أحد المكاتب الهندسية الاستشارية المعتمدة من نقابة المهندسين.. ويعد التقرير الهندسي المشار إليه محررا رسميًا في أحكام تطبيق قانون العقوبات.
ونشير هنا إلى وقت صدور هذا القانون، وتوجه الأغلبية للمكاتب الهندسية بجميع مدن مصر مع غياب الرقابة على تلك المكاتب من الجهات المعنية بذلك، واستغلال الفاسدين من الحاصلين على الإعدادية أو الدبلومات الفنية أعدوا رسومًا هندسية وتقارير سلامة إنشائية لمنازل وعمارات، وأمهروا الأوراق بأختام مقلدة ومزوَّرة، وتحصَّلوا على مبالغ طائلة، وقدمت طلبات التصالح مرفقة بها تلك الأوراق في الإدارات الهندسية وقيدت الطلبات بأرقام رسمية، وحصل آخرون على أوراق تفويضات غير قانونية من مهندسين مدنيين، ومن خلال تلك التفويضات قد نفذوا كل الأوراق الهندسية وأقروا السلامة الإنشائية، وقدموها بطلبات التصالح للجهات المعنية.
وتكمن الخطورة في العمارات ذات الطوابق المتعددة المخالفة لكل الأساليب الهندسية، ومن خلال الإعلام الهادف ندق ناقوس الخطر وننبِّه المسئولين بسرعة معالجة القصور في القانون وتطوير البيئة التشريعية وإزالة العيوب القانونية لكي نخطو سريعًا نحو التنمية في ظل قيادة الرئيس السيسي الذي حقق خطوات مهمة في الفترة الماضية، منها: المحافظة على مُقدَّرات ومكتسبات الدولة، ومحاربة الفساد والمفسدين، وتطوير البِنية التحتية، وجذب الاستثمارات الدولية، وفتح الحوار المجتمعي لإصلاح القوانين لتطوير البيئة التشريعية.