الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

سمير صبرى.. وحكايات عمره كله

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

عرفناه صانعا للبهجة محبا للحياة.. مبدعا متعدد المواهب.. جمع بين العمل  الإعلامى(سواء تقديم إذاعى أو تليفزيونى)، والتمثيل، والغناء، والاستعراض، والإنتاج السينمائي.. وحقق نجاحا كبيرا فى كل مجال منهم على حده.. حيث كان يحب ما يعمل ويعمل ما يحب.. وظل لآخر أنفاسه يعمل بجد واجتهاد وبكل الحيوية رغم المرض..حتى أنه سجل قبل موته بساعات آخر حلقتين من برنامجه الإذاعى “ذكرياتى" - والذى لم يكن يتقاضى عنه  أى أجر من الإذاعة المصرية، بل كان أحيانا ينفق من ماله لتسجيل بعض الحلقات خارج القاهرة- وقبلها سجل حلقة أثناء احتجازه بالمستشفى فى فترة مرضه الأخير.. هو إبن الاسكندرية المدينة المحبة للثقافة والفنون، سمير جلال صبرى، والذى ولد فى ٢٧ ديسمبر ١٩٣٦، فى أسرة أرستقراطية.. كانت والدته محبة للموسيقى الكلاسيكية والفنون الرفيعة.. وكان والده وجده برتبة لواء فى الجيش.. درس فى مدرسة"كلية فيكتوريا" -بالأسكندرية والمعادى- والتى كانت تعد الأهم والأفضل فى الشرق الأوسط آنذاك.. وتأثر بالثقافات المتنوعة بالأسكندرية، وكان لديه ٧ خالات تصطحبه كل منهن إلى السينما فى أحيان كثيرة، إلى جانب مشاهداته للفرق الأجنبية المتنوعة التى كانت تأتى خصيصا لتقديم فنونها للجاليات التابعة لها فى الأسكندرية.. فاكتسب ثقافات متعددة وتذوقا فنيا راقيا..إلا أنه طوال حياته افتقد الإستقرار الأسرى، فقد انتقل للقاهرة وهو فى التاسعة من عمره تقريبا، ليعيش مع والده بعد طلاقه من والدته، والتى عاش معها شقيقه الأصغر فى الاسكندرية، ولكن خفف من وطأة الأمر أن الاحترام ظل قائما بين والديه رغم زواج كل منهما بعد ذلك..ولحسن حظه كان العديد من الفنانين يسكنون فى عمارة “السعوديين" التى سكنها مع والده، ومنهم هدى سلطان، وفريد شوقي، ومحمد فوزي، ومديحة يسري، ووحيد فريد، وفاتن حمامة، وعبد الحليم حافظ الذى كان سمير مهووسا به..وكان ينتظره كل يوم ليشاهده عن بعد، وعندما قابله لأول مرة فى المصعد خاطبه بالإنجليزية، وادعى أنه إنجليزى واسمه بيتر، وأخبره بإعجابه بفنه، وكان حليم سعيدا بمعجبه الأجنبى!..واستمرت الخدعة لفترة طويلة حتى قابلهم والد سمير فى العمارة بالمصادفة ليخبر حليم عن حب إبنه له..ورغم غضب حليم من الخدعة، إلا أنهم بعدها صاروا أصدقاء..وفى منزل حليم تعرف على كثيرين منهم جلال معوض والذى كان يصطحب سمير  فى حفلات أضواء المدينة التى يقوم بتقديمها، فتشرب منه صنعة التقديم الإذاعى واحترافية الإلقاء.. وقدّمه حليم لرئيس الإذاعة عبد الحميد الحديدي، والفنانة لبنى عبد العزيز، وأخبرهم عن إتقانه للإنجليزية، ليظهر معها مباشرة بركن الطفل بالإذاعة، ويتقاضى أول أجر ٥٠ قرشا..وتتفتَح له آفاق التقديم الإذاعى والتليفزيونى ثم التمثيل بعد ذلك..ليقدم تاريخا ضخما من الأعمال السينمائية والتليفزيونية والتى تخطت ١٥٠ عملا بالإضافة للعديد من البرامج الإذاعية والتليفزيونية، والتى تعد من أهم البرامج فى تاريخ الإعلام المصرى.. وكان آخرهم “ذكرياتى” الذى لم يكتف فيه بسرد ذكرياته الثرية، والتى يسجل بها  شهادته على عصر ذهبى لم نعشه، بل كان حريصًا على مواكبة الأحداث، وممارسة هوايته وشغفه كمحاور، قلما نجد مثله فى الثقافة واللباقة والحضور الطاغى..فسجل منذ أيام قليلة قبل وفاته حلقة مع مغنية الأوبرا  العالمية/فرح ديبانى، بعد أن غنت مؤخرا أمام الرئيس الفرنسي/ماكرون بمناسبة فوزه في الانتخابات الرئاسية، والذى وصفها بأنها مسلة مصرية جديدة..ومنذ عامين تقريبا أصدر كتابه"حكايات العمر كله" والذى اختزل فيه مسيرته ورحلته وحكاياته مع من عاصرهم..  تميز سمير صبرى عمليا وإنسانيا، حيث كان شغوفا بالقراءة، يملك ثقافة غزيرة، ومتمكنا من عدة لغات، بالإضافة لجديته وإخلاصه فيما يفعل، وهو ما ساعده على النجاح والتميز فى كل المجالات التى اختارها لعشرات السنوات..أما إنسانيا فقد شهد الجميع على شهامته وكرمه ومروءته، ووقوفه بصلابة مع زملائه أو أى محتاج فى المحن..وكنا دائما ما نراه أول من يقدم واجب العزاء، وأول من يتواجد مع الفنانين فى مرضهم..وحين كان يسأل عن شخصيته الخيرة ومساندته للناس، كان يجيب بأن أستاذ اللغة الإنجليزية -إنجليزى الجنسية- كان يسألهم كل صباح هل أسعدتم إنسانا أمس، ونصحهم بأن يسألوا أنفسهم عن ذلك قبل النوم، فإما أن يناموا بسرعة واطمئنان لتحقيقهم ذلك، أو يحرصوا على تحقيقه فى الغد..فكانت تلك الكلمات دافعا له لحب الخير على مدار عمره.. واستمرت الكلمة الطيبة لأستاذه تؤتى أكلها كل حين، منذ طفولته وحتى وفاته..وقد تزوج سمير صبرى مرة واحدة عقب تخرجه من كلية الآداب، بعد قصة حب جمعته بفتاة إنجليزية، إلا أن زواجه كان سريا، خشية من مواجهة أسرته بحبه لأجنبية، ولكن لإنشغاله الدائم فى بداية حياته الفنية، تركته وسافرت لإنجلترا قبل ولادتها لابنهما واستقرا هناك..وظل هو وحيدا بعيدا عن ابنه وأحفاده بعد ذلك.. ورغم ندمه على عدم حفاظه على التوازن بين حياته العملية والأسرية، إلا أنه كان راضيا تمام الرضا عن عطاءات ربه..ولأنه كما جاء بالحديث الشريف: “صَنائعُ المعروفِ تَقِي مَصارعَ السُّوء”.. لذلك فقد رحل بسلام وتيسير من الله تعالى، دون أن يشدد عليه فى المرض، ودون أن يحوجه لخلقه..ليموت على سريره بشكل مفاجئ فى فندق”ماريوت”، ويحزن ويترحم عليه الملايين من محبيه فى أنحاء العالم.