السبت 23 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

أزمة لبن الأطفال تفضح الإدارة الأمريكية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

من الصعب على أي شخص أن يتخيلَ أنَّ الولايات المتحدة ستكون في وضع لا يتوفر فيه أبسط المواد الغذائية للأطفال، حليبُهم، ولكن هذا هو بالضبط ما وصلت إليه الأوضاع هناك حاليًا. بعض وسائل الاعلام تتحدث عن حليب الأطفال الذي أصبح هدفًا للهجوم على المتاجر وسرقتها، وتصف الوضع بأنه أزمة أمريكية فريدة من نوعها تستدعي إعلان حالة الطوارئ. كتب أحدهم على تويتر أن "النقص في حليب الأطفال هوأمر شائن مثل جريمة الخيانة" وطالب بكشف الفساد حول احتكار شركات محدودة لتصنيع وبيع اللبن المدعّم ومحاكمة المسئولين عنه. 
لا يزال لدى جيران أمريكا في كندا والمكسيك الكثير من حليب الأطفال على أرفف محلاتهم. لكنّ المشكلة أن القواعد الفيدرالية تجعل من الصعب تخفيف النقص المحلّي عن طريق استيراد الحليب الأجنبي في الوقت الذي يعاني الإنتاج من الألبان من نقص شديد بعد اضطرار شركة أبوت إلى إغلاق مصنع كبير للألبان في فبراير الماضي إثر شكوى عملاء يستخدمون هذا النوع من الألبان لأطفالهم وأصيبوا بعدوى بكتيرية نادرة أدت إلى وفاة اثنين منهم. وما زالت الإجابات غير واضحة حول أسباب هذه العدوى البكتيرية حيث التحقيقات مستمرة للكشف عن كافة الملابسات. 
قد يقول قائل إن أزمة النقص في لبن الأطفال مع زيادة سعره تعاني منها معظم دول العالم ومنها مصر خلال الفترة الماضية مدفوعة بزيادة تكاليف الشحن العالمية التي تأثرت بالحرب في أوكرانيا. لكنّ الأزمة في أمريكا مختلفة وتحوم حولها شبهات فساد وغش صناعي أدى لإصابة ووفاة عشرات الرضّع واستلزم استدعاء قانون الحرب وتدخل الجيش. وحاليا هناك نفاذ للمخزون وقد يستغرق الأمر شهرين على الأقل قبل إتاحته على نطاق واسع مرة أخرى، وكما هو معروفٌ، لبن الأطفال في الولايات المتحدة مدعّمٌ ويستهلك نصف المعروض متلقو الرعاية والحماية الاجتماعية، والذين يتزوّدون منه وفقًا للّوائح التنظيمية من خلال ثلاث شركات مصنّعة فقط، هي جيربر وريكيت، إضافة إلى شركة أبوت، التي أوقفت إنتاجها بعد بدء التحقيق معها. لذلك يزدادُ السوق الأمريكي شُحًّا حاليًّا في الإنتاج والمعروض إلى جانب أن الواردات تكاد تكون معدومة. وتسود حالة غضب عارم لدى الرأي العام الأمريكي ليس فقط لنقص اللّبن الصناعي ولكن أيضًا لأنّهم يشعرون بتقصير البيت الأبيض وقادة الكونجرس الذين كان عليهم الاستعداد لهذه الأزمة منذ شهور وإعلان حالة الطواريء التي يفرضها وجود خطر يهدد حياة الأطفال. وقالت وسائل الاعلام إنه كان من الممكن توقع هذا النقص وبالتالي اتخاذ الوسائل الكفيلة بتعويضه حتى لا يتحوّلَ إلى سببٍ يستوجب فرضَ حالة الطوارئ.
سياسيّون وكتّاب رأي يقولون إن الحلَّ كان يبدو بسيطًا في البداية، وهو استيراد المزيد من اللبن الصناعي من الخارج، من أماكن عديدة مثل الاتحاد الأوروبي، وبريطانيا، وكندا، وأستراليا، واليابان. لكن هناك علامات استفهام عديدة حول اللوبيهات وأصحاب المصالح التي عطّلت صدور هذا القرار كثيرا وتتحمل مسئولية تعرض الأطفال الآن إلى الخطر المحدق بهم. ولم تتحرّك إدارة الغذاء والدواء الأمريكية إلا منذ بضعة أيام لتبسيط عملية المراجعة الخاصة بعلامات أجنبية من اللّبن الصناعي حتى يتمكن المصنعون الأجانب من بدء شحن المزيد من التركيبات إلى الولايات المتحدة. كما توصلت إدارة الغذاء والدواء إلى اتفاق مع شركة أبوت حول كيفية إعادة فتح المصنع المغلق في ميتشيغان. ولأن الوضع مريعٌ على الأرض والطوابير ليس لها نهاية، اتخذ البيت الأبيض يوم الأربعاء الماضي بعض التدابير منها إعلان عملية تسريع وصول الواردات باستخدام طائرات الشحن الجوي بوزارة الدفاع واستدعاء قانون "الإنتاج الدفاعي" لتسريع تسليم المكونات الأجنبية إلى منتجي الصيغة المحلية الملائمة لمواصفات الجودة داخل الولايات المتحدة. ولا يُتوقعُ أن تستنكر "بوتيكات حقوق الإنسان" تدخل الجيش في الأسواق الأمريكية بل غالبا سيُشيدون بهذا الإجراء الذي يخدمُ مصلحة الطبقات الفقيرة والفئات المحتاجة للرعاية والحماية من الدولة! 
وكما هو الحال مع معظم الأزمات فإن العائلات الأكثر تضررًاهي الأسر ذات الدخل المنخفض التي لا تستطيع دفع الأسعار المرتفعة. كما أن العائلات التي لديها أطفال يعانون من حالات صحية خاصة وأنواع من الحساسية لا يستطيعون استبدال الأنواع المحددة بأخرى تغطيها قسائم تعطيها لهم الحكومة لشرائها. لكنّ العائلات التي تتلقى الدعم في أمريكا "على رأسها ريشة" أما الفئات الضعيفة في البلدان خارج أمريكا فهي "من سقط المتاع"!
ولعلّ الأمر المخيب للآمال هو ما أثاره بعض الجمهوريين ووسائل إعلام يمينية من مزاعم كاذبة تُغذِّي دعايتهم السياسية على مخاوف الأطفال من الجوع وتُلقي باللّومِ على النقص في الحليب جرّاء ما يتم تخصيصه لأطفال المهاجرين خاصة أولئك الذين جاؤوا من سوريا وأفغانستان ولبنان وأوكرانيا مؤخرا متناسين أنّ أمريكا أحد المتورطين في إشعال الصراع داخل بلدانهم. وهناك أيضًا من يحاول إلحاق العار بالأمهات اللاتي لا يرضعن رضاعة طبيعية و"يتكاسلن" باسم حقوق النساء فيسبّبن في هذا الطلب الزائد على الحليب الصناعي".. وعجبي!
ولاشكّ أن الأمريكيين هم الآن في حالة فوضى، ولكنهم أيضًا يطرحون الأسئلة المقلقة للمطالبة بتحقيقات ومحاسبة شفافة حول سبب استغراق إدارة الغذاء والدواء وقتًا طويلًا للنظر في مخالفات مصنع أبوت بعد أن تقدم أحد المبلغين بشكوى عنها منذ أكتوبر الماضي. كما أنّ الأسئلة لاتتوقف عن سبب إغلاق السوق الأمريكية أمام المزيد من الواردات من الخارج. كان للصفقة التجارية التي أبرمتها إدارة ترامب مع كندا والمكسيك والتي جعلت من الصعب استيراد اللبن الصناعي منهما عواقب وخيمة يرون نتائجها حاليًّا. وأختمُ بتغريدة لأحد الناشطين على تويتر كتب فيها أنّ "الولايات المتحدة التي ترسل أسلحتها لنجدة أنظمة وجماعات على بعد آلاف الكيلومترات من أراضيها يجب أن تكون قادرة على إطعام أصغرنا وأكثرهم عجزًا في القرن الحادي والعشرين". وشهد شاهد من أهلها!
olfa@aucegypt.edu