رغم انتهاء شهر رمضان والعيد و"قفا" العيد، ما زالت إعلانات التسول شغالة وعلى كل لون، يتصدرها إعلانات تبرع يا مؤمن لمد المياه للفقراء وتبرع يا مؤمن لاستكمال سقف الجامع (هذا السقف لم يكتمل منذ 3 سنوات) وتبرع يا مؤمن لبناء جامع وله جزاء بيت فى الجنة.
الغريب إن كل الإعلانات تستمر لفترات زمنية طويلة وعلى كافة القنوات الفضائية، وهو ما يكفى لو خصصنا ما دفع فيه لبناء "كومبوندات" كاملة المرافق.
تفسير ذلك ممكن نعرفه من مدونة Mazen Shaab منقوووووول:
الفاروق عمر كان يمتلك الشجاعة الكافية لتعطيل سهم (المؤلفة قلوبهم..)
نحن اليوم في حاجة إلى شجاعة عمر في تعطيل أو ترشيد سهم (القائمون عليها)، نسبة ما يقتطعه (القائمون عليها) تصل إلى ٥٥٪ من قيمة التبرع!! وده كتير جدًا..
تشرفت بالعمل مع جمعيات خيرية في مجال الرعاية الصحية من سنة 2006 بعضها أوروبي وبعضها أفريقي.
العاملون في الجمعيات الأوروبية معظمهم متطوعون.. متطوعون بالوقت والخبرة والمال والأدوية (لذلك كثيرًا ما اتهمهم المتربصون بأنهم يمارسون التبشير)!!
والعاملون في الجمعيات الخيرية الأفريقية يقتطعون لأنفسهم نسبة لا تزيد على 20% من التبرعات المقدمه لهم، ودي نسبة معقولة..
أما في مصر، وبالقانون، فـ(القائمون عليها) يقتطعون لأنفسهم من 40 إلى 45% من قيمة التبرع، وفي حالة التحويل عن طريق البنك أو شركات المحمول، فإن نسبة الاقتطاع تصل إلى 55%!
حينما تعلم أن سعر الإعلان الذى تشاهده على قناة شهيرة فى رمضان والذى لا يستغرق أكثر من ثلاثين ثانية يكلف الشركة المعلنة 150 مليون جنيه، نعم 150 وأمامها ستة أصفار، بينما تكلفته على قنوات شهيرة أخرى تبلغ 120 مليون جنيه وتنزل القيمة إلى 80 مليون على قناتين أخريين، حينما تعلم ذلك ربما (وفى الغالب) ستندهش وتهز رأسك غير مصدق، ولكنك ستصدق وتبتلع دهشتك ومعها قرص أسبرين حينما تعلم أن قيمة تبرعات المصريين فى رمضان الماضي بلغت أربعة ونصف مليار جنيه، ومرة أخرى أقول لك نعم أربعة ونصف وأمامها تسعة أصفار كاملة.
( تورتة ) كبيرة وضخمة يتنافس ويتقاتل ويتهافت عليها الضباع المسعورة مستغلة طيبة وحب الناس لفعل الخير ومستغلة أكثر ضعف الثقافة الجماعية لدى عموم المصريين، فترى إعلانات تستدر الدموع وتوجع القلوب وتشعرك أن المصري بات واحدا من أربعة، أما مريض بالسرطان، أو فقير أو جائع أو متشرد بلا مأوى ورابع هو أنت الذى سيتبرع لكل هؤلاء. فى العام الماضى تبرعت 15.8 مليون أسرة من أصل 18.4 مليون أسرة مصرية أى بنسبة 86 بالمائة بالمبلغ المذكور أعلاه ( 4.5 مليار جنيه) وهذا العام متوقع زيادة التبرعات بنسبة تصل إلى النصف تقريبا أى حوالى سبعة مليارات جنيه.
ما تتبرع به عبر الرسائل التليفونية يستقطع منه 55 بالمائة لصالح شركة الهاتف ولصالح القناة صاحبة الإعلان ولصالح الجمعية الخيرية والعاملين عليها ولا يصل لمستحقيه سوى 45% فقط مما دفعت، إذا لماذا نتورط ونستغل بهذه الطريقة وندفع لهؤلاء الضباع ما قيمته 2.5 مليار جنيه العام الماضي ونحو أربعة مليار هذا العام؟ قليل من الوعي يفوت الفرصة على شبكة فساد واستغلال هائلة يتشارك فيها الإعلام والاتصالات ومؤسسات عديدة للاسف.
انتهى التفسير ودعونا نعقد مقارنة بين تبرعات اليوم وسنوات الستينيات وما أدراك بالستينيات كما كان يتحدث باستهزاء عنها المرحوم الريس مرسى.
وتكتب الاستاذة Somia Hassanen عن (الفنان الذي تبرع بجميع ممتلكاته لبناء السد العالي)، حد فاكر اسم الفنان الكوميدى الجميل "علي عبدالعال"، الذى كتب خطابا للرئيس جمال عبدالناصر وكان محتوي الرسالة أن الراسل يتبرع بكل ما يملك من أموال سائلة وعقارات ومحلات تجارية ومجوهرات وذلك مساهمة لبناء السد العالي، ومرفق بالرسالة شيك بقيمة كل هذا باسم السيد/ جمال عبدالناصر بصفته رئيس الجمهورية العربية المتحدة.
(الراسل/ الفنان علي عبد العال).
يندهش الزعيم جمال عبدالناصر من هذه الرسالة التي كادت أن تطيش بعقله من هذا الفنان الذي يتبرع بكل ما يملك مساهمة منه لبناء السد العالي.
من يكون هذا الفنان!!
ظل يستعلم عن هذا الفنان حتي عرف أنه ذلك الفنان البدين الذي يظهر في أفلام علي الكسار رحمه الله وأيضًا يظهر مشهد أو اثنين أو ثلاثة في أفلام كثيرة
فهو البقال في فيلم {سي عمر} مع نجيب الريحاني
والمنتج مع فريد الأطرش في فيلم {لحن الخلود}
والمخرج في فيلم {يا حلاوة الحب} مع محمد فوزي
والخواجة في فيلم {لحن الوفاء} مع عبدالحليم حافظ
وعرف عنه أيضًا أنه فنان بسيط في أدواره علي الشاشة لكنه يملك عن والده محلات تجارية هو وشقيقه الوحيد وهو أحد رجال الجيش المصري وبالفعل تبرع بكل ما يملك وترك محلا تجاريًا واحدًا لأهل بيته!!
كانت مفاجأة لكل من علم بهذا الأمر فهو فنان من فناني الظل ولا يعرفه الكثير وأيا كان من ثروته فهو أيضًا لا يريد بتبرعه هذا شهرة فقد إشترط في رسالته ألا يعرف عنها أحد من الصحفيين مما زاد في دهشة جمال عبدالناصر ومن معه فكانت دهشة مع إعجاب وتقدير لهذا الرجل الوطني الذي عجزت عبارات الشكر والتقدير أن توفيه حقه.
فقد تبرع كثير من الفنانين والمشاهير في مجالات كثيرة لصالح مصر ولكن لم يكن تبرعهم بكل ما يمتلكون بل بجزء بسيط كان أو كبير ولكن يظل جزءا من ثروتهم؛ ثم معظم من يتبرع من مشاهير المجتمع سواء في الفن أو الرياضة أو رجال الأعمال والاقتصاد في الدولة ويحبون أن يُذكر اسمهم علي سبيل الدعاية لأنفسهم أو علي سبيل أن يقتدي بهم غيرهم ولكن هنا الأمر يختلف تمام الاختلاف في كل شىء؛ فهو فنان مغمور.
وعلي الفور أرسل الزعيم جمال عبدالناصر إليه رسالة يشكره فيها ويطلب أن يتشرف برؤيته في مكتبه؛ وقد كان، جاء الفنان علي عبدالعال إلي زيارة الزعيم جمال عبدالناصر في مكتبه وكان الزعيم جمال عبدالناصر في شرف استقباله ومعه المشير عبدالحكيم عامر وعدد كبير من رجال قيادة الثورة والجيش وما إن رأي الفنان علي عبدالعال هذا الاستقبال المهيب حتي انهمرت دموعه وأمسك بيد الزعيم جمال عبدالناصر ثم قال له الزعيم جمال عبدالناصر { أضحكت الملايين وأبكيت جمال عبدالناصر بوطنيتك}.
ويشاء الله السميع العليم أن يرحل الفنان علي عبدالعال بعد عدة أشهر إثر أزمة قلبية مفاجئة يوم 18 نوفمبر 1971 وعندما علم الزعيم جمال عبدالناصر بكي عليه ونعاه في الجريدة الرسمية باسمه واسم رجال قيادة الثورة والجيش واسم مصر وشعبها.
رحم الله هذا الفنان الذي لم نر مثله في إخلاصه لوطنه فقد أحب بلده فعلًا وليس قولًا دون أي ضجيج.
انتهت المقارنة وما زالت المهزلة التى نعيشها مستمرة تحت شعار "تبرع يا مؤمن".