«تامولة.. الزعامة.. الحصاوي.. طمبوشة.. مصطفى البنك» أسماء جسدت عشرات القصص من حكايات النصب على المواطنين البسطاء، مرت فى طريقنا أثناء رحلتنا للبحث عن القضية التى شغلت الرأى العام خلال الأيام القليلة الماضية، الأسماء سالفة الذكر، بالإضافة إلى العشرات ممن ظهروا فى أسوان ومختلف محافظات مصر جميعهم حمل اسم «المستريح».
قصص «المستريح» عادت للواجهة، خلال الأسابيع القليلة الماضية، فى أعقاب ضجة كبيرة شهدتها محافظة أسوان بعد اختفاء «مستريح المواشي» الشهير بـ«مصطفى البنك»، بعدما انكشفت لعبته وظهرت حقيقة إمبراطورية النصب على المواطنين فى أسوان، بعدما جمع ما يتراوح من 200 إلى 500 مليون جنيه من أهالى قرى ونجوع مركز إدفو بمحافظة أسوان، وهى القصة التى تكررت كثيرا فى مصر بداية من 2008 عندما ظهر نبيل البوشى المحتال الذى جمع 60 ألف دولار من المواطنين وطار بها فى أول طائرة إلى دبي، وكذلك أحمد مصطفى «المستريح» الذى ملايين الأموال بدعوى توظيفها، وهو الشخص الذى حول كل نصاب كبير فى مصر إلى اللقب الجديد «المستريح».
مصطفى البنك سائق التوك توك الذى تحول إلى ملياردير
«البوابة نيوز» نجحت فى إجراء حديث مع أحد مساعدى مستريح أسوان، والذى تحدث إلينا شريطة كتابة اسم مستعار، ليكشف لنا عن تفاصيل حول رحلة سائق «التوك توك» لنهب الملايين من أموال البسطاء.
فى البداية يقول أحمد عسران «اسم مستعار»، ٢٦ عامًا، وكان يعمل كأحد مساعدى مستريح أسوان الشهير بـ«مصطفى البنك»، وتقتصر مهمته على استقلال سيارته يوميًا لجمع المواشى من بلدته والقرى والنجوع المجاورة، وتسليمها لـ«المستريح» مقابل عمولة يتحصل عليها نظير مهمته.
ويروى «عسران» فى حديثه لـ«البوابة نيوز» قصة العشرات من أهالى قريته الذين وثقوا فى «المستريح» وجلبوا إليه «تحويشة العمر»، من أجل الحصول على العائد المغرى الذى وعدهم به «مصطفى البنك»، ويضيف قائلا: «أنا رجل بشتغل وكل مهمتى كنت بنقل المواشى واساعد الناس فى توصيل البهايم من القرى لمزارع مصطفى البنك وباخد اللى فيه النصيب.. حقيقة أنا خايف بس ربنا يستر أنا منصبتش على حد ولا أخدت فلوس حد انا كان عندى مهمة بقوم بيها وباخد فلوس مقابلها». وتابع: «اللى نصبوا على الناس مصطفى البنك والمقربين منه مثل الحصاوى اللى مات منذ أيام ويرفض أهله استلام جثت وهى لا تزال فى المستشفى.. الناس دى جمعة فلوس بالملايين من الناس كل يوم حتى اللى كان عنده جاموسة واحدة راح وسلمها للمستريح.. وفى ناس عملت قروض وفى ناس رهنت المحصول وجابت قروض من البنوك علشان تدى الفلوس للمستريح».
ويؤكد «مساعد المستريح» أنه كان شاهدا على العشرات من الوقائع التى دفع فيها الأهالى الآلاف بل والملايين للمستريح، بعضهم باع المواشى التى يملكها والبعض الآخر سلم المواشى للمستريح، والبعض الآخر اقترض من البنوك ليسلم القرض كاملا للمستريح من أجل تشغيله والحصول على فوائد كبيرة وفى أطباء ودكاترة جامعة من أسوان وإدفو وإسنا جمعوا الملايين وسلموها للمستريح.
«الهبرة الكبيرة»
ولعل أبرز وقائع النصب التى ذكرها مساعد المستريح فى حديثه لـ«البوابة نيوز» كان ضحيتها أحد المواطنين ويدعى هارون،٥٨ عامًا، والذى جمع مبلغا من المال يتجاوز الـ١٧ مليون جنيه، وسلمها للمستريح، قبل القبض عليه بساعات، ويؤكد «عسران» أن هارون سلم المستريح الـ١٧ مليون جنيه قبل القبض عليه بليلة واحدة، وعندما علم بخبر القبض عليه سقط مغشيا عليه فى بيته وهو الآن بين الحياة والموت فى أحد مستشفيات أسوان. ويوضح «عسران» أن ضحايا المستريح كثيرون، من أهالى وتجار مواشى دفعوا الملايين للمستريح، وهم الآن يقومون بعمل آلاف المحاضر يوميًا، ومنهم أولاد عمى من دفعوا مئات الآلاف للمستريح بهدف تشغيلها، وبعضهم دفع من ٦ إلى ١٠ ملايين ومنهم من سلم المستريح الذهب والمواشي.
تلقى مئات الملايين من الأهالى خلال شهر ونصف بحجة تشغيلها فى تجارة المواشى
العجيب فى الأمر أن «مستريح أسوان» الذى جمع مئات الملايين من أهالى أسوان نحج فى حل المعادلة الصعبة، وهى كيف تتحول من سائق «توك توك» إلى ملياردير فى وقت قياسي.. فقط ٤٥ يومًا كانت كفيلة بتحويل سائق الـ«توك توك» إلى ملياردير، وخلال شهر ونصف الشهر فقط تحصل «مصطفى البنك» على مئات الملايين من الأهالى بحجة تشغيلها فى تجارة المواشى وهو ما لم يكن يحلم به بالطبع.
ومطلع ٢٠٢٢، كان «مصطفى البنك» الذى يبلغ من العمر ٣٥ عاما، مقيم بقرية البوصيلية- مركز إدفو بأسوان، قد خرج من القضبان بعدما قضى عقوبة فى السجن فى أعقاب إدانته بإحدى القضايا الجنائية، ليعمل سائق توك توك، إلا أن المهنة الجديدة لم تكن تستهويه ليقرر مطلع مارس الماضى بداية رحلة النصب على المواطنين، عبر إيهامهم بتشغيل أموالهم فى تجارة المواشي، وإعادتها لهم مضاعفة خلال ٢١ يومًا فقط، لتنهال عليه الأموال وسيارات المواشى من أهل قريته فى أسوان بالإضافة إلى ١٤ نجعًا وقرية محيطه ببلدته، ومع توسع أعمال النصب، بدأ «مستريح أسوان» فى تشغيل عدد من أقاربه معه ليجمع كل منهم المواشى والأموال من الضحايا، وبحسب شهود عيان من أهل قريته «بلغت أجرة مساعدى المستريح ٥ آلاف جنيه فى اليوم الواحد»، حسبما ذكر شهود عيان فى حديثهم لـ«البوابة نيوز».
إلا أن الخلافات بدأت تظهر بعدما خالف مستريح أسوان وعوده، وتأخر فى سداد الأرباح للمواطنين لتبدأ معركة جديدة مع المواطنين الذين تجمهروا أمام منزله مطالبين بالأرباح أو رد أموالهم، ومن هنا بدأت وزارة الداخلية خطتها للإيقاع بمستريح أسوان ليقع فى قبضة رجال الأمن يوم الخميس ١٢ مايو الجاري، بعد مداهمته أثناء اختبائه فى إحدى المناطق الجبلية المتاخمة لمركز إفو بأسوان، حيث تم إعداد الأكمنة اللازمة وضبطه وبحوزته ٩،٥ مليون جنيه، وخلال جهود الضبط انقلبت إحدى سيارات الشرطة المشاركة بالمأمورية، مما أسفر عن استشهاد ضابطين برتبه لواء بقطاع الأمن العام، المشرفين على مأمورية الضبط، وكذا اثنين من المجندين.
ضحايا «مستريح أسوان» يستغيثون لـ«»: عايزين فلوسنا
ومن مساعد المستريح إلى شهود العيان انتقلت «البوابة نيوز» للحديث مع الضحايا، ليلتقط عصام محمود، ٤٣ عامًا، من أهالى مركز إدفو، طرف الحديث ليتحدث عن تحويشة عمره هو وأصدقاؤه الذين جمعوا ٥٢٠ ألف جنيه وسلموها للمستريح لتشغيلها فى تجارة المواشي.
يستهل «عصام» حديثه لـ«البوابة نيوز» قائلا: «محدش عمره كان يصدق ان دا نصاب دا امبراطور عامل مستعمرة ٤٥ فدان وشغال بقاله شهور.. مين كان يصدق».
ويضيف قائلا: «الحكاية بدأت قبل ٣ أو ٤ أشهر عندما ظهر أول مستريح فى أسوان ويدعى «تامولة»، وهو تاجر أقراص مخدرة مشهور ومعروف لكل الأهالي، إلا أنه اشتغل أيام معدودة وبعدها اختفى ليظهر مصطفى البنك، والذى من المؤكد أنه ليس وحده ولكن هى مافيا كبيرة تقف وراءها شخصيات كبيرة».
وتابع: «مصطفى البنك وصلت به الأمور على أنه بدأ يمر على البلدان المجاورة ويقول لهم أنا المستريح، وكنت شاهدا على إحدى جولات المستريح مصطفى البنك، حيث جاء إلى بلدنا ليلة وقفة شهر رمضان مع ٣٠ عربية دبابة ربع نقل تحمل مواشى وبصحبته العشرات من مساعديه وبدأ يطلق النيران فى الهواء، وبدأ يروج لنفسه على أنه تاجر مواشى كبير وسيجمع المواشى من الأهالى ويتاجر بها ويمنح أصحاب المواشى ضعف ثمن المواشى خلال ٢١ يومًا فقط، ومن هنا بدأ الأهالى يقبلون على المستريح ويسلمونه المواشى والأموال على أمل تحصيل الضعف خلال أيام».
ويؤكد «عصام» أن كم الأموال التى كان يتحصل عليها مصطفى البنك بدأت بمليون ووصلت سريعا إلى ٤ ملايين جنيه يوميًا، وكان المساعد لديه يحصل على ٥ آلاف جنيه يوميا، حتى وصلت الحصيلة اليومية للمستريح من ١٥ إلى ٢٥ مليون جنيه، وذلك بعدما توسع وفتح أكثر من فرع يجمع فيه المواشى والأموال وقام بتشغيل «المناديب» أى المساعدين ليجمعوا له المواشى والأموال من الأموال ويوزعون الأرباح على الأهالي، وكان سوق المواشى التابع للمستريح يعمل من ١ ظهرا حتى ٦ مساء ولا يغلق إلا ساعة الإفطار فى رمضان، ويعود للعمل مرة أخرى من ٧ مساء حتى ٧ صباحا طول الليل والنهار كانت الأموال والمواشى والذهب تنهال على المستريح.
مستعمرة المستريح
ويردف قائلا: «المستريح عمل مستعمرة لنفسه أشبه بالإمبراطورية لها بوابات ضخمة، وذلك بعدما قام باستغلال ٤٥ فدانا من أراضى أسوان بنظام وضع اليد وبنى لها أسوارا وبوابات ضخمة كان يجمع فيها المواشى والأموال لأن الفروع الأخرى لم تكن تستوعب الكم الهائل من الأهالى التى تأتى إليه من كل المحافظات والمراكز المجاورة من الأقصر وقنا وإسنا وإدفو وأسوان.. مصطفى البنك فتح الباب للعشرات من شباب أسوان ليتحولوا إلى مستريحين جدد، ومن هنا ظهر فى أسوان أكثر من ٢٠ مستريحا خلال أسابيع قليلة، لنرى «الحصاوى يعرض على الأهالى ٣٠٪ فوائد خلال ٤٨ ساعة فقط، فكان يتسلم المليون جنيه ويعيده لصاحبه بعد ٤٨ ساعة مليون و٣٠٠ ألف جنيه، وبعدها ظهر مستريحون آخرون مثل الزعامة وطمبوشة، وأكثر من ١٥ آخرين فى مختلف قرى ومدن أسوان».
ويقول «عصام» إن الناس كان لها مبرر فى وضع أموالها لدى المستريح، من يرى هذا الصرح العظيم والبوابات العملاقة لمستعمرة المستريح المقامة على ٤٥ فدانا كان من حقه أن يوهم وأن يضلل وأن يضع أمواله وهم مطمئن لدى المستريح، والسؤال هنا أين كان المسئولون «المحافظ ومدير الأمن وغيرهم من المسئولين فى المحافظة وهم يرون هذا الرجل يتوسع فى أعماله ولم يقفوا ويحققوا فى الأمر، أين كانوا وهو يضع يده على ٤٥ فدانا، وأنشا بنزينة مخصوص لتموين سياراته بالوقود دون أن يسأله أحد من أين لك هذا.. أنا وضعت تحويشة عمرى أنا وأصدقائى ٥٢٠ ألف جنيه لدى المستريح ولا نستطيع عمل محاضر حتى لإرجاع حقوقنا، لمدة ٣ أيام أمام قسم شرطة إدفو ولا نستطيع عمل محاضر».
ومن عصام إلى «حسن المصري»، ٥٣ عاما، تاجر مواشي، وأحد الضحايا الذين وقعوا فى فخ المستريح، وجاء ليروى لنا قصته من تاجر مواشى إلى سائق سيارة بعد أن توقفت تجارته بسبب المستريح.
يقول «المصري» فى حديثه لـ«البوابة نيوز»: «أنا تاجر مواشى منذ سنوات ولكن مع ظهور المستريح توقفت تجارتي، ولم أعد أكسب قوت يومي، لذلك تركت تجارتى وجمعت ما لدى من الأموال وسلمتها للمستريح، بل والأكثر من هذا حولت سيارتى لنقل المواشى إلى مزارع المستريح، فكنت أنقل المواشى مقابل الحصول على تكاليف النقل من الأهالي».
ويضيف «المصري» رأيت بعينى الناس تتوجه على البنوك وتحصل على قروض تسلمها للمستريح بضمان بيوتها وممتلكاتها، الناس كانت معذورة والأرباح كانت خيالية، ولكننا اليوم نندم على ما فعلنا، سلمنا أموالنا ومواشينا للمستريح.. لا يصدق أحد انه نصاب، فلديه أكتر من مزرعة أكتر من ٢٠ حوش مواشي، ولا يتخيل أحد أنه سيهرب.. والكارثة الكبرى أن عددا كبيرا من الناس سلموا أموالهم والمواشى للمستريح فى البداية بدون حتى إيصالات تضمن حقوقهم، كان يتسلم منهم المواشى والأموال ويسجلها فى دفتر ويمنح كل فرد ١٠٠٠ جنيه، ويتعهد برد القيمة مضاعفة بعد ٢١ يوما. ويختتم «المصري» حديثه قائلا: «إحنا مش عايزين غير حقوقنا.. شقى عمرنا راح ومش عارفين حتى نعمل محاضر وننتظر بالأيام أمام قسم الشرطة من أجل عمل محاضر لإثبات حقوقنا».
العقوبات
وبعد حديث الضحايا عن أملهم فى إعادة أموالهم التى «نهبها المستريح» وعن العقوبة التى ستنال المحتالين الذين استولوا على أموال البسطاء، توجهنا بالسؤال للخبير القانونى إسماعيل أبوعميرة، المحامى بالاستئناف العالى ومجلس الدولة، الذى أكد أن قانون العقوبات واضح، والنصب والاحتيال على المواطنين هى جنحة وعقوبتها تتراوح من ٢٤ ساعة حتى ٣ سنوات.
وأضاف الخبير القانوني: «المادة ٣٣٦ ضمن الباب العاشر من قانون العقوبات، تنص على أن يعاقب بالحبس كل من توصل إلى الاستيلاء على نقود أو عروض أو سندات دين أو سندات مخالصة أو أى متاع منقول وكان ذلك بالاحتيال لسلب كل ثروة الغير أو بعضها إما باستعمال طرق احتيالية من شأنها إيهام الناس بوجود مشروع كاذب أو بواقعة مزورة أو إحداث الأمل بحصول ربح وهمى أو تسديد المبلغ الذى أخذ بطريق الاحتيال أو إيهامهم بوجود سند دين غير صحيح أو سند مخالصة مزور وإما بالتصرف فى مال ثابت أو منقول ليس ملكاً له ولا له حق التصرف فيه وإما باتخاذ اسم كاذب أو صفة غير صحيحة، أما من شرع فى النصب ولم يتممه فيعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز سنة».
وتابع: لذلك فالحد الأدنى للعقوبة يوم واحد ٢٤ ساعة والأقصى ٣ سنوات، ما لم تقترن جريمة النصب بجرائم أخرى أو قضايا أخرى تستوجب عقوبة أكبر، فالقانون هنا محدد والعقوبة هنا تكون بحد أقصى ٣ سنوات، ومع ذلك جميعنا شاهدنا «مستريح المنيا» يعاقب بالسجن ١٥ عاما، وطالبته المحكمة الاقتصادية برد مبلغ مليار ونصف المليار جنيه قيمة المبالغ التى جرى جمعها للمواطنين.
ويؤكد «أبوعميرة» أن المحكمة هنا ضاعفت العقوبة لسببين الأول هو تعدد القضايا، والثانى هو اقتران جريمة النصب بجرائم أخرى وردت فى أوراق القضية.
ويوضح أن الضحايا «المجنى عليهم» يجب أن يقيموا دعاوى للحصول على تعويض مدنى مؤقت أمام محكمة الجنح، وبعد صدور حُكم نهائى على المتهم، يُقيم المجنى عليهم دعوى تعويض أمام المحكمة المدنية، وبعدها سيتم تنفيذ حكم التعويض بعد الحُكم للمجنى عليهم بالتعويض المالى يطالبوا بالتنفيذ وفى حالة امتناع المتهم يطالبون بالحجز على أمواله وممتلكاته.
السجن ١٥ عامًا لـ«مستريح المنيا».. و«الاقتصادية» تطالبه برد ١.٥ مليار جنيه
وكانت المحكمة الاقتصادية بمجمع محاكم بنى سويف، قد قضت يوم الثلاثاء ١٧ مايو الجاري، بالسجن ١٥ عامًا على «حسين. أ»، ٤٥ عامًا، والمعروف إعلاميًا بـ«مستريح المنيا».
تضمن الحكم رد مبلغ مليار ونصف المليار جنيه قيمة المبالغ التى جرى جمعها للمواطنين، ومعاقبة المتهم وشريكه محمد عبدالله، غيابيا، وتغريمهما ١٠ ملايين جنيه، ومعاقبة المتهم الثالث علاء الدين عبدالفتاح، ٥٢ سنة، بالسجن ٣ سنوات، والغرامة ٥٠٠ ألف جنيه، ومعاقبة ٤١ متهما آخرين من المندوبين بينهم ١٠ حضوريا، و٣١ غيابيا، السجن عاما، و٣ متهمين بينهم سيدة، بالسجن عام مع إيقاف التنفيذ، لتورطهم جميعا، فى جمع مبلغ مليار و٥٠٠ مليون جنيه، لتوظيفها فى مجال تجارة الرخام والجرانيت، وذلك مقابل عائد يصرف بقيم مختلفة دون الحقيقة.
وكان المحامى العام لنيابات شمال المنيا، قرر إحالة المتهم و٤٦ آخرين إلى محكمة جنايات بنى سويف الاقتصادية لقيامه بجمع مليار ونصف المليار جنيه من الأهالى على سبيل استثمار تلك المبالغ وتوظيفها بقطاع المحاجر وتصديرها لدولة الصين ومنح المودعين لديه فوائد تصل إلى ٢٠٪ وأكثر.
لماذا يلجأ المصريون لـ«المستريح»
لماذا لا يتعلم المصريون الدرس.. ذلك هو التساؤل الذى يطرح نفسه بعد كل مرة يم القبض على «مستريح جديد».
الدكتورة سامية خضر، أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، أكدت أن اختلاف طرق النصب والأمية العالية فى المجتمع وبخاصة فى الريف، وانعدام التوعية عبر وسائل الإعلام المرئي، هى الأسباب الرئيسية التى تدفع المصريين للوقوع فى فخ «المستريح».
وأكدت «خضر» فى حديثها لـ«البوابة نيوز» أن المجتمع المصرى مجتمع بسيط، ولكن فى السنوات الأخيرة شهد الكثير منا لجرائم فى حق المجتمع، والإعلام المصرى المرئى له الدور الأكبر فى توعية المواطنين، ولكن فى الآونة الأخيرة نجد أن هناك تدنى حاد فى الجانب التوعوى ولم يعد الإعلام المرئى بشكل خاص يقوم بدوره على الوجه الأمثل، فنجد أن الدراما التليفزيونية تروج للنصب والبلطجة، ومسلسلات توضح كيفية تحويل المواطنين إلى محتالين.
وتابعت: هناك خلل كبير فى المحتوى وطريقة الرسالة التلفزيونية، ليصبح الصوت العالى هو السبيل الوحيد للتعبير عن الرأي، ولم يعد هناك مضامين فى البرامج التليفزيونية تروج للأخلاق والقيم المجتمعية، ونرى المسلسلات تروج للفجور وتوجيه الشباب نحو الفجور والجنس فنرى الفتاة تدعو الشباب لزيارتها فى منزلها دون حياء، والبحث فقط عن الأموال ونرى الممثل محمد رمضان يلقى بالأموال فى حمام السباحة ويتطاول على كبار الفنانين، ويروج للبلطجة والجرائم، فى الوقت الذى من المنتظر منه أن يكون قدوة للملايين من الشباب والأطفال الصغار، ولذلك افتقدت الشاشة الصغيرة للحياء والأخلاق.
مستريحين الشاشات
وأضافت أستاذ علم الاجتماع، أن الشاشات أيضا تحولت إلى قنوات للنصابين فنرى أشخاص يدعون أنهم أطباء ويروجون لمنتجات غير صالحة للاستهلاك الأدمى وأشياء أخرى مضرة بالصحة، فهؤلاء أيضا هم شكل جديد من أشكال «المستريح»، ولكن هذه المرة فى شكل أكثر «شياكة» ويبثون سمومهم عبر التليفزيون.
وتكمل: ندعو الرئيس السيسى للنظر إلى الإعلام وتطويره وإعادته لرسالته الأولى فى نشر الأخلاق والقضاء على الأمية، وزيادة الوعى فى المجتمع، لذلك يجب أن تعود الصحافة للكتابة ومنها يستمد الإعلام المرئى المعلومات ويطلق رسالته التوعوية بشكل يليق بالمجتمع المصري.
ظاهرة «المستريح».. هل فقد المصريون الثقة فى البنوك؟
السؤال الآخر الذى طرح نفسه، لماذا يلجأ المصريون لـ«المستريح»؟.. وهل فقدوا الثقة فى البنوك، وفى هذا الشأن يؤكد الدكتور وائل النحاس، الخبير الاقتصادي، أن الموضوع لا علاقة له بفقدان الثقة فى البنوك بقدر ما له علاقة بتحقيق أرباح سريعة، فالمستريح يعطى للمواطن فوائد تصل إلى ٦٠٪ سنويًا فى الوقت الذى تقدم فيه البنوك أعلى فائدة سنوية كانت بنكى الأهلى ومصر عبر شهادات الـ١٨٪.
وأضاف «النحاس» فى تصريحاته لـ«البوابة نيوز» المصريون يرغبون فى الحصول على فائدة أكبر من البنوك حتى لا يلجؤون للمستريح وغيره من النصابين، فالعائد السنوى هو كلمة السر التى تستطيع أن تقضى على ظاهرة المستريح.
وتابع: «مصر بحاجة إلى عقلية استثمارية تستطيع أن تواكب العصر وتتكيف مع طبيعة المجتمع المصري، وتنتج أفكارا تجعل المصريين يقدمون على الاستثمار بكافة أشكاله، بدلا من اللجوء لشركات مثل Q net، وروتاري، وشركات توظيف الأموال التى تظهر كل فترة، فالريال والسعد الذين ظهروا فى السبعينات والثمانينات كانوا يمنحون المواطنين عائد سنوى يصل إلى ٤٠٪».
وأردف قائلا: «العوائد التى تختزلها البنوك فى تعظيم أصولها يجب أن تمنح المواطنين منها جزء يشجعه على وضع أمواله فى البنوك».
وأوضح: «يجب عمل برامج جديدة استثمارية بعيدا عن البنوك وإشراك المواطنين فى هذه البرامج الاستثمارية، وأن تكون هذه البرامج بالشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص والأجهزة الرقابية، والجهات الدينية أيضا لأن جزءا كبيرا من المواطنين لا يثق فى حرمانية الأموال من فوائد البنوك».
ودعا «النحاس» إلى ضرورة الاستفادة من تجارب المستريحين ومناقشتهم من أجل الوصول إلى الفكر الذى جعل المواطنين ينهالون عليهم بالأموال ويبتعدون عن البنوك، لذلك يجب أن نحلل أفكار هؤلاء الناس الذين نجحوا فى إقناع ملايين المصريين بأفكارهم، لذلك يجب على الدولة الاستفادة من هذه الأفكار من أجل إنتاج فكر جديد للدولة والاستفادة بها فى مشروعات تعود بالنفع على الدولة المصرية.
سجل النصابين من السبعينيات حتى الآن
لم يكن مستريح أسوان وحده بل هو حلقة قد تكون الأخيرة ضمن سلسلة من العصابات التى تخصصت النصب على المواطنين والتى ظهرت فى المجتمع المصري، وبحسب الإحصاءات الصادرة عن إدارة الأموال العامة التابعة لوزارة الداخلية المصرية، فقد بلغت حصيلة ما جمعه ٢٥ محتالا من المواطنين خلال الأعوام الماضية نحو ٥ مليارات جنيه مصري، وخلال الأسابيع القليلة الماضية ظهر فى مصر أكثر من ٣٢ «مستريحا» بمختلف المحافظات، الأمر الذى جعلنا نعود لبداية القصة.
ففى سبعينيات القرن الماضى كانت بداية القصة عندما ظهرت "شركات توظيف الأموال"، وأشهرها "الريان"، «السعد» و«الهدى»، وهذه الشركات تحصلت على أموال من «المودعين» بغرض «استثمارها» مقابل عائد مادى عالي، بالمقارنة بأسعار الفائدة فى البنوك، وبالرغم من اختفاء ظاهرة "شركات توظيف الأموال" بهروب أو سجن من كانوا يعملون فيها، بعد أن عجزوا عن الوفاء بوعودهم بدفع الفوائد أو رد أموال المودعين. وتسببت قضاياهم وقتها فى هزة اقتصادية واجتماعية كبيرة للمجتمع المصري، بعد أن تبخرت أموالُ الناس فى مُضاربات وهمية وتجارة فى أسواق الذهب والبورصات العالمية بطريقة عشوائية غير مدروسة.
نبيل البوشى.. بداية القصة
وبعد عقود من اختفاء «شركات توظيف الأموال» ظهرت العديد من حوادث النصب على المواطنين، وكان بدايتها فى نهاية ٢٠٠٨، ظهر رجل الأعمال نبيل البوشي، كبير مسئولى شركة اوبتما لتداول الأوراق المالية، كأبرز من نصبوا على المواطنين، بحصيلة أموال قدرت بـ٦٠ مليون دولار، وكان من بين ضحاياه مسئولون كبار ونجوم فن ورياضة وغيرهم من المواطنين وصغار المستثمرين، فيما أشارت تقارير إلى أنه إجمالى المبالغ التى استولى عليها البوشي، بلغت نحو ٢٥٠ مليون دولار، من مشاهير ورجال أعمال مصريين وإماراتيين وأجانب.
أحمد المستريح
وفى ٢٠١٤، عادت هذه الظاهرة لتطل برأسها من جديد عام ٢٠١٤، من خلال أحمد مصطفى، الذى اشتهر بلقب "المستريح"، واستطاع أن يجمع من أهل قريته فى صعيد مصر أكثر من ٥٣ مليون جنيه لاستثمارها فى تجارة بطاقات شحن الهواتف المحمولة، وتم القبض عليه فى ٢٠١٥، وحصل على حكم نهائى بالحبس لمدة ١٥ عاماً ورد ٢٦٦ مليون جنيه للمدعين بالحق المدنى فى قضايا تتعلق بالاحتيال المالي، ومنذ ذلك الحين أطلق لقب «المستريح» على كل مرتكبى أمثال هذه الجرائم من السرقة والنصب.
مستريح المنيا
وفى ٢٠١٥، ألقت قوات الأمن القبض على مستريح المنيا، ويدعى أشرف «س. ب» ٤٠ سنة «ترزى رفة»، بعد الاستيلاء على ٢٠ مليون من أموال المواطنين بدعوى توظيفها فى تجارة مستحضرات التجميل، والحصول على عائد مضاعف.
مستريح المنوفية.. جمع ٢٠٠ مليون جنيه و«انتحر»
وفى قرية زوير بمركز قويسنا بمحافظة المنوفية، ظهر مستريح جديد ويدعى «محمد.ع»، ٤٠ عاما، عاطل، والذى نجح فى جمع أموال تتراوح من ١٦٥ مليون جنيه إلى ٢٠٠ مليون جنيه من المواطنين، وبعدما فشل فى سداد أرباح المودعين عثر عليه داخل شقته بمنطقة الزيتون فى القاهرة، ليموت منتحرا.
مستريح السويس
زعم أنه سيوظف عدد من الشباب بأحد الشركات الخاصة بالسويس، ليستولى على ٤٠ مليون جنيه، ليلقب بـ«مستريح السويس» تحت مزاعم النصب على الشباب على أساس توظيف أموالهم فى شراء الشاليهات بالعين السخنة.
مستريح الاسكندرية
أثار الجدل بشدة آنذاك، حيث استولى أشرف أبوالفضل، على ١٤ مليون جينه، ومن خلال البلاغات التى تقدمت للمباحث، اتضح أن النصاب يمارس النشاط الإجرامى على المواطنين من خلال النصب والاحتيال لتحقيق الثراء السريع الفاحش، بالاستيلاء على أكبر قيمة ممكنة من المال.
مستريح القليوبية
كانت قد تلقت أجهزة أمن القليوبية ٥ بلاغات من مواطنى مركز ومدينة قليوب، إتهموا فيها شخصا وزوجته وشقيقه بالنصب عليهم، والاستيلاء منهم على مبالغ مالية كبيرة، بحجة توظيفها فى تجارة الزيوت والخردة مقابل أرباح مالية، وفجأة اختفى المتهم الرئيسى وتوقف عن صرف الأرباح المتفق عليها، بينما ادعت زوجته وشقيقه عدم معرفة مكانه.
مستريح المنيا الجديد
وفى المنيا، تمكنت قوات الأمن من إلقاء القبض على مستريح جديد بتهمة النصب، وكان يعمل مدرسا فى إحدى مدارس المحافظة، وذلك عقب قيام عدد من الأهالى بتحرير محاضر ضده، وتباشر أجهزة الأمن التحقيق معه، وجمع من أهالى المحافظة وخارجها أكثر من ١.٥ مليار جنيه.
مستريح الشرقية
وفى محافظة الشرقية، تمكنت أجهزة الأمن من القبض على مستريح آخر لقب بـ«الشيخ حسني» وجمع نحو مليار جنيه من ضحاياه.
محافظة الغربية
وأيضا فى محافظة الغربية، نجحت أجهزة الأمن فى القبض على مستريح آخر، يعمل مهندسا زراعيا، وجمع نحو ٥٠٠ مليون جنيه من المواطنين.
مستريح القليوبية
تمكنت أجهزة الأمن من ضبط مستريح ثالث فى محافظة القليوبية، كان يعمل «جواهرجي» وجمع من المصريين نحو ٣٠ مليون جنيه.
مستريح سوهاج
وفى الصعيد، نجحت أجهزة الأمن فى القبض على مستريح آخر، أطلق عليه «الدكتور أحمد» وجمع من المواطنين نحو ١٤ مليون جنيه، وكان أقلهم فى الأموال التى حصل عليها من المواطنين.
مستريح مصر الجديدة
لم يكن قطاع السيارات بعيدًا عن النصب والاحتيال وظهور «مستريح جديد»، وهذا ما كشفت عنه الأجهزة الأمنية بالقاهرة، وقيامها بالقبض على "نصاب" قام بتمثيل دور تاجر وصاحب معرض سيارات، للحصول على ٨٨ مليون جنيه من المواطنين لتوظيفها فى تجارة السيارات.
مستريح الغربية
جمع المتهم «بهاء. ال» من ٩٠٠ أسرة بقريتى محلة حسن ومنشأة الأمراء التابعتين لمركز المحلة الكبرى، بمحافظة الغربية، ١١٠ ملايين جنيه بزعم توظيفها فى عدة مشروعات مختلفة، والحصول منها على فوائد شهرية تساعدهم على المعيشة، ولكن فوجئوا بهروبه.
مستريح الإسكندرية الجديد
وظهر مستريح جديد فى مصر، وبالتحديد فى الإسكندرية، يدعى «رءوف. ع»، ٣٨ عاما، واستولى على قرابة ٥٠ مليون جنيه من المواطنين.
مستريح البلينا- سوهاج
استولى الشيخ «ع» مستريح البلينا بمحافظة سوهاج على حوالى ٢٦٥ مليون جنيه من عشرات المواطنين من أبناء مركز البلينا والمراكز المجاورة؛ بحجة استثمارها فى إكسسوارات المحمول والأجهزة والأدوات الكهربائية والمستلزمات الطبية.
«مستريح المعمارية»- أسوان
ويبدو أن «المستريح» فكرة لا تموت، فقد كشفت وزارة الداخلية عن أنه خلال حملتها بأسوان تم رصد تردد عدد آخر من المواطنين أمام منزل شخص آخر «مقيم بقرية المعمارية لقيامة بذات النشاط الإجرامى»، وقد تم ضبطه وبحوزته ٣ مليون جنيه، وتبين حصوله على قرابة «٥٠ مليون جنيه» من المواطنين بزعم توظيفها.
«مستريح السباعية»- أسوان
كما قامت إحدى الارتكازات الأمنية بضبط عنصر إجرامى «له معلومات جنائية- مقيم بقرية السباعية بمركز إدفو بأسوان وبحوزته ٢،٥ مليون جنيه» حال محاولته الهرب وتبين حصوله على مبلغ ١٠ ملايين جنيه من المواطنين بزعم توظيفها.
«مستريح الغربية»
ونجحت أجهزة وزارة الداخلية فى القبض عليه بعدما تخصص فى الاستيلاء على مبلغ ٤٠٠ مليون جنيه خلال حوالى ٤ سنوات من المواطنين بزعم توظيفها.
«مستريح البساتين»
كما ضبطت أجهزة الأمن «مستريح البساتين»، وهو مقاول وشريكه فى منطقة البساتين، بعد أن جمعا من ضحاياه ٤٠ مليون جنيه، عبر الادعاء بتشغيلها واستثمارها فى مجال العقارات نظير أرباح، إلا أنهما تخلفا عن الالتزام بذلك، وتمكنت الأجهزة الأمنية من ضبطهما وبحوزة أحدهما مبلغ مالى قدره خمسة ملايين جنيه.
كما أوقعت أجهزة الأمن «مستريح البيتكوين»، والذى يحاكم أيضا أمام القضاء بعدما استولى على ٢٠٠ مليون جنيه من ما يقرب من ٣ آلاف مواطن، بحجة استثمارها فى العملات المشفرة.