«تامولة.. الزعامة.. الحصاوي.. طمبوشة.. مصطفى البنك» أسماء جسدت عشرات القصص من حكايات النصب على المواطنين البسطاء، مرت فى طريقنا أثناء رحلتنا للبحث عن القضية التى شغلت الرأى العام خلال الأيام القليلة الماضية، الأسماء سالفة الذكر، بالإضافة إلى العشرات ممن ظهروا فى أسوان ومختلف محافظات مصر جميعهم حمل اسم «المستريح».
قصص «المستريح» عادت للواجهة، خلال الأسابيع القليلة الماضية، فى أعقاب ضجة كبيرة شهدتها محافظة أسوان بعد اختفاء «مستريح المواشي» الشهير بـ«مصطفى البنك»، بعدما انكشفت لعبته وظهرت حقيقة إمبراطورية النصب على المواطنين فى أسوان، بعدما جمع ما يتراوح من 200 إلى 500 مليون جنيه من أهالى قرى ونجوع مركز إدفو بمحافظة أسوان، وهى القصة التى تكررت كثيرا فى مصر بداية من 2008 عندما ظهر نبيل البوشى المحتال الذى جمع 60 ألف دولار من المواطنين وطار بها فى أول طائرة إلى دبي، وكذلك أحمد مصطفى «المستريح» الذى ملايين الأموال بدعوى توظيفها، وهو الشخص الذى حول كل نصاب كبير فى مصر إلى اللقب الجديد «المستريح».
«البوابة نيوز» نجحت فى إجراء حديث مع أحد مساعدى مستريح أسوان، والذى تحدث إلينا شريطة كتابة اسم مستعار، ليكشف لنا عن تفاصيل حول رحلة سائق «التوك توك» لنهب الملايين من أموال البسطاء.
فى البداية يقول أحمد عسران «اسم مستعار»، ٢٦ عامًا، وكان يعمل كأحد مساعدى مستريح أسوان الشهير بـ«مصطفى البنك»، وتقتصر مهمته على استقلال سيارته يوميًا لجمع المواشى من بلدته والقرى والنجوع المجاورة، وتسليمها لـ«المستريح» مقابل عمولة يتحصل عليها نظير مهمته.
ويروى «عسران» فى حديثه لـ«البوابة نيوز» قصة العشرات من أهالى قريته الذين وثقوا فى «المستريح» وجلبوا إليه «تحويشة العمر»، من أجل الحصول على العائد المغرى الذى وعدهم به «مصطفى البنك»، ويضيف قائلا: «أنا رجل بشتغل وكل مهمتى كنت بنقل المواشى واساعد الناس فى توصيل البهايم من القرى لمزارع مصطفى البنك وباخد اللى فيه النصيب.. حقيقة أنا خايف بس ربنا يستر أنا منصبتش على حد ولا أخدت فلوس حد انا كان عندى مهمة بقوم بيها وباخد فلوس مقابلها». وتابع: «اللى نصبوا على الناس مصطفى البنك والمقربين منه مثل الحصاوى اللى مات منذ أيام ويرفض أهله استلام جثت وهى لا تزال فى المستشفى.. الناس دى جمعة فلوس بالملايين من الناس كل يوم حتى اللى كان عنده جاموسة واحدة راح وسلمها للمستريح.. وفى ناس عملت قروض وفى ناس رهنت المحصول وجابت قروض من البنوك علشان تدى الفلوس للمستريح».
ويؤكد «مساعد المستريح» أنه كان شاهدا على العشرات من الوقائع التى دفع فيها الأهالى الآلاف بل والملايين للمستريح، بعضهم باع المواشى التى يملكها والبعض الآخر سلم المواشى للمستريح، والبعض الآخر اقترض من البنوك ليسلم القرض كاملا للمستريح من أجل تشغيله والحصول على فوائد كبيرة وفى أطباء ودكاترة جامعة من أسوان وإدفو وإسنا جمعوا الملايين وسلموها للمستريح.
«الهبرة الكبيرة»
ولعل أبرز وقائع النصب التى ذكرها مساعد المستريح فى حديثه لـ«البوابة نيوز» كان ضحيتها أحد المواطنين ويدعى هارون،٥٨ عامًا، والذى جمع مبلغا من المال يتجاوز الـ١٧ مليون جنيه، وسلمها للمستريح، قبل القبض عليه بساعات، ويؤكد «عسران» أن هارون سلم المستريح الـ١٧ مليون جنيه قبل القبض عليه بليلة واحدة، وعندما علم بخبر القبض عليه سقط مغشيا عليه فى بيته وهو الآن بين الحياة والموت فى أحد مستشفيات أسوان. ويوضح «عسران» أن ضحايا المستريح كثيرون، من أهالى وتجار مواشى دفعوا الملايين للمستريح، وهم الآن يقومون بعمل آلاف المحاضر يوميًا، ومنهم أولاد عمى من دفعوا مئات الآلاف للمستريح بهدف تشغيلها، وبعضهم دفع من ٦ إلى ١٠ ملايين ومنهم من سلم المستريح الذهب والمواشي.
تلقى مئات الملايين من الأهالى خلال شهر ونصف بحجة تشغيلها فى تجارة المواشى
العجيب فى الأمر أن «مستريح أسوان» الذى جمع مئات الملايين من أهالى أسوان نحج فى حل المعادلة الصعبة، وهى كيف تتحول من سائق «توك توك» إلى ملياردير فى وقت قياسي.. فقط ٤٥ يومًا كانت كفيلة بتحويل سائق الـ«توك توك» إلى ملياردير، وخلال شهر ونصف الشهر فقط تحصل «مصطفى البنك» على مئات الملايين من الأهالى بحجة تشغيلها فى تجارة المواشى وهو ما لم يكن يحلم به بالطبع.
ومطلع ٢٠٢٢، كان «مصطفى البنك» الذى يبلغ من العمر ٣٥ عاما، مقيم بقرية البوصيلية- مركز إدفو بأسوان، قد خرج من القضبان بعدما قضى عقوبة فى السجن فى أعقاب إدانته بإحدى القضايا الجنائية، ليعمل سائق توك توك، إلا أن المهنة الجديدة لم تكن تستهويه ليقرر مطلع مارس الماضى بداية رحلة النصب على المواطنين، عبر إيهامهم بتشغيل أموالهم فى تجارة المواشي، وإعادتها لهم مضاعفة خلال ٢١ يومًا فقط، لتنهال عليه الأموال وسيارات المواشى من أهل قريته فى أسوان بالإضافة إلى ١٤ نجعًا وقرية محيطه ببلدته، ومع توسع أعمال النصب، بدأ «مستريح أسوان» فى تشغيل عدد من أقاربه معه ليجمع كل منهم المواشى والأموال من الضحايا، وبحسب شهود عيان من أهل قريته «بلغت أجرة مساعدى المستريح ٥ آلاف جنيه فى اليوم الواحد»، حسبما ذكر شهود عيان فى حديثهم لـ«البوابة نيوز».
إلا أن الخلافات بدأت تظهر بعدما خالف مستريح أسوان وعوده، وتأخر فى سداد الأرباح للمواطنين لتبدأ معركة جديدة مع المواطنين الذين تجمهروا أمام منزله مطالبين بالأرباح أو رد أموالهم، ومن هنا بدأت وزارة الداخلية خطتها للإيقاع بمستريح أسوان ليقع فى قبضة رجال الأمن يوم الخميس ١٢ مايو الجاري، بعد مداهمته أثناء اختبائه فى إحدى المناطق الجبلية المتاخمة لمركز إفو بأسوان، حيث تم إعداد الأكمنة اللازمة وضبطه وبحوزته ٩،٥ مليون جنيه، وخلال جهود الضبط انقلبت إحدى سيارات الشرطة المشاركة بالمأمورية، مما أسفر عن استشهاد ضابطين برتبه لواء بقطاع الأمن العام، المشرفين على مأمورية الضبط، وكذا اثنين من المجندين.