رسمت مصر بعناية خطتها نحو التحول للأخضر ومواكبة التحول العالمي نحو الاهتمام بالقضايا البيئية؛ ليشهد الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، مساء أمس الأول الخميس، إطلاق الاستراتيجية الوطنية للتغيرات المناخية في مصر 2050، والتي تضع نصب أعينها الارتقاء بجودة حياة المواطن المصري، وتحسين مستوى معيشته في مختلف نواحي الحياة، مع تحقيق نمو اقتصادي مُستدام، وتعزيز الاستثمار في البشر.
وقال رئيس الوزراء خلال المؤتمر الذي حضره لفيف من المسؤولين المصريين والعرب وكذلك كبار المسؤولين الدوليين، إن تغير المناخ يُعد واحدًا من أهم القضايا التي تحظى بالاهتمام لدينا وعلى مستوى العالم، بسبب التهديدات التي تفرضها آثار تغير المناخ على التنمية المستدامة، والتي تؤثر على خطط التنمية والأمن الغذائي وتوافر المياه، وبالتالي ستؤثر على الأمن القومي، حيث سيعاني العالم من ارتفاع معدلات الفقر وتحديات أخرى.
وأشار رئيس الوزراء إلى أنه على الرغم من أن الانبعاثات، التي تصدر عن مصر لا تتجاوز 0.6% من إجمالي انبعاثات العالم، فإن مصر تعد واحدة من أكثر الدول عرضة للآثار السلبية لتغير المناخ على العديد من القطاعات، مثل: السواحل، والزراعة، والموارد المائية، والصحة والسكان، والبنية الأساسية، وهو ما يؤدي إلى إضافة تحد جديد لمجموعة التحديات التي تواجهها مصر، في إطار سعيها لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، ورؤيتها لتحقيق تلك الأهداف بحلول عام 2030، حيث تولي "رؤيةُ مصر 2030" أهميةً لمواجهة الآثار المترتبة على التغيرات المناخية، من خلال وجود نظام بيئي متكامل ومستدام يعزز المرونةَ والقدرةَ على مواجهة المخاطر.
جهود مصر لمكافحة التغيرات المناخية
كما سلط رئيس الوزراء الضوء على جهود مصر لمكافحة التغيرات المناخية، حيث أوضح أنه يجري الانتهاء من إعداد خريطة تفاعلية لمخاطر التغيرات المناخية على جمهورية مصر العربية، لمساعدة متخذي القرار على تحديد المناطق المعرضة للمخاطر المحتملة من تغير المناخ، واتخاذ التدابير اللازمة في القطاعات التنموية المختلفة، وكذا جذب فرص تمويلية لبرامج ومشروعات التكيف من الجهات الدولية، بالإضافة إلى مشروعات الإدارة المتكاملة للمناطق الساحلية المصرية، وكذا مشروعات تحلية المياه، وتبطين الترع، وتفعيل نظام الإنذار المبكر، بجانب برنامج مرونة النظام الغذائي في صعيد مصر لبناء نظام غذائي وزراعي مرن يتيح للفلاح التعامل مع التأثيرات السلبية للتغيرات المناخية، للحد من مخاطر هذه الآثار، وإيجاد آليات للتصدي للآثار السلبية للتغيرات المناخية والتقلبات الجوية على الأسر الريفية بمحافظات الصعيد.
وعلى صعيد مساهمة مصر في جهود خفض الانبعاثات، نوّه الدكتور مصطفى مدبولي إلى أنه تم اتخاذ العديد من الخطوات، من بينها وضع إطار استراتيجية تنمية منخفضة الانبعاثات حتى عام 2030 والتي يجري تحديثها حتى عام 2050، لتتناول خطط التنمية الوطنية وخطط تغير المناخ في إطار متسق ومتناغم، بالإضافة إلى تبني استراتيجية الطاقة المستدامة لمصر 2035، والتي تستهدف زيادة مساهمة الطاقة المتجددة في توليد الكهرباء وتحسين كفاءة الطاقة.
كما تم تنفيذ العديد من مشروعات الطاقة المتجددة، مثل: مشروعات طاقة الرياح، ومشروعات الطاقة الشمسية والتي أبرزها مشروع "بنبان" بأسوان، والنظرة المستقبلية لتصبح مصر مركزًا إقليميًا للطاقة من خلال إنتاج وتصدير الطاقة النظيفة مباشرة، أو من خلال الهيدروجين الأخضر والأمونيا وغيرها، بجانب مشروعات النقل المستدام كمترو الانفاق و"المونوريل"، وتحسين كفاءة الطاقة في الصناعة، وكذلك زراعة الغابات باستخدام مياه الصرف الصحي المعالج، فضلا عن مشروعات الإدارة المستدامة والذكية للمخلفات، كما يتم الانتهاء من البنية التحتية لمنظومة المخلفات.
وعملت مصر على تشجيع الاستثمارات والمشروعات الصديقة للبيئة والمناخ، ولعل أهم المبادرات الحكومية في هذا الصدد هي السندات الخضراء التي تتيح تسهيلات لتنفيذ تلك المشروعات، حيث نجحت مصر في الإصدار الأول للسندات الخضراء بقيمة 750 مليون دولار، بما يضع مصر على خريطة التمويل المستدام
كما لفت رئيس الوزراء إلى أن جائحة كورونا والأزمات العالمية الراهنة تمثلان تحديات جديدة تُضاف إلى التحديات التي يعانى منها الاقتصاد المصري بسبب تغير المناخ، كما جدد التأكيد على أن مصر لن تدخر جهدا – خلال رئاستها المقبلة لأعمال الدورة السابعة والعشرين لمؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ COP 27في السعي الحثيث والدؤوب للانتقال من مرحلة الالتزامات والتعهدات المعلنة من جانب الدول، إلى مرحلة التنفيذ الفعلي لإجراءات وتدابير سريعة وملموسة.
خبراء مصر نفذت خطوات ملموسة في مكافحة التغيرات المناخية.. ومشروعات الطاقة المتجددة والنقل النظيف أبرز سماتها
وفي هذا الإطار، أكد الدكتور ماهر عزيز، عضو مجلس الطاقة العالمي، إن مصر نفذت خطوات ملموسة في مكافحة التغيرات المناخية، ولعل من أبرزها وضع استراتيجية شاملة للحد من التلوث وخفض الانبعاثات الكربونية الضارة في سماء محافظات مصر المختلفة، بالإضافة إلى التوسع في مشرعات الطاقة المتجددة والنقل النظيف ووغيرها من المشروعات الصديقة للبيئة.
وأكد "عزيز" في تصريحاته لـ"البوابة نيوز" أن مخاطر التغيرات المناخية لها العديد من الآثار السلبية على حياة الإنسان وليست رفاهية تنفذها الدول، ويكفي أزمة الاحتباس الحراري وارتفاع درجة حرارة المحيطات وهو الأمر الذي يؤثر على الملايين من الكائنات الحية التي تعيش تحت سطح البحر، بالإضافة إلى تأثيره على اختفاء جزر وبلدان بأكملها على المدى البعيد.
وأكد خبير الطاقة أن مصر وضعت استراتيجيتها لتغير المناخ 2050، وذلك نظرا لأنه من المنتظر أن يواجه العالم بحلول ٢٠٥٠ نقص في مصادر الطاقة الناتجة عن استخدامات النفط والغاز "الوقود الاحفورى"، وبالتالي بدأت العديد من دول العالم في وضع استراتيجيات بعيدة المدى من أجل مواجهة هذه التغيرات في سوق الطاقة من خلال التوسع في مصادر الطاقة المتجددة، والهيدروجين الأخضر لتكون المصدر الرئيسي للطاقة.
أما الدكتور مجدي علام، مستشار وزير البيئة الأسبق، فأشاد بالاستباقية التي تعاملت بها مص مع التغيرات المناخية من خلال التوسع في الهيدروجين الأخضر ووسائل النقل النظيفة مثل المونوريل ومترو الأنفاق وغيرها من وسائل النقل التي تخفض من الانبعاثات الكربونية في سماء مصر بشكل كبير.
وأضاف "علام" في تصريحاته لـ"البوابة نيوز" أن مصر كانت من بين عدد محدود من دول العالم التي أدركت مبكرا خطورة التغيرات المناخية على كوكب الأرض والبشرية جمعاء، ونسجت استراتيجيات واعية للتوسع في المشروعات الخضراء، من أجل خفض الانبعاثات الكربونية وغازات الاحتباس الحراري المسبب الرئيسي للتغَيرات المناخية، وخفض عوادم السيارات من خلال التوسع في خطوط مترو الأنفاق ليصل إلى كل ربوع محافظات العاصمة الكبرى.
ولفت مستشار وزير البيئة الأسبق، إلى أن المترو وغيره من مشروعات النقل النظيف العاملة بالغاز الطبيعي والكهرباء، تسهم في تخفيض عوادم السيارات بنسبة 22 % على الأقل الأمر الذي يعد استثمار في صحة المواطنين حيث تجنبهم أمراض الجهاز التنفسي الناتجة عن الملوثات الكربونية الضارة بالبيئة.