كثيرة هي الفلسفات، فكما نقول فلسفة القيم، فلسفة الأخلاق، الفلسفة السياسية، فلسفة الحضارة، فلسفة التاريخ، الفلسفة الإسلامية.
نطلق هذه المسميات على أمور قد يكون لها دور رئيس في بناء شخصية الإنسان ليس هذا وحسب بل وتسهم إسهاما كبيرا في التعرف على شخصية الشخوص الذين نتعامل معهم في حياتنا اليومية وعلى مراحل نضوجنا العمري وتزامنا مع نضوجنا الفكري والثقافي.
فكثير من الناس قد يتسمون بشخصيات قلقة بالنسبة لنفسها وبالنسبة لمن يتعاملون معهم، وقد يتحير المرء ويقف كثيرا أمام مثل هذه الشخصيات محللا إياها، وقد يصل إلى نتيجة وقد يصاب بخيبة الأمل في الوصول إلى دراسة هذه الحالات التي يتعامل معها، لماذا؟!، لما يحيط بهذه الشخصيات من غموض يكتنفها، نتيجة لصمته الذى يشبه صمت الموتى فلا تجده يتحدث معك ولا مع الآخرين لدرجة أنك من الممكن أن تقول عنه أنه لديه مرض التوحد، فهذه الشخصية فعلا شخصية محيرة لا تستطيع أن تتكيف معها ولا تستطيع حتى أن تتعامل معها.
وثم نوع آخر من الشخصيات المقلقة المحيرة، الشخصية الثرثارية كثيرة الكلام، جد أو هزل، أو خلط بينهما، وهذا إن سايرته في ما هو عليه قد تتهم نفسك أو يتهمك الآخرين بالشخصية المزاجية المتقلبة المتلونة، وإن تجاهلته ووليت وجهك عنه تتهم أيضا بالتعالي والتكبر.
ثم هناك الشخصية التي تجلس معها وتدخل في حوار سواء حوار ثقافي أو فلسفي أو ديني أو أي حوار يعتمد على إعمال العقل فتجدها شخصية جوفاء مفرغة من المضمون، تجادل جدالا عقيما جدال من أجل الجدال، لا يقود إلى اليقين المعرفي، وإنما ما هي إلا سفسطة ورتابة إما أن تصيبك بالملل أو تصيبك بالندم على وقتك وجهدك الذي أزهقته مع أمثال هؤلاء، كحوارات المقاهي والنواصي وقوارع الطريق لا تصل مع من تحاورهم إلى شيئ اللهم إلا مضيعة للوقت.
وهناك صنف آخر من الشخصيات، صحيح هي شخصيات ذكية جدا وقارئة في شتى صنوف المعارف، لكنها قلقة لماذا؟!لكثرة نقدها للواقع المعيش وكأنها هي الصواب والتي على حق وما دونها خطأ ولا يحبون الخير مثلا للبلاد ولا يخافون على مصالح البلد وكأنهم هم وحدهم الذين يحملون على عواتقهم هموم البلاد والعباد، ليس هذا وحسب بل ومن شدة قلقهم يتهمون الناس بالباطل، بالتخوين تارة، وبعدم الحرص على المصلحة العامة تارة أخرى.
فتجد نفسك في حيرة أمام مثل هذه الحالات هل هم على صواب وقد تكون حالات معدودة على أصابع اليد الواحدة، فتحير في أمرهم هل الجميع مخطئون وهؤلاء هم المصيبيون.
وهناك صنف آخر من الشخصيات القلقة، الشخصيات الفلسفية، بمعني الذين يقومون بدراسة الفلسفة واتجاهاتها المختلفة، من وجودية بأنواعها سواء وجودية ملحدة جان بول سارتر، أو وجودية مؤمنة جابريل مارسيل، أو وجودية يائسة كوجودية أبي حيان التوحيدي.
أو فلسفة إسلامية، أو فلسفة مسيحية أو فلسفة يونانية، أو انثربولوجيا فلسفية، ويجد نفسه مشتتا إلى أي الإتجاهات يسير وأي فكر يعتنقه، فتجده يقع في دوامة الشك المذهبي إلى أن يظهر له بصيص من النور يأخذ بيده ويهديه إلى الطريق المستقيم مثلما حدث مع الإمام الغزالي.
وتبدأ هذه الشخصية في الاتزان والالتزام ويبدأ في إعادة ترتيب أفكاره وفي بناء رؤيته للقضايا الفلسفية التى يتعرض لها ويتحول من قلق وجودي إلي ثبات وجودي ويتحول من فكرة (نحن قلق)التى قالها سارتر إلى مقولة ديكارت (أنا أفكر-انا موجود)، ككيان وجودي معرفي.
صحيح هذه الشخصية محيرة في التعامل معها لكن بكثير من الصبر وبكثير من المداومة على الحوارية معها ستجد نفسك قد فهمتها وتعاملت معها لأنك أهميتها وفهمتها فهما صحيحا.
كل هذه الشخصيات من الممكن التعامل معها بكافة الطرق والسبل المتاحة، المهم لا نتركها هملا مهما تكلفنا من مشقة.
لكن ثمة شخصية صعبة المراس ولا يمكن التعامل معها الشخصية الصامتة الناظرة فقط، فهذه الشخصية السكوتية لا نستطيع أن نتعمقها وندرسها لماذا؟! لأنه صامت طول الوقت لا يتحدث مع أحد، حتى تظهر لمن لا يعلمها أنها شخصية صماء بكماء لكن هل هذه الشخصية نتجاهلها ولا نتعامل معها؟!
من وجهة نظري نحاول أن نستنطقها أو نثير انتباهها بشتى الطرق حتى نخرجها من حالات الصمت الرهيبة ونعود بها إلى شخصية تستطيع أن تتواءم مع المجتمع، فالتعامل مع الآخرين مثلما يقول المثل يجعل الأخرس ناطقا، خصوصا فى أيامنا ومشكلاتنا المستجدة التي يعاني منها الجميع، فلا ينبغي بحال من الأحوال الصمت والانطواء على الذات، لأن في اعتزال القوم إهدار لآدمية القوم وآدمية هذه الشخصية التي هي مكون أصيل لهذا القوم.
إلا أن هناك نوع آخر من أنواع الشخصيات، الشخصية الصامتة، وإن جاز لى القول الصمت الروحي، بمعنى الشخصية التى تعتزل القوم لكنها في حوار مستمر مع روحها مع ذاتها، معاتبة لنفسها، مهذبة لروحها لسمو روحها تعيش في سلام داخلي وطمانينة وسكينة روحية، وهذا الصمت الروحي هو صمت وسمت الأولياء الذين تخلوا عن الدنيا وتحلوا بالصمت فصمتوا عن كل قبيح من الكلام والقول وتحلوا بكل ما هو جميل روحي متسلحين بغداء أرواحهم ألا وهو العشق والمحبة الإلهية فغابوا عن مادياتهم، فارتفعت معنوياتهم إلى أعنان السماء محلقين في فضاء رحب، فانتقوا من المعرفات إلى المجردات اللامعرفات، فنوا عن شواغل الحس وبقوا بنواظر الروح فصاروا ربانيين بمشاهدة الجلال والجمال.
السيدات والسادة تلك هي الشخصيات، فانظروا لأنفسكم وإلي شخصياتكم أي هذه الشخصيات أنتم.
نعم إنها فلسفة الصمت الناطق.
آراء حرة
في فلسفة الصمت الناطق.. رؤية شخصية
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق