الجمعة 03 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

صدمة الأسواق وكيفية مواجهة الأزمة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

أحدثت الحرب في أوكرانيا صدمة كبيرة لأسواق السلع الأولية، حيث أدت إلى تغيير أنماط التجارة والإنتاج والاستهلاك العالمية بطرق يمكن أن تُبقي الأسعار عند مستويات مرتفعة حتى نهاية عام 2024. هذا ما تؤكده المؤسسات الماليّة من خلال دراستها للأسواق الآن وتوقعاتها للفترة المقبلة.

الأسعار ارتفعت في كل البلدان دون استثناء، والمواطنون يصرخون من عبء الزيادة التي أرهقت معيشتهم. بعض المصريين قد لا يعرفون أن الارتفاع في الأسعار الذي أكل دخولهم أصاب أيضًا حياة الآخرين في دول العالم. لذلك، لا بد من التوعية بهذه المستجدات من خلال مخاطبة الحكومة للناس وشرحها لكل الأبعاد، كما أن وسائل الإعلام عليها دور في هذا الجانب، وبدلًا من شغل الرأي العام بقضايا لا تقدِّمُ ولا تؤخِّرُ، مثل طلاق رجل أعمال من فنّانة أو "خناقة" فنانتين؛ الأجدى والأهم التركيز على قضايا الناس اليومية وتقديم محتوى في البرامج الكثيرة تفيدهم في كيفية إدارة شئونهم. 

إن التوعية ضرورية بكيفية التعامل مع الأزمات وخلق بدائل لتنمية الدخل وترشيد الاستهلاك وهي فنون ومهارات نفتقدها بشدّة بينما غيرنا في دول كثيرة نامية وحتى متقدّمة تمسك بناصيتها. عناصر الترشيد بشكل عام غائبة عن ثقافة المصريين، وما زال الكثير من الناس يستهلكون أكثر من احتياجاتهم وهناك كميّات كبيرة من الأغذية، بما في ذلك العيش، مصيرها القمامة. وهناك العديد من التقارير ترصد كميات العيش التي تُلقى في القمامة أو تذهب إلى الحيوانات. ومن عاش فترات في الخارج يدركُ ما أقوله، حيث يشتري الناس بالقطعة بقدر استهلاكهم بالضبط وليس بالكيلو! 

أمامنا الآن الكثير الذي يمكن القيام به خاصة في ضوء التقارير المتشائمة حول تحرّكات الأسواق في الفترة القادمة حيث أنّ الأسوأ لم يأتِ بعدُ!

تقرير حديث للبنك الدولي يشير إلى أن زيادة ستطرأ في أسعار الطاقة بنسبة 50% في عام 2022. وستشهد الأسعار غير المرتبطة بالطاقة، بما في ذلك المواد الغذائية والمعادن، ارتفاعًا بنسبة لا تقلُّ عن 20% هذا العام.

وتتوقع المؤسسة في تقريرها الأخير عن المواد الخام استمرار ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة لمدة ثلاث سنوات على الأقل.

وتُعدُّ الزيادة التي شهدتها أسعار الطاقة على مدى العامين الماضيين هي الأكبر من نوعها منذ أزمة النفط في عام 1973، كما تُعدُّ الزيادات الأخيرة في أسعار السلع الغذائية هي الأكبر منذ عام 2008، حيث تمثل روسيا وأوكرانيا أكبر المنتجين، وعلى نفس المنوال ارتفعت أسعار الأسمدة، التي تعتمد على الغاز الطبيعي باعتباره أحد مستلزمات إنتاج الأسمدة.

وستؤدي الاضطرابات في إنتاج وتجارة الطاقة بسبب الحرب الروسية في أوكرانيا إلى ارتفاع في سعر برميل خام برنت بحر الشمال ليصل في المتوسط إلى ​​100 دولار، هذه زيادة بنسبة 40 عن عام 2021 وأعلى مستوى منذ عام 2013.

بعض الدول في أوروبا تعود إلى الاعتماد على الفحم الملوث للبيئة لأنها لا تستطيع تدبير إمدادات الطاقة النظيفة وحتى الفحم بدوره سترتفع أسعاره بنسبة 80.

وصف نائب رئيس البنك الدولي للنمو العادل والشئون المالية ما يحدث في الأسواق بأنه "يمثل أكبر صدمة سلعية نشهدها منذ السبعينيات، وكما كان الحال في ذلك الوقت، تفاقمت الصدمة بسبب زيادة القيود التجارية على المواد الغذائية والوقود والأسمدة".

ولعل أكثر المناطق تضررا من هذه الأزمة منطقة القرن الأفريقي وكذلك البلدان المضطربة بسبب الصراع، حيث يخيم شبح المجاعة عليها. سجّلت أسعار القمح ارتفاعًا بنسبة 40 % هذا العام، لتصل إلى مستوى قياسي غير مسبوق، وفقًا لتقرير البنك الدولي. 

وحذر التقرير من أنّ الحرب على أوكرانيا، وهي إحدى سلال الغذاء في العالم وخاصة الخبز، "سيضغط على الاقتصادات النامية التي تعتمد على واردات الحبوب، ولا سيما من روسيا وأوكرانيا".

وتعاني المنطقة الشرقية من أفريقيا بالفعل من الضعف بسبب تفاقم الجفاف في كينيا والصومال وإثيوبيا. أما بالنسبة للمواد الخام التي تستخدمها الصناعة، فقد تقفز أسعارها بنسبة 16% في عام 2022. وستظل عند مستويات عالية في السنوات المقبلة رغم احتمال انخفاض أسعارها تدريجيًا.

ويهتم المجتمع الاقتصادي الدولي بمستقبل الاقتصاد العالمي، وأشارت المدير العام لمنظمة التجارة العالمية، نغوزي أوكونجو إيويالا، إلى أن الناتج المحلي الإجمالي العالمي يمكن أن يتقلص بنسبة 5% على المدى الطويل.

دول العالم كلها مع المجتمع المدني تبحث في كيفية توجيه سلوك مواطنيها لتشريدهم للسبل المثلى لتخفيف العبء عن كاهلهم. بينما ما زلنا نسبح في وادٍ لا قاع له من التفاهة وتجري بعض برامج "التوك شو" وراء أخبار "الترند" دون التفكير في صنع الأخبار الحقيقية بنفسها فيما يهمُّ الغالبية العظمى من شعبها.. فهل من وقفة؟!

 

olfa@aucegypt.edu