توجه أمس الدكتور خالد العناني، وزير السياحة والآثار، إلى موقع أبو مينا الأثري بمنطقة برج العرب بمدينة الإسكندرية لتفقد مشروع خفض منسوب المياه الجوفية بالموقع والذي يعد أحد أهم المشروعات التي قامت بها الوزارة ممثلة في المجلس الأعلى للآثار بالإضافة إلى تنفيذ مشروع ترميمه وتطوير الموقع العام ككل.
وفى إطار هذا يشير خبير الآثار الدكتور عبدالرحيم ريحان مدير عام البحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمى بجنوب سيناء بوزارة السياحة والآثار إلى أهمية دير أبو مينا كقيمة عالمية استثنائية فهو مسجل كأثر بالقرار رقم 698 لسنة 1956 ومسجل تراث عالمي باليونيسكو عام 1979 ويرجع تاريخ إنشاؤه إلى أواخر القرن الخامس والنصف الأول من القرن السادس الميلادي ويبعد 75 كم غرب الإسكندرية، 60كم جنوب مدينة برج العرب القديمة ومساحة الموقع ألف فدان، ويوضح أن الموقع اكتشف عام 1905 على يد العالم الألماني كاوفمان ثم حفائر المتحف اليوناني الروماني بالإسكندرية من 1925 إلى 1929، وحفائر المتحف القبطي بالقاهرة 1951 – 1952، ومنذ عام 1961 بدأ المعهد الألماني للآثار بالقاهرة في حفائر مستمرة برئاسة الدكتور بيتر جروسمان.
وأسفرت التنقيبات بموقع أبو مينا منذ عام 1905 عن كشف مدينة كاملة كان يطلق عليها "المدينة الرخامية" لكثرة الرخام بها بالإضافة إلى مجموعة من الكنائس والمنازل والحمامات، وفى عام 2002 تمت أعمال الحفائر بالمجموعة المعمارية الضخمة التى تقع غرب الحمام الشمالى أمام الجانب المواجه للشارع، كما عثر بين أنقاض دير مار مينا على بقايا أوانى فخارية تعرف بقنانى القديس مينا الفخارية من أحجام مختلفة، ويعتبر دير "أبو مينا" مركزًا لتجمع الحجاج المسيحيين لانطلاقهم في رحلة الحج المقدسة إلى جبل موسى ودير سانت كاترين والبعض كان يتوجه من دير سانت كاترين إلى القدس، بل كان دير مارمينا نفسه مقصدًا للحجاج من أوروبا والتبرك بمياه بئر القديس مينا.
ويشير الدكتور ريحان إلى شخصية القديس مينا التى ذاعت شهرته وقد رفض عبادة الإمبراطورية الوثنية فى عهد دقلديانوس ورفض السجود للآلهة وخرج إلى الصحراء متوحدًا وقضى زمنًا طويلًا ثم قبض عليه وتعرّض للتعذيب ثم قطعت رأسه بالسيف ودفن بالإسكندرية، ولما انقضى زمن الإضطهاد نقلت رفاته إلى المكان الذى يحمل اسمه الآن بمريوط وذلك على أثر رؤيا ظهرت للبطريرك فى ذلك الوقت بأنه أثناء حمل الجثمان من الإسكندرية توقف الجمل الذى يحمله فى مكان معين ولم يتحرك حتى بعد أن استبدلوا الجمل بآخر لم يتحرك أيضًا، لذلك دفنوه فى هذا المكان بمريوط حيث شيد الدير وشاعت شهرة تلك المنطقة فى جميع أنحاء العالم وجاء الحجاج المسيحيون لزيارة قبر القديس لنيل البركة وطلب الإستشفاء، وكان يوجد بالقرب من قبره بئر يأخذ الحجاج من مائها فى أوانى خاصة كانت تصنع من الفخار فى مصانع بالمنطقة وعليها صورة القديس بارزة، وذاعت شهرة مياه البئر بأنها تشفى من أمراض العيون.
ويوجد بالمتحف القبطى بمصر والمتحف البريطانى والمتاحف الأوروبية مجموعات عديدة من هذه الأوانى التى كان يحملها الحجاج المسيحيون ممتلئه بالماء عند زيارة القديس مينا، وهذه الأوانى لا يمكن أن تقوم واقفة بل يجب حملها بواسطة خيوط تربط بين العنق والأذنيين، وقد كشفت منطقة آثار جنوب سيناء للآثار اسلامية والقبطية عن مجموعة من هذه الأوانى بمنطقة تل المشربة بدهب الذى أعيد استخدامه كأحد الحصون البيزنطية فى القرن السادس الميلادى.
وعن بداية الحج المسيحى إلى مصر يوضح الدكتور ريحان أن الحج المسيحى إلى جبل سيناء " له عدة مسميات جبل موسى أو جبل الشريعة أو جبل المناجاة" بدأ منذ القرن الرابع الميلادى حين جاءت القديسة هيلانة أم الإمبراطور قسطنطين للحج إلى جبل سيناء وبنت كنيسة العذراء مريم فى حضن شجرة العليقة المقدسة عام 336م ليبدأ الحج إلى الجبل المقدس حتى جاء الإمبراطور جستنيان وبنى أشهر أديرة العالم "دير طور سيناء" فى القرن السادس الميلادى والذى تحول اسمه إلى دير سانت كاترين فى القرن التاسع الميلادى بعد العثور على رفات القديسة كاترين على أحد جبال سيناء الذى حمل اسمها 2246 م فوق مستوى سطح البحر وأدخل كنيسة العذراء مريم داخل سور الدير وأصبح الحجاج يتوجهون إلى جبل موسى ودير سانت كاترين قادمون من أوروبا عن طريق دير أبو مينا ولهم مسار معروف حيث يصعد الحجاج إلى جبل موسى ثم يهبطون إلى الدير ليدخلوا من باب الحجاج إلى الوادى المقدس حيث يتجهون لزيارة شجرة العليقة المقدسة ثم يدخلون إلى كنيسة التجلى ثم يتوجهوا إلى كنيسة العليقة المقدسة داخلها والذى يجب خلع النعلين قبل الهبوط إليها تأسيًا بنبى الله موسى.
وينوه الدكتور ريحان إلى المنشئات بموقع دير مارمينا والتى تضم مركز الحج وهو مكان تجمع الحجاج المسيحيين ويشكّل مركز الحج المبنى الرئيسى بالموقع ويقع فى الجزء الجنوبى من المنطقة السكنية القديمة، تخطيطه من فناء متسع على شكل ميدان محاط بصفوف من الأعمدة يضم كنيسة على الطراز البازيليكى وكنيسة المدفن وبها قبر القديس مينا والمعمودية التى تقع غرب كنيسة المدفن وبها بئر التعميد المكون من ثلاث درجات والمغطى بالفسيفساء.
والقرية السكنية ودور الضيافة التى تقع حول مركز الحجاج ومنازلها من الطوب اللبن وبها حوانيت وورش، وطريق المواكب وهو طريق كبير وعريض خاص بالمواكب يمتد من دور الضيافة إلى ميدان الحج، والكنائس التى تشمل مجمع معمارى ضخم يتكون من مبانى منفردة ومتصلة ببعضها البعض بشكل مباشر وتتضمن البازيليكا الكبرى (كنيسة البابا ثاؤفيلوس) التى تعود إلى أواخر القرن الخامس الميلادى وكنيسة المدفن (كنيسة البابا أثناسيوس) غرب البازيليكا وتعلو مقبرة القديس مينا مباشرة وتعود إلى عصر جستنيان (528- 565م)، ومدفن القديس مينا وهى مقبرة تحت الأرض لها درجين أحدهما للصعود والآخر للهبوط لكثرة عدد الوافدين والمعمودية وهى ملحقة بكنيسة الشهيد مارمينا والكنيسة الشرقية التى تقع جنوب جبانة البرعسى.
بالإضافة إلى الحمام المزدوج وهو الحمام المخصص للوافدين وكذلك الراغبين فى التعميد فترة عيد القيامة ويتكون من قسمين للفصل بين الجنسين، مزود بالمياه الساخنة ومشيد على الطراز الرومانى المتأخر ويتكون من عدة أحواض وأماكن الوقود وبئر كبير لتزويد الحمام بالماء، واستخدم فى البناء الطوب الأحمر المحروق بجانب الدقشوم لعدم تسرب المياه من الأحواض، والحمام الشمالى الذى يتكون من بئر كبير وأحواض وحجرات لتغيير الملابس على نفس طراز الحمام المزدوج، ويضم الموقع البيمارستان وهى مستشفى مكونة من عدة حجرات وصالات تقع جنوب الكنيسة البازيليكية الكبرى، وقامت بعثة آثار ألمانية عملت بالمنطقة حتى عام 2006 بترميم ما كشفت عنه من آثار من أساسات للجدران وبعض قواعد الأعمدة الرخامية بالكنيسة البازيليكية.