في تناقض واضح يعكس الفرق بين رقي المصريين وهمجية الاحتلال الإسرائيلي، الذي تعدت قواته منذ ساعات على موكب تشييع جنازة الصحفية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة، وكادت تسقط نعشها أرضًا، رسخ حكم سابق للقضاء المصري، احترام مصر لحقوق الموتى حتى لو كانوا يهودًا، حيث اعتبرت المحكمة الإدارية العليا الطعن على حكم القضاء الإدارى بالإسكندرية دائرة البحيرة، برفض نقل رفات رجل دين يهودي إلى إسرائيل كأن لم يكن، لأن الإسلام ينبذ نبش قبور الموتى، ورفض طلب إسرائيل المبدى لمنظمة اليونسكو لنقل رفاته إلى القدس.
وقالت المحكمة برئاسة القاضي الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة أن الإسلام يتخذ موقفاً متسامحاً تجاه الأديان الأخرى ليرسخ مبادئ العدل والمساواة والتكافل الاجتماعى بين الناس, حيث يحترم الإسلام الكتب السماوية والرسل ، ولما كانت الطوائف غير الإسلامية من أهل الكتاب تتمتع فى مصر من قديم الزمان بحرية واحترام كيانها الدينى , إذ بلغت الطوائف غير الإسلامية شاناً عظيماً فى مصر فى مجال الحقوق والحريات العامة وحرية العقيدة فى إطار من النظام العام المصرى لم تبلغه تلك الطوائف غير الإسلامية فى أية أمة من الأمم ولا حتى فى تلك الأمم الأوروبية المدينة العريقة فى أكثر النظم ديمقراطية فى العالم واكثرها تشدقا بها .
وأضاف أنه لما كانت مصر مهد الدين وراية مجد الأديان السماوية، وكان الإسلام الذى هو دين الدولة المصرية بمبادئ الشريعة الغراء التى عدها المشرع الدستورى المصدر الرئيسى للتشريع، يحترم الأديان السماوية ويحترم موتاهم وينبذ نبش قبورهم بما يحمله ذلك من سماحة وسلام أرسى دعائمها رسول الإنسانية محمد عليه الصلاة والسلام – الذى بعث للناس كافة ليتمم مكارم الأخلاق – بقوله "من أذى ذميا فأنا خصيمه يوم القيامة" رواه مسلم كما أنه عندما مرت جنازة على الرسول الكريم فوقف احتراماً لها, فإذا بأحد الصحابة يقول له: "إنها جنازة يهودى"، فقال الرسول الكريم: "أليست نفساً"، وهذا له دلالته الساطعة على أن الإسلام يسوى بين الموتى، حينما وقف رسول الرحمة المهداة للعاملين احتراماً لروح غير مسلم تصعد لبارئها , وبغض النظر عن ديانة صاحبها ، فضلا عن أن الإسلام أمر بحسن معاملة الطوائف غير الإسلامية من أهل الكتاب وعدم الإساءة إليهم وألا يضاروا فى أنفسهم أو أموالهم , وآية ذلك أنه فى عهد خليفة المسلمين الفاروق عمر بن الخطاب حينما فتح "بيت المقدس" أعطى لأهل الكتاب أماناً لأنفسهم وصلبانهم وكنائسهم لا تسكن كنائسهم ولا ينتقص منها ولا من حيزها ولا من صليبها ولا يضارون فى أنفسهم أو أموالهم .
وأشارت المحكمة إلى أنه بعقد المقارنة بين الفقة والقضاء فى كل من فرنسا ومصر بصدد النظام القانونى الجبانات والمقابر وما ينتظمها من حقوق، فإن الفقه فى فرنسا ينظر إلى الجبانات والمقابر على أنها تراخيص لها صفة العقود الإدارية , وتتسم بطابع الاستقرار، والتراخيص الخاصة بشغل مساحات محدودة من أراضى الجبانات لإقامة مدافن أو أحواش عليها، ويذهب القضاء الفرنسى إلى أن حق المرخص له فى الانتفاع بجزء من أراضى الجبانات هو حق عينى عقارى موضوعه الانتفاع بالجزء المخصص فى الأغراض المحددة فى التراخيص، بمراعاة أن رغبة الأسرة هى أن يستقر موتاهم فى المكان الذى خصص لهم، أما فى مصر فإن الترخيص بمثل هذا النوع من الانتفاع يرتبط باعتبارات ومعتقدات دينية وأعراف مقدسة عميقة الجذور فى نفوس الكافة منذ فجر التاريخ ,باعتبار أن القبر هو مأوى المرء بعد مماته وداره التى يوارى فيها بعد انتهاء رحلته الدنيوية، كل ذلك أضفى على التراخيص بشغل أراضى الجبانات فى مصر منذ وجدت , طابعاً من الثبات والاستقرار لا يزحزحه إلا إنهاء تخصيص المكان للدفن وقلما يتم ذلك إلا فيما يتعلق بالجبانات التى بطل الدفن فيها ودست معالمها .
وانتهت المحكمة إلى أن المطالبة بنقل رفات حاخام يهودي من مصر إلى إسرائيل يتعارض مع سماحة الإسلام ونظرته الكريمة لأهل الكتاب واحترام قبور موتاهم بحسبانها مأوى المرء أياً كانت ديانته بعد مماته وداره التى يوارى فيها بعد خلاص حياته الدنيوية، دون الاستجابة للطلب الإسرائيلى المبدى لمنظمة اليونسكو بنقل رفات الحاخام اليهودى أبو حصيرة من مصر إلى القدس لأن الأرض – القدس - محل الطلب الاسرائيلى لنقل رفات الحاخام اليهودي إليها، هى أرض مغتصبة من سلطة الاحتلال الإسرائيلى، والأرض المحتلة لا ترد عليها تصرفات الدولة الغاصبة ولا تدخل فى سيادتها , ولا يكسبها ذلك حقا مهما طال الزمان ولا يجوز – والحال كذلك – نقل الرفات إليها طبقا للقانون الدولى والقانون الدولى الإنساني واتفاقية جنيف الرابعة واللائحة المتعلقة بقوانين وأعراف الحرب البرية لاهاي باعتبار أن القدس أرض مغتصبة من سلطة الاحتلال الإسرائيلى والأرض المحتلة لا ترد عليها تصرفات الدولة الغاصبة ولا تدخل فى سيادتها ولا يكسبها ذلك حقا مهما طال الزمان .