الأربعاء 06 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ثقافة

جوستاف فلوبير.. فارس الواقعية

جوستاف فلوبير
"جوستاف فلوبير "
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

تحل اليوم الأحد، ذكرى رحيل فارس الواقعية الروائي الفرنسي جوستاف فلوبير، الذي أرسى قواعد المدرسة الواقعية في الأدب، وكانت أولى رواياته بعنوان "مدام بوفاري".

ولد جوستاف فلوبير في 12 ديسمبر 1821 في مدينة روان الفرنسية، والتحق بالمدرسة متأخرا حيث تجاوز عمره العاشرة، وكان ذلك سببا في نزعة الخجل التي لازمته، ودأبت خادمة الأسرة على إشباع خياله بالكثير من القصص والحكايات فلما التحق بالمدرسة بدا ميله واضحا إلى دراسة التاريخ، وشغف بقصصه.

كان فلوبير يكتب دون علم أبيه الطبيب الذي أراد أن يجعل ابنه جراحًا بارعًا مثله، لكنه صارح والده بعد حصوله على شهادة الثانوية بعدم رغبته في دراسة الطب، فاقترح الأب عليه أن يكون محاميًا، وقرر إرساله إلى باريس لدراسة القانون.

لم يلبث فلوبير أن ضاق بالقانون والجامعة وباريس، وصمم على أن يحترف الأدب، وانكب على قراءة كتاب "دون كيشوت" لسرفانتس، وقد صار هذا الكتاب المنبع الأول لفلسفته وتحت تأثيرها كتب عددا من المسرحيات والروايات التي تدور حول الجوانب القاتمة من الحياة.

ألزم "فلوبير" نفسه بنظام وعادات صارمة بعد وفاة والده وأخته، حيث كان يستيقظ في العاشرة صباحاً ويبدأ بمطالعة الصحف والرسائل الواردة إليه، ثم يتناول غداء خفيفاً في الحادية عشرة، ويقضي الساعتين التاليتين متكاسلاً في الشرفة أو جالسا في جناحه يقرأ، وفي الساعة الواحدة ينكب على الكتابة حتى السابعة مساءاً، ويتناول عشاءه ثم يقوم بجولة في الحديقة ويعود بعدها ليستأنف الكتابة حتى ساعة متأخرة من الليل.

كانت تنتاب فلوبير نوبات صرع غامض لازمه طوال حياته مما جعله يعزف عن الزواج، ولكنه أحب أكثر من مرة وكانت أولي حبيباته فتاة إنجليزية تدعى "هنرييت كولييه" وكان أبوها ملحقا بحريا لبلاده في فرنسا، ثم أحب "جولييت دورييه" التي أحبها طوال حياته ورسم ملامحها على شخصية بطلة روايته "مدام بوفاري".

ينتمي فلوبير إلى المدرسة الواقعية في الأدب، وعادتاً  ما يتم النظر إلى روايته المشهورة "مدام بوفاري" بعدها أول رواية واقعية وهو الذي تابع المشروع الروائي الواقعي الذي بدأه كتاب فرنسيون اخرون، وأرسى قواعده إلا أنه على الرغم من انتمائه إلى المدرسة الواقعية يظل ذلك الكاتب الذي زاوج بين واقعيته وبين ميله الرومانتيكي، الذي ظهر جليا في رواياته الأخرى التي حملت عناوين: غواية القديس أنطونيوس والتربية العاطفية فضلا عن روايته مدام بوفاري، وعلى خلاف الكتاب الرومانسيين الذين يعتمدون على الخيال والعواطف المتقدة في التعبير الأدبي، تميز جوستاف فلوبير يقدرته على الملاحظة الدقيقة، والاستعانة بالعقل والرؤية الموضوعية بدلا من نظرتها الذاتية التي يتصف بها الكتاب الرومانتيكيون عادتا، والواقع انه الكاتب الذي لم يكن ينفر من الواقع.

كان فلوبير  يعتقد أن الفن الحقيقي هو الفن الموضوعي، لكن الفصل بين الفنان كذات فكرية كموضوع ضروري ومع ذلك فإنه الكاتب الذي يمثل المذهبين الواقعي والرومانتيكي بطريقة أو بآخر ففي رواية "مدام بوفاري" يصور فلوبير التطورات الطارئة على بطلة الرواية "ايما بوفاري" من الناحيتين السايكلوجية والأخلاقية وفضلاً عنها كنموذج بشري أنثوي فإنه يصور طبائع وأمزجه عدد من الشخصيات الأخرى، وجميعها نماذج عادية تحيا في الواقع الاجتماعي وتنتمي إلى الطبقة الوسطى، ولها اهتماماتها وأهدافها ومشاريعها العادية، إن وصف النماذج التي تحيي الواقع ليس عملية يسيرة.

يعد فلوبير روائي وفنان واقعي متميز، فهو  قادر على رصد الطبائع البشرية ومعرفتها معرفة عميقة على خلاف الرؤية الفلسفية التي تؤدي بالفيلسوف عادة إلى معرفة الإنسان ودوافعه وحوافزه، ولكن لم يكن فيلسوفاً بل روائياً وفناناً واقعياً، ومما تتصف به رواية "مدام بوفاري" ميلها إلى التعالي الذاتي على الطريقة الرومانتيكية وكانت قراءاتها في الأدب الرومانتيكي وإطلاعها على رواية بول وفرجيني للكاتب الرومانتيكي برناردين دوسان، فضلا عن أشعار الفونس والتطلع بأمل إلى المستقبل والنفور من الحاضر الذي يتصف بالافتقار إلى الفاعلية وإن زواج "ايما" من الطبيب "شارل بوفاري" أدى إلى زيادة إحساسها بالفراغ.