رغم فشله فى السيطرة على مصر وتونس يواصل التنظيم الدولى لجماعة الإخوان الإرهابية فى ليبيا محاولاته اليائسة لوضع مخططات لعودة الفوضى فى ليبيا لمحاولة الاستيلاء عليها عن طريق إشعال الفتن وإسقاط البلاد مجددا فى نيران الحرب، إضافة إلى محاولة الوقيعة بين أبناء الشعب الليبى وعدد من الدول المجاورة الداعمة لاستقراره من أجل التمهيد لدول إقليمية تسعى لنهب خيرات الليبيين، ليس هذا فقط بل أيضا استغلال الأزمة الاقتصادية العالمية، والتى أظهرت الانحرافات والسياسات الخاطئة التى تتحكم فى ليبيا منذ2011؛ وتسببت خلال الأربعة أشهر الماضية فى تفاقم معاناة الليبيين من زيادة الأسعار ونقص السلع أضعاف ما تعانيه بلاد أخرى ، وما بين الاقتصادى والسياسى لايزال الإرهاب فاعلا فى الداخل الليبى
فى هذا التقرير نكشف عن آخر تطورات هذا الصراع، ودور جماعة الإخوان الارهابية وتنظيمها الدولى فى اشعاله.
فى هذا السياق كشفت تقارير عسكرية وأمنية، أن عمليات الجيش قضت بنسبة كبيرة على انتشار عصابات التهريب، وقللت نشاط الفصائل المسلحة التى تدخل ليبيا من دول الجوار، خاصة التابعة لمتمردى تشاد والسودان، وأضعفت قوة تنظيمى «القاعدة» وداعش فى المنطقة الجنوبية التى كان يأمل التنظيمان أن تكون منطلقا لمهاجمة باقى المدن الليبية.
الأزمة الاقتصادية
على المستوى الاقتصادى للأزمة الليبية منذ ٢٠١١ تتحكم فى السوق شركات استيراد للسلع الغذائية ركَّزت همها على المتاجرة بالعملة الصعبة وليس تحقيق الأمن الغذائى لليبيين، واعتمدت الحكومات المتعاقبة على أساليب المسكنات أو ترحيل الأزمات للمستقبل، دون الاهتمام بحلول جذرية مثل زيادة الرقعة الزراعية وصوب تخزين الغلال وتخزين الخضراوات.
من جانبه ارجع الخبير الاقتصادى الدكتور عمران التاجورى، أسباب عدم انضباط الأسعار فى ليبيا إلى أمورٍ تُضاف للأزمة العالمية الناجمة عن الحرب فى أوكرانيا، منها غياب الدولة والأجهزة الرقابية؛ ما أدى إلى ارتفاع الأسعار أكثر من مرة خلال عام، وتباين هذه الأسعار من منطقة إلى أخرى.
ويضيف «التاجورى» أن ـ"السياسات الاقتصادية المتسرعة والخجولة وغير المدروسة بعناية، من الحكومة لا ينتظر منها إحداث أى فارق فى هذه الأزمة، وتركت السوق للمضاربين، فيما تبرر ارتفاع الأسعار بارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الدينار الليبي، فى إشارة إلى الحكومة المنتهية ولايتها بقيادة عبد الحميد الدبيبة.
الشركات المستوردة
وأكد المحلل السياسى جابر الهمالى، إن الشركات المستوردة التى انتشرت بعد ٢٠١١، وتعود ملكيتها لشخصيات ذات نفوذ فى الغرب الليبى، احتكرت الاعتمادات المستندية بالعملة الصعبة، ولم يكن هدفها الأساسى استيراد المواد الغذائية، بل المتاجرة فى العملة مقابل جلب جزء بسيط كبضائع تباع فى السوق بسعر مضاعف لأكثر من مرة، دون مراعاة للقدرة الشرائية للمواطن.
ويرى «الهمالى» أن «عجز الحكومة ومؤسساتها الكثيرة هو السبب الرئيسى فى ارتفاع الأسعار وإرهاق المواطن»، مشيرًا إلى أن أكبر عجز لم تفسره مؤسسات الحكومة هو إغلاق مؤسسة السلع التموينية التى تزود المواطن بالسلع المدعومة وفق سياسة معروفة منذ أكثر من ٥٠ سنة. ومع غياب هذه المؤسسة لم يتم صرف البديل النقدى، بينما بقى سقف المرتبات على حاله منذ أكثر من ٢٠ سنة؛ الأمر الذى ولَّد معادلة صعبة طرفها الضعيف المواطن.
الضريبة الجمركية
كان خبراء اقتصاديون قد حذروا من الاتجاه لرفع الضريبة الجمركية الذى دعت له حكومة الدبيبة المنتهية ولايتها، مؤكدين ان هذه الخطوة ستزيد أرباح التجار، دون تحسين فى مستوى بقية المواطنين.
وقال الخبراء أن «الحل الأمثل» هو إزالة الفروق الشاسعة بين الدخول من خلال نظام مرتبات موحد لكل العاملين فى الدولة، بالإضافة إلى تفعيل الضرائب على الدخول العالية، وإعفاء السلع الغذائية من الرسوم الجمركية لتخفيف العبء عن المواطن، وتشجيع أدوات الاستيراد على زيادة وارداتها من السلع الغذائية، ورفع مستوى المخزون الاستراتيجى لتغطية الطلب على السلع.
واشاروا الى انه قبل أيام، قررت تونس وقف تصدير أنواع من الخضراوات إلى ليبيا التى تعتمد عليها بشكل أساسى، خاصة المنطقة الغربية؛ وهو ما تسبب فى رفع أسعار الخضراوات .
إهمال الزراعة
وحمَّل المحلل الاقتصادى، محمد الرفادى، السلطات الليبية مسئولية تردى الاوضاع بسبب إهمالها القطاع الزراعى، وعدم استغلال المسطحات القابلة للزراعة نتيجة ضعف تقنيات الرى، وكذلك عدم الجدية فى إنشاء مخازن لحفظ الخضراوات.
حول الأزمة الاقتصادية التى خلفها الإرهاب وجماعات الإسلام السياسى حذر البنك الدولى من مواجهة ليبيا «تحديات اقتصادية هائلة»،وتحديات اجتماعية، فى ظل تفكك مؤسسات الدولة مع توتر الأوضاع السياسية، مطالبا بضرورة الاهتمام العاجل بتلك الملفات.
وقال المدير الإقليمى للبنك الدولى لمنطقة المغرب العربى ومالطا، جيسكو هينتشل، إن ليبيا «تحتاج بشدة إلى مؤسسات موحدة، وإدارة جيدة، وإرادة سياسية قوية، وإصلاحات طال انتظارها».
وكشف تقرير صادر عن المرصد الاقتصادى الليبى، التابع للبنك الدولى، أن أداء اقتصاد البلاد هو الأسوأ فى السنوات الاخيرة بسبب مشكلات فى قطاع النفط، وتأثر البلاد بجائحة فيروس «كورونا» المستجد، ما «تسبب فى مزيد من الاضطراب الاقتصادى والاجتماعي»، وانخفاض الناتج المحلى الإجمالى .
ورغم التقديرات الإيجابية بشأن تعافى الاقتصاد الليبى نبه التقرير إلى أن النمو فى القطاعات غير النفطية ظل ضعيفا، يعوقه الصراع المستمر، وسوء الخدمات، بما فى ذلك قطاع الطاقة .
البنية التحتية
وأكد البنك الدولى ان البلاد بحاجة إلى استثمارات عاجلة فى البنية التحتية، والمساعدة الاجتماعية للفئات الضعيفة، مع محاولة احتواء الصراع وتحسين الظروف الأمنية فى أجزاء كبيرة من البلاد، بما يسهم فى تحسين الخدمات العامة وتهيئة الظروف لتحقيق انتعاش سريع فى القطاعات غير النفطية.
وأعرب عن التزامه بدعم ليبيا من خلال المساعدة الفنية والخدمات التحليلية، إضافة إلى تمويل الصناديق الائتمانية والمنح،بالتركيز على شقين الأول تسريع الانتعاش الاقتصادى، والثانى استعادة تقديم الخدمات الأساسية، حيث يعمل عبر برنامج خاص على إجراءات تحسين الحياة بشكل ملموس.
فيما نبه صندوق النقد الدولى، إلى حاجة ليبيا لإصلاح نظامها الاقتصادى بشكل هيكلى، وسط مخاوف من تبعات الأزمة الأوكرانية والتضخم الذى ضرب دول العالم بعد وباء كورونا.
وأوصى الصندوق باتخاذ آليات نقدية أكثر انضباطًا وحزمًا، بما يسمح بمواجهة حقيقية للفساد، وتحسين إجراءات الرقابة المصرفية، وفتح باب النقاشات مع مؤسسات الدولة ؛ لتقييم السياسات المالية والتجارية، والوضع الاقتصادى بشكل عام.