أكدت الدكتورة مريم الدزيري، الباحثة التونسية في مجال الأدب القديم وأدب التصوف، أن دراستها للفكر الصوفي جعلها تؤمن أنه قادر بانفتاحه الكوني على استيعاب كل التجارب الإنسانية، فهو فكر يرنو إلى السمو النفسي ومقاومة كل أشكال التطرّف الفكري، ليؤسس عالمًا منفتحًا على التجارب الأخرى ومتقبلا لها.
وأضافت "الدزيري" في تصريحات خاصة لـ"البوابة نيوز"، أن عملها على مجال الأدب الصوفي مكنها من وضع كتابها الذي حمل عنوان "الحكاية الرمزية الصوفية في القرنين السادس والسابع الهجريين: خصائصها الفنية ودلالتها الفكرية"، والصادر حديثا عن دار خطوط للنشر والتوزيع.
قالت "الدزيري": إن الحكاية الرمزية الصوفية تؤسس للمعراج القصصيّ، وهو معراج الحكي الذي يغوص في ثنايا الروح الإنسانية ليسبر أغوارها وينطلق بها نحو رحلة الفناء في الله ثمّ البقاء كما بيّنها فريد الدين العطار، كما توّضح قدرة الملحمة الفارسية الإسلامية على صهر هذا الكمّ الأجناسي داخلها لتخلق من الحكاية الصوفية زبورا فارسيا جديدا.
ولفتت الباحثة إلى أن الخوف من سطوة هذا الجنس ربما يكون هو الذي منع النقاد من إدراج الحكاية الصوفية والملحمة الصوفية ضمن أجناس النثر العربي خوفا من ابتلاع الأجناس الأخرى وانصهارها فيها كما انصهرت الفراشة في نار الشمعة.
وتعتقد "الدزيري" أن هذا البحث يوجّه الأنظار نحو المنظومة النقدية الأدبية لتعيد النظر في التصنيف الأجناسي الأدبي، وتفتح الباب نحو دراسة الأدب الصوفي بمزيد من العمق والإحاطة.
وبدوره يشيد الدكتور عبدالعزيز شبيل، مؤلف "نظرية الأجناس الأدبية في التراث النثري" باختيار مريم الدزيري لموضوع الحكاية الرّمزيّة الصّوفيّة في القرنيْن السّادس والسّابع الهجريّيْن وتركيز بحثها على دراسة خصائصها الفنّيّة ودلالاتها الفكريّة. ذلك أنّ تأثير الأدب الفارسيّ في الأدب العربيّ كان كبيرًا، إذ غذّاه بما لا يُحصى من الآثار الفنّيّة الخالدة التي تركت آثارها جليّةً في أدبنا القديم، ووجّهته نحو مجالات طريفة لم يكن له أن يرتادها لولاه.
كما صدر للكاتبة التونسية الترجمة العربية عن الفرنسية لكتاب "جلال الدين الرومي هذا النور غايتي"، ترجمه عن الفارسيّة جون كلود كاريار، ماهين تجدّد، ونهال تجدّد، ومقدّمة جان كلود كاريار، ثم نقلتها إلى العربيّة عن الفرنسيّة وحقّقت لها مريم الدّزيري، عن دار خطوط للنشر.
ووفق مقدمة جون كلود كاريار في تقديمه لكتاب "هذا النور غايتي": لقد تساءلتُ كثيرا، على امتداد هذه التّرجمة، وأحيانا أتساءل أيضا لِمَ أنا جدّ متأثر بهذه القراءة.
الكتاب يتعلق بالحكاية الشهيرة لجلال الدين الرومي الرجل الواعظ المشهور والذي يلتقي بالدرويش المتجول شمس الدين التبريزي، ثم يحدث له تحول كبير بعد خلوة أربعين يوما أو ثلاثة أشهر من الحياة المشتركة، بقى خلالها الرّجلين متخفيّين ومعزولين عن العالم، تحوّل هو إلى راقص لا ملامح له، ومن شفاهه تتدفّق، مثل سيل لا نهاية له وكأنّه لا يتحكّم فيها، كلماتٌ لا تُنسى. وذلك بعدما التقى مريد جعلت كلماته من الرّومي أحد أكبر شعراء العالم.