الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ثقافة

بالصور والفيديو.. مفكرون وكتاب يناقشون «مستقبل الثقافة في مصر» بصالون «البوابة نيوز»

جانب من ندوة مستقبل
جانب من ندوة مستقبل الثقافة في مصر
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

عندما وقَّعت مصر معاهدة «الشرف والاستقلال» عام ١٩٣٦، اعتقد المصريون أن بلدهم تسير بخطى ثابتةٍ نحو بناء دولة حديثة، وعكفوا على رسم الخطط للنهوض بتلك الدولة. ورأى «طه حسين» من موقعه كأديبٍ ومفكِّرٍ ووطنيٍّ، ضرورة أن يسهم فى وضع تصوُّر لمستقبل الثقافة فى مصر، مؤكدًا أنها أقرب لدول حوض البحر المتوسط منها لدول الشرق. ومن هنا فقد أثار الكتاب موجةً عنيفةً من الانتقاد لا تقلُّ عن تلك التى واجهت «طه حسين» حين أصدر كتابه «فى الشعر الجاهلى»، وأنكر عليه البعض إغفاله العلاقات بين مصر والشرق، مؤكدين أن المصريين، وإن كانوا غير مرتبطين بدول الشرق الأقصى، فإن هناك تقاربًا ثقافيًّا لا يمكن تجاهله بينهم وبين الشرق الأدنى، ولا سيما العرب. من هذا المنطلق استضاف «صالون البوابة الثقافى» نخبة من أبرز المثقفين والكتاب، وهم: الأديبة الكبيرة سلوى بكر، رئيس تحرير سلسلة التراث بالهيئة العامة للكتاب، والناقد الأدبى الكبير الدكتور يسرى عبد الله، أستاذ النقد الأدبى بجامعة حلوان، والكتاب الصحفى الكبير محمود حامد، مدير تحرير البوابة، وأدار النقاش الكاتب الصحفى محمد لطفى، رئيس القسم الثقافى بجريدة البوابة.

بدأ الصالون بترحيب الكاتب الصحفى محمد لطفى بالحضور، مؤكدا أنه لا يمكن مناقشة مستقبل الثقافة فى مصر بعيدًا عن كتاب عميد الأدب العربى طه حسين الذى يحمل نفس العنوان، قائلا: صدر الكتاب عام ١٩٣٨ ولا يزال يثير جدلا واسعًا منذ صدوره، خاصة أن الحديث عنه لا يتوقف حتى يومنا هذا، نظرًا لأهمية هذه القضية وما تعنيه لمستقبل مصر بشكل عام.

وأضاف «لطفى»: نطرح اليوم القضية نفسها وفق رؤية جديدة حول مستقبل الثقافة فى مصر، فى ضوء المتغيرات التى طرأت على كل الأصعدة، سواء العالمية أو الداخلية، وكل المستويات سواء السياسة أو الاجتماعية أو الاقتصادية أو التكنولوجية، والتى تجلت فى انتشار وسائل التواصل الاجتماعى وغيرها من الوسائط الرقمية التى غيرت شكل المجتمعات فى الفترة الأخيرة؛ وخلال هذه الندوة نطرح القضية آملين أن نقدم طرحًا جديدًا للقراء والمسئولين عن الثقافة فى مصر.

إعادة تعريف الثقافة

من جانبها تحدثت الكاتبة الروائية الكبيرة سلوى بكر عن رؤيتها حول كتاب مستقبل الثقافة فى مصر وهل هذا الكتاب ما زال صالحًا للتطبيق فى هذا اليوم، أم يجب مراجعة بعض جاء به وفقًا لمعطيات العصر الحديث؟ قائلة: «هذا التساؤل كبير وصعب، وهو تساؤل كان من المفترض أن تنشغل به المؤسسات الثقافية، وينشغل به المسئولون عن الثقافة، فالثقافة اليوم ربما تحتاج إلى إعادة تعريف، فمفهوم الثقافة فى حد ذاته أصبح مفهومًا واسعا، ولم يعد المفهوم المتعلق بالإبداع والأدب فقط، والمتغيرات التى تمت على الأرض فى المجال الثقافى هائلة، سواء على المستوى الداخلى أو المستوى العالمى الخارجى.

انهيار المؤسسة التعليمية

وأضافت: كيف نتساءل عن الثقافة قبل أن نتساءل عن التعليم، فواقع التعليم يأتى فى المقام الأول، وعندما كتب طه حسين مستقبل الثقافة فى مصر، كانت وزارة التربية والتعليم تسمى بوزارة المعارف العمومية، والملاحظ أن المؤسسة التعليمية فى مصر كانت دائما ترتبط بالثقافة، وكان قادة المؤسسة الثقافية من رموز الفكر وكبار المثقفين فى مصر، ولذا وجدنا على سبيل المثال مصطفى المنلفوطى يكتب نشيد اسلمى يا مصر، وبيكار الرسام العظيم فى الأصل كان مدرس رسم فى إحدى المدارس، ومن الطبيعى أن يتخرج من تحت يده فنانون، وأظن أنه لا مستقبل للثقافة بمعناها الإيجابى المؤسس ودورها فى بناء الإنسان دون أن نعيد النظر فى المؤسسة التعليمية وعلاقتها بالثقافة فى المقام الأول.

وتابعت: المؤسسة التعليمية فى أسوأ حالاتها ولا يمكن أن تنتج مثقفا، لأن المثقف دوره الأساسى هو إنتاج الأفكار التى تعين المجتمع على أن يتقدم، وإذا كنا نتساءل لماذا لا تلعب الثقافة الدور المنوط بها؟ فأظن أن التعليم مسألة أساسية مؤثرة فى الثقافة ونشهد اليوم التردى التعليمى وعزلته عن الثقافة يجعل المستقبل ليس مبهرًا أو يدعو إلى التفاؤل».

إلغاء المؤسسة الثقافية

وحول دور المؤسسة الثقافية قالت: «هناك بعض الأصوات التى تدعو إلى إلغاء وزارة الثقافة التابعة للدولة وترك العمل فى المجال الثقافى للمجتمع المدنى، وأنا أرى أن هذا الكلام (هراء) لأننا فى دولة نامية والثقافة فيها يجب ألا تكون ترفًا، ويجب أن توجه لبناء الإنسان وتنميته، ومشكلة المؤسسة الثقافية أو وزارة الثقافة أنها تدار بموظفين وليس بمثقفين، وأقول دومًا أن هذه الوزارة تدار بموظفين كارهين للثقافة ليس فقط لأنهم لا يفهمون فى الثقافة، بل لأنهم يرون أيضًا أن إنفاق الأموال فى الثقافة هو نوع من العبث، وأن هذه الأموال هم أولى بها، بدليل أن ٧٥٪ من ميزانية وزارة الثقافة تذهب فى صورة مكافآت ومرتبات وهى إشكالية أساسية، ففى فترة من الفترات كانت وزارة الثقافة تعمل على خدمة وتجميل سياسات الدولة، وفى مرحلة أخرى وبالتحديد فى فترة الوزير فاروق حسنى، التى شهدت انتعاش السياحة، فكان يرنو إلى مزيد من انتعاش السياحة عبر الثقافة، فتم اختزال الثقافة فى الفنون البصرية والرقص والغناء، وتم اختزال الرقص فى التنورة، بينما الثقافة فى دورها الحقيقى فى أنها تخدم على الناس والارتقاء بهم وهذا كان يحدث فى الفترات السابقة.

العدالة الثقافية

وأضافت: الثقافة فى فترة الستينيات، على سبيل المثال، كانت تحقق ما يسمى بالعدالة الثقافية، فكان يستطيع الفرد أن يدخل السينما أو الأوبرا بقروش قليلة يقدر عليها الطالب، واستمر هذا حتى مشروع مكتبة الأسرة وإن كان هذا المشروع الكبير قد شابه بعض الفساد فى نهايته، فالمؤسسة الثقافية تحتاج إلى فلسفة ويجب أن تدار بمثقفين ونتعامل معها بجدية، لاسيما وأن الدولة تقوم بالإنفاق عليها، وتحتاج إلى أن تكون فاعلة بداخل المجتمع، والدليل أننا إذا تتبعنا أداء بعض المؤسسات مثل المجلس الأعلى للثقافة أو قصور الثقافة والتى أنفقت عليها ملايين الجنيهات، ستجد أنها لا تدار بشكل جيد.

أموال النفط

وواصلت بكر: هناك متغير من نوع جديد لم ينتبه إليه الدكتور طه حسين لأنه لم يكن موجودًا وهو دخول النفط وأمواله على الثقافة فى المنطقة العربية، لافتة إلى الدور الذى قام به النفط أو بمعنى أدق أموال النفط، مشيرة إلى أنه أدى إلى تسطيح الأفكار وجذبها فى اتجاهه عبر أمواله وجعل من يتعامل مع الثقافة معنيا بأشياء لا تعبر عن المجتمع بقدر ما تسعى لإرضاء من يدفع من أهل النفط، مختتمة بقولها: «مستقبل الثقافة موضوع شائك ومعقد ويحتاج إلى حديث طويل».

 

تحول الثقافة إلى فلكلور

من جانبه شدد الكاتب والناقد الكبير الدكتور يسرى عبدالله؛ على أهمية ما طرحته الأديبة سلوى بكر خلال كلمتها، ومنها تحول الثقافة إلى فلكلور وإلى خطورة أموال النفط، قائلا: «إذا كان هناك ما يسمى بالمال السياسى فإن هناك أيضا ما يسمى بالمال الثقافى، وهناك بعض الدول تحاول أن تصعد على حساب الدور المركزى المصرى فى الثقافة الوطنية من خلال الأموال، وهذه من الأمور المهمة التى يجب أن ننتبه إليها، وفى رأيى هذا جزء رئيسى من إشكاليات المؤسسة الثقافية بأنها لا تسعى إلى الاشتباك مع مثل هذه القضايا، ويجب أن نكون على وعى كامل بالجدل السياسى والثقافى الحاصل. 

وتابع: «بالعودة إلى موضوع الندوة وهى «مستقبل الثقافة فى مصر»، فسوف نستدعى على الفور كتاب طه حسين، فأى قارئ أو أى مثقف يسمع عنوان الندوة سيحيل الأمر على الفور إلى هذا الكتاب المركزى أو الكتاب (العمدة) فى تاريخ ثقافتنا، وإذا ما عدنا للعام الذى صدر فيه الكتاب، سنجد أننا كنا فى لحظة سياسية فارقة على مستوى الأمة المصرية، فالسياقات التى نشأ فيها الكتاب كانت سياقات ابنة لخلق فكرى وجمالى، وهذا جاء فى أعقاب فترة العشرينيات الخصبة وثورة ١٩١٩ وفى ظل فكرة نمو الروح الوطنية وتمثيلاتها وتجلياتها المختلفة مثل موسيقى سيد درويش وتمثال نهضة مصر لمحمود مختار، وهذه الحالة الفنية والثقافية التى استمرت فترة طويلة شهدت نوبات من الصعود ومن المد، كان من بينها كتاب مستقبل الثقافة فى مصر لطه حسين، هذا الكتاب الذى يطرح مجموعة من الأمور التى تعد صالحة الآن للحياة الثقافية أولا من ناحية التطبيق من جهة، ومن جهة أخرى للتأمل.

هوية مصر

وأضاف :«صدر الكتاب فى فترة التساؤل حول هوية مصر، محاولا اكتشاف أبعاد أخرى جديدة لهوية مصر مثل البعد الأورومتوسطى وهذا جانب مهم، والكتاب أيضًا مبنى على الإيمان العميق بفكرة التراكم الحضارى المصرى، خاصة أن الثقافة المصرية جزء أساسى من أهميتها أنها ثقافة موصول ماضيها بحاضرها، وهو ما يعود إلى فكرة التراكم الحضارى المصرى، فالهوية المصرية هى هوية ذات جذور مختلفة، فطه حسين من المثقفين القلائل المؤمنين بهذه الآلية وهذه الروح التى أسميها بـ«الروح المصرية الحقة» أو الروح المتجددة لهذا البلد العظيم.

وأردف: رأى طه حسين أن المشكلة المركزية التى تواجه أى حراك ثقافى، هى إشكالية التعليم، ومنها إشاراته على سبيل المثال إلى ازدواجية التعليم بين مدنى ودينى، وفكرة حتمية التركيز فى التعليم الأساسى على ما يسمى باللغة الأم فى المراحل الإلزامية فى التعليم، والتى نجد آثارا لها فى الفترات اللاحقة، ففى هذه النقطة تحديدًا نجد أن أنصار التيار المحافظ سيتعامل مع طه حسين باعتباره من دعاة التغريب، فطه حسين كان مفكرًا تقدميًّا بامتياز، سابقا لأوانه، وهذا كان جزءا من أفكاره فى محاولة من التماس مع مراكز إنتاج الحضارة فى العالم الجديد ومن بينها أوروبا وكان يفعل هذا بوعى شديد، والمسالة الأخرى المتعلقة بالتعليم ما يسمى بالموقف العام للمثقف، وهو ما أشار إليه الكتاب فى بعض فقراته المتناثرة، والتى تفيد فى نهاية الأمر وتضع المتلقى فى حالة تساؤل حول معنى الثقافة ودور المثقف، فنحن الآن فى حاجة إلى تحرير مثل هذه المصطلحات، وهو ما سيحيلنا إلى تساؤلات مهمة حول الدور المأمول من وزارة الثقافة ومؤسساتنا الثقافية فى محاولة لتدعيم هذه المؤسسات من جهة وتطويرها من جهة أخرى».

الثقافة شريك أساسي

ولفت الدكتور يسرى عبدالله إلى أن الثقافة تنجح حينما تمثل حالة مجتمعية وليست مجرد أيقونة تتحرك بين مجموعة من النخب، فكلما تحركت الثقافة بين الناس كلما استطاعت أن تحقق النجاح المنشود، وأن تتحول الثقافة إلى قيمة مضافة لمتن الدولة الوطنية وأن تصبح الثقافة شريكا أساسيا فى معركة الدولة المصرية ضد التخلف والرجعية وقوى الاستعمار الجديد، فاستعادة هذا المعنى باعتبارها جزءا أصيلا ومركزيا وأنها تمثل هذا العون للقلب الصلب للثقافة المصرية فهذه الأفكار هى أفكار مهمة للغاية فى تعامل الثقافة مع الواقع. 

تحديث الثقافة

وأكمل: هنا لا بد أن أشير إلى فكرتين أساسيتين، أولاً: علاقة الثقافة الوطنية بمشروع التحديث، والأمر الآخر: ما الذى يمكن أن نفعله من أجل بنية ثقافية أكثر قوة وأكثر قدرة على أن تصبح قيمة مضافة إلى متن الدولة الوطنية، فمشروع التحديث حينما نشير إليه فى العصر الحديث نستعيد إلى الأذهان تجربتين وهى تجربة محمد على وتجربة جمال عبد الناصر، فتسلم هذا المشروع مجموعة من الأفكار والآليات الإجرائية التى أوجدت حالة من الجدل الخلاق والتراكم الكمى الذى أفضى إلى تغير نوعى بطريقة أو بأخرى فى الإسهام فى تحرير الوعى المصرى تارة عبر الاهتمام بالترجمة والبعثات العلمية لاسيما إلى فرنسا، وإنشاء مدرسة الألسن وإفساح المجال لرفاعة الطهطاوى وزملائه فى بدء نهضة حقيقة وجديدة آنذاك، ثم التمازجات التى حدثت فى أعقاب ثورة يوليو بين السياسى والثقافى والإحساس العارم بأهمية القوة الناعمة المصرية التى بدأت فى التأثير الفعلى فى محيطها العربى بل ورفده بقيم مختلفة جعلت الوجدان العام مصريا بامتياز فى فترة الستينيات على وجه التحديد، وربما كان لنكسة ٦٧ أثرها فى تغير المزاج العام وغلق الأفق النهضوى فى المشروع المصرى والعربى، غير أن الشاهد الحى يبدو فى الاحتفاء المدهش فى الثقافة الوطنية التى حمت رهاناتها فى المسرح والسينما والأدب بشتى أنواعه والفنون التشكيلية والموسيقى.

وأشار إلى أن سؤال الثقافة الوطنية باختصار لا ينفصل عن سؤال التحديث، بل إن مشروع الثقافة الوطنية يعد فى جوهره مشروعًا للتحديث والنهوض يجب تتوخاه الدولة المصرية الآن فى ظل عمل دؤوب لا تخطئة عين.

سياسيات ثقافية

ولفت «عبد الله» إلى أنه لا بد من وجود سياسات ثقافية وخطط واضحة قابلة للتنفيذ وليس مجرد كلمات مرسلة أو مجازية، فالبداية هنا يجب أن تبدأ بوضع مجموعة من السياسات الثقافية الفاعلة، والتى تتخذ بُعدا إجرائيًّا يبدأ من وعى المؤسسة الثقافية الرسمية بخطورة اللحظة وبتحدياتها وتعاملها مع الثقافة بوصفها حالة مجتمعية يجب أن تصل إلى كل القطاعات والطبقات، وأن تسعى إلى تكسير الفجوة المصطنعة بين النخبة والجماهير عبر خطوات واضحة، فتجعل من المجلس الأعلى للثقافة عقلاً حقيقيا للأمة المصرية ومسئولاً عن صياغة السياسات الثقافية المصرية وفق وعى مختلف وجديد وليس وفق المنطق النظرى الذى يخلو من المعنى والإدراك، وأن تسعى إلى سياسات جديدة فى النشر بأن تتعامل مع المنتج الثقافى بوصفه عنوانًا للتقدم والحرية، وهو الأمر الذى سيفضى إلى استعادة صناعات فكرية تختص بالمعرفة، وأن تتعامل مع قصور وبيوت الثقافة بوصفها منارات للمعرفة وليس مجرد أمكنة ترعى فيها الأفكار القديمة فى بعض الأقاليم.

 

ظاهرة إنسانية

فيما لفت الكاتب الصحفى محمود حامد إلى أهمية الثقافة بوصفها ظاهرة إنسانية عامة وليست مسألة وطنية مصرية فقط لها دورها الأساسى فى ربط الوحدة الوطنية، وربط الوحدة الوطنية بقدمها وتحديثها واقترانها بالتنمية الصناعية والاقتصادية والتعليمية لكى تتحقق التنمية الثقافية، وهذا ما ذكره طه حسين فى كتابه، فكتاب «مستقبل الثقافة فى مصر» قد لقى ترحيبا شديدًا.

 

وقال حامد: إن طه حسين كتب هذا الكتاب الهام بتكليف من مجلس الوزراء وأتذكر أننى كتبت منذ أكثر من عشرين عاماً يوميات بعنوان متى نسمع عن اجتماع لمجلس الوزراء يخصص لمناقشة قضايا الثقافة.. ويبدو أ ن السؤال ما زال حلماً نتمنى أن يتحقق، مطالبا بضرورة اعتبار الثقافة مشروع قومى يتطلب حشد كل الرؤى للنهوض بها مثل أى مشروع قومى تنوي آخر.

وأشار إلى التغير الجوهرى الذى حدث فى مصر فترة عهد السادات، فجميعنا نتذكر عندما حدث التحالف مع النظام السياسى وجماعات الإسلام السياسى بدأت فترة الانحدار فى التعليم، وبالتالى فى الثقافة، وهو ما ظهر جليًا فى انتشار ظاهرة الجنازير بالجامعات، وبدأت فترة تحول الثقافة والتعليم من تعليم مدنى إلى محاولة تأطيرهما فى إطار دينى، وبدأ الإرهاب الفكرى ينتشر من هنا، كما تغير الفكر العام للهيئة العامة لقصور الثقافة عندما صدر قانون بتحويل الاسم من الثقافة الجماهيرية إلى الهيئة العامة لقصور الثقافة، ولو عدنا إلى القانون الذى صدر سنجده قد قام بتغيير بنيتها الأساسية وتوجهها.

وواصل: مستقبل الثقافة مرتبط ارتباطا وثيقاً بالنهوض بالتعليم نهوضاً حقيقياً، وهو مرهون برؤية إبداعية تخص جميع الأطراف المختصة بالثقافة والشباب والتعليم والتنمية المحلية وغير ذلك من جهات شريطة الخروج من شرنقة التفكير الرسمى الخانق، ومرهون بمستقبل التعليم ومستقبل التعليم لا يمكن أن تحكمه رؤية شخص واحد مهما بلغ من العلم.

 

وقال «حامد»: عالج طه حسين فى كتابه بعض أبعاد رؤية التراث فى الثقافة والتعليم والمحافظة عليها، فرأى ضرورة إشراف الدولة على شئون التعليم كلها، لقدرتها على مراقبة وضع المناهج والبرامج التعليمية، حيث إن القلة التى تعلمت خضعت لألوان مختلفة من التعليم يجب تجاوزها، فالتعليم الأجنبى تحميه الامتيازات الأجنبية.

وواصل: بعد مرور أكثر من ثمانين عامًا، نجد أن الكتاب يبدو كما لو كان مكتوبًا لنا اليوم، فأغلب المشكلات التى كان يتحدث عنها طه حسين، خاصة فيما يتصل بكل من الثقافة بوجه عام والتعليم بوجه خاص لا تزال إلى اليوم مشكلات موجودة ومستعصية على الحل. وهو أمر يؤكد أن مشروع طه حسين لا يزال مشروعًا معاصرًا، ولا يزال صالحًا للتطبيق وفق مراعاة تغيرات الزمن وما جرى فى نهر الحياة من تطورات إيجابية أو سلبية.

 

 وتابع حامد: نحتاج ونحن نتحدث عن المستقبل أن نراجع الماضى وبالأخص تراثنا الفكري والثقافي، لنتعرّف على المساهمات الحقيقية في معالجة مشكلاتنا، فقد تعددت الاجتهادات لنهضة مصر وتحديثها، أو تنويرها منذ وقت يحسب الآن بالقرون، وخاصة في مجال الثقافة والتعليم، حيث نعاني من أوضاعهما البائسة، رغم تراثنا في تناولها، وقدم عميد الأدب العربى رؤية إصلاحية بدت «ثورية» فى نظر كثيرين لأهمبتها في تقدم أمور حياتنا، «مستقبل الثقافة في مصر»، هو عنوان عمل رئيسى له، أعده عام 1938 وسوف نندهش عندما نعرف أن الكتاب بدأت فكرته عندما قدمه كتقرير خاص طلبه منه مجلس الوزراء المصري للاستفادة من خبرة طه حسين الأوروبية، وأصبح التقرير كتابًا من 550 صفحة ونشرته مطبعة المعارف ومكتبتها بمصر، واعتبر مجلس الوزراء الكتاب جهدًا مشكورًا.

 

وأردف: تتحدد رؤية طه حسين -فيما يخصنا هنا- في رؤيته لوضع التعليم، وربطه بالوضع الاجتماعي والثقافي في البلاد، بينما هو يتحدث عن المستقبل، وكان هناك أيضاً جهد فكرى قدمه محمود أمين العالم وعبد العظيم أنيس، قى كتابهما المشترك تحت عنوان «في الثقافة المصرية» عام 1955 (بيروت – القاهرة)، تعرضا فيه لنقد التراث الثقافي الوطني وانتقدا أيضاً جهد طه حسين نفسه، رغم أنهما حرصا على تقديره مع نقده، لأن رؤاه لا يمكن تجاهلها، وللمفارقة، فى دردشة مع أستاذنا ومفكرنا الراحل محمود أمين العالم، قال لى مثلما راجع طه حسين بعض أفكاره فإن كتابى مع عبدالعظيم أنيس يحتاج لبعض المراجعة، خاصةً بعد بروز دور الإخوان.

وأكمل: فى كتابه عالج طه حسين بعض أبعاد رؤية التراث في الثقافة والتعليم والمحافظة عليها، فرأى ضرورة إشراف الدولة على شؤون التعليم كلها، لقدرتها على مراقبة وضع المناهج والبرامج التعليمية، حيث أن القلة التي تعلمت خضعت لألوان مختلفة من التعليم يجب تجاوزها، فالتعليم الأجنبي تحميه الامتيازات الأجنبية، والأزهر مثلا تبدو الدولة مشرفة عليه، بينما هو مستقل استقلالًا تاماً، وهو يصيغ أفكار الطلاب صياغة خاصة مختلفة عن الصيغة التي ينتجها التعليم المدني، ولابد أن تتابع الدولة إشرافها على تعليم اللغة الوطنية لأهميتها في تكوين الشخصية الوطنية، وكونها وسيلة التعامل في إطار وطن واحد، ولابد أن تلتزم المدارس الأجنبية بتدريس التاريخ الوطني المصري والعلوم الدينية.

وأضاف حامد: يجب عدم قصر التعليم العام على طبقة دون أخرى لضمان تحقيق العدل والمساواة، فالتعليم الصالح جزء من الدفاع الوطني المتين "ما نسميه اليوم الأمن القومى"، ويحذر طه حسين من مخاطر جعل التعليم وسيلة وليس غاية، وهذا إفساد لقيمة التعليم، وتدفع للإعراض عن القراءة الحرة، بعدما كان الأطفال يستمتعون بحصة قراءة حرة وكان يوجد حصة مكتبة وكنا نتسلم كراسة نجد فى أعلاها مساحة لنكتب اسم الكتاب واسم المؤلف والناشر ثم نلخص فى باقى الصفحة الكتاب الذى استعرناه من مكتبة المدرسة، ويرى طه حسين مبكرًا أنه لابد من العناية بالأدوات الثقافية مثل الصحافة والسينما والراديو لفائدة الكثرة التي لا تقرأ.