الإثنين 23 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

العالم

أسلحة الدمار الشامل الاقتصادية.. كيف اكتوى الغرب بنيران العقوبات ضد روسيا؟

الغرب يكتوي بنيران
الغرب يكتوي بنيران العقوبات ضد روسيا
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

شنت الدول الغربية حربا اقتصادية ضد روسيا، منذ إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الاعتراف باستقلال جمهوريتي لوهانسك ودونستيك، عن أوكرانيا قبل أيام قليلة من اندلاع الحرب الأوكرانية في الرابع والعشرين من شهر فبراير الماضي.

وأطلق على العقوبات المفروضة ضد روسيا "أسلحة الدمار الشامل الاقتصادية"، إلا أن رياح العقوبات أتت بما لا تشتهي سفن الغرب، الذي يبدو أنه اكتوى بنيران أراد إضرامها في الكرملين، فامتدت إلى بلدانهم إثر ارتفاع التضخم ومعاناة المواطنين، وانخفاض قيمة العملة وغيره من ارتدادات عكسية، للعقوبات الغربية المفروضة ضد روسيا.

وفي هذا السياق، نشرت صحيفة "ذا هيل" الأمريكية تقريرا حول تلك المعضلة، استهلت بالقول إن "العقوبات الغربية غير المسبوقة بقيادة الولايات المتحدة ضد روسيا، شبهت بأسلحة الدمار الشامل الاقتصادية التي ستدمر الاقتصاد الروسي في نهاية المطاف، ولكن في الواقع، العقوبات بدت وكأنها سيفا ذو حدين - فهي تلحق الأذى بروسيا ولكنها تفرض أيضًا تكاليف على الذين فرضوا هذه العقوبات".

تقرير ذا هيل

وأضافت الصحيفة الأمريكية، في تقريرها المنشور في 2 مايو الجاري، أن الغرب وقع في فخ العقوبات التي تسببت في رفع أسعار السلع والطاقة العالمية، وما تبع ذلك من تنامي معدلات التضخم، وهو ما يعني حدوث مشاكل سياسية في الداخل لأولئك الذين يقفون وراء العقوبات، وعلى الجانب الآخر ارتفعت  الإيرادات التي تجنيها موسكو على الرغم من الانخفاض الكبير في صادراتها.

وتابعت "انظر إلى مفارقة أخرى، على الرغم من عزل روسيا عن الشرايين المالية العالمية، فإن الروبل الروسي تعافى بشكل كبير، في حين انخفض الين الياباني (ثالث أكثر العملات تداولًا في العالم) إلى أدنى مستوى له في 20 عامًا مقابل الدولار الأمريكي، حيث احتل المرتبة هذا العام على أنه أسوأ أداء من بين 41 عملة تم تتبعها - أسوأ من الروبل، كما لو كانت اليابان تدفع ثمنًا لاتباعها قيادة الولايات المتحدة ضد روسيا.

الروبل الروسي

وفي الوقت نفسه، يهدد التضخم الجامح واضطرابات سلسلة التوريد أرباح الشركات الغربية، في حين أن ارتفاع أسعار الفائدة لكبح جماح التضخم يجعل الوضع السيئ للمستهلكين أسوأ، ومع اقتراب حدوث مشاكل اقتصادية كبيرة، أصبح شهر أبريل هو أسوأ شهر بالنسبة لوول ستريت منذ اندلاع الوباء في مارس 2020. انخفض مؤشر S&P 500 بنسبة 8.8 في المائة في أبريل.

وأوضحت الصحيفة أنه في الشهرين الأولين من الحرب في أوكرانيا، من المفارقات أن أولئك الذين فرضوا العقوبات ساعدوا روسيا على مضاعفة إيراداتها تقريبا إلى حوالي 62 مليار يورو من بيع الوقود الأحفوري لهم، وفقا لتقرير صادر عن مركز أبحاث مسجل في فنلندا، وهو مركز البحث عن الطاقة والهواء النظيف، كان أكبر 18 مستوردا، باستثناء الصين، هم من يفرضون العقوبات، حيث شكل الاتحاد الأوروبي وحده 71 في المائة من مشتريات الوقود الروسي في هذه الفترة.

ولفتت إلى أن تركيا وكوريا الجنوبية واليابان لا تزال تعتمد أيضًا على إمدادات الطاقة الروسية، بلغ إجمالي واردات الاتحاد الأوروبي من الغاز والنفط والفحم من روسيا حوالي 44 مليار يورو في فترة الشهرين هذه، مقارنة بنحو 140 مليار يورو لعام 2021 بأكمله، وتقوم روسيا، حتى مع تضرر اقتصادها من العقوبات الغربية، بواجبها للحفاظ على ارتفاع أسعار الطاقة والسلع العالمية، بما في ذلك عن طريق قطع إمدادات الغاز عن بولندا وبلغاريا، ويمكن لموسكو أن ترفع الأسعار أكثر من خلال العقوبات المضادة الأوسع نطاقًا ومع ذلك تتمكن من تخفيف عائداتها من الصادرات.

احتجاجات سريلانكا

ونوهت "ذا هيل" إلى أن الخاسرين الحقيقيين من الصراع بين روسيا وحلف شمال الأطلسي "الناتو" هم البلدان الأفقر، التي تتحمل وطأة التداعيات الاقتصادية من بيرو إلى سريلانكا، حيث أثار ارتفاع أسعار الوقود والمواد الغذائية والأسمدة احتجاجات عنيفة في الشوارع، والتي تصاعدت في بعض الولايات إلى اضطرابات سياسية مستمرة، وتفاقمت مشاكل الديون في العديد من الدول الفقيرة.

وقالت الصحيفة إنه لسوء الحظ، كان هناك القليل من الجدل الأمريكي حول ما إذا كانت العقوبات يمكن أن تضعف روسيا أو ما إذا كانت المساعدة العسكرية السخية لأوكرانيا يمكن أن تعيق الجيش الروسي في صراع طويل الأمد، ولكن ماذا لو، أدى رد الفعل القومي إلى ظهور روسيا إمبريالية جديدة أكثر حزمًا عسكريًا؟، بدلا من روسيا الضعيفة ؟.

وفيما يتعلق بالموقف الميداني فوق الأراضي الأوكرانية، فقد أشارت "ذا هيل" إلى أنه بعد زلاتها الأولية التي أسفرت عن خسائر فادحة في صفوف الروس، تركز روسيا الآن عسكريًا على تعزيز سيطرتها في شرق وجنوب أوكرانيا الغني بالموارد، وأقامت روسيا ممرًا بريًا إلى شبه جزيرة القرم وسيطرت على المناطق التي تمتلك 90 في المائة من موارد الطاقة في أوكرانيا، بما في ذلك كل نفطها البحري وجزء كبير من البنية التحتية لموانئها الحيوية، والموانئ الأوكرانية على بحر آزوف وأربعة أخماس الساحل الأوكراني المطل على البحر الأسود هي الآن مع روسيا، التي فرضت في وقت سابق سيطرتها على مضيق كيرتش الذي يربط بين هذين البحرين.

بحر آزوف

وأكدت الصحيفة أن العقوبات تاريخيًا حققت نجاحا بشكل أفضل ضد الدول الصغيرة والضعيفة مقارنة بالدول الكبيرة أو القوية، لكنهم نادرا ما أحدثوا التغيير في الوقت المناسب، فقد تستغرق العقوبات الغربية الحالية سنوات لتلحق ضررا خطيرا بالاقتصاد الروسي، والمفارقة هي أنه على الرغم من استخدام جميع الأدوات الاقتصادية القسرية المحتملة ضد روسيا وجعل من الصعب التفاوض على إنهاء الحرب، فإن بايدن لا يعتقد أن العقوبات وحدها ستنجح، وهو ما يفسر سبب تحوله بشكل متزايد إلى توريد الأسلحة، بما في ذلك مطالبة الكونجرس بمبلغ مذهل قدره 33 مليار دولار من الأموال العسكرية والاقتصادية الإضافية لتأجيج الصراع وإحباط أهداف الحرب الروسية.

يؤيد اعتقاد بايدن أن "هذه الحرب يمكن أن تستمر لفترة طويلة" رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال مارك ميلي، الذي شهد بأنه يتوقع استمرارها لسنوات، ولكن مع استمرار الصراع وتعميق الآثار المرتدة للعقوبات من أزمة تكلفة المعيشة، ستتسع الانقسامات في المعسكر الغربي وسيبدأ "إرهاق أوكرانيا"، ولن يكون أمام الغرب خيار سوى التفاوض مع بوتين لإنهاء الصراع، كما تنبأ خافيير سولانا، رئيس الناتو السابق الذي شغل أيضًا منصب وزير خارجية إسبانيا، وستكون مثل هذه المفاوضات حيوية لوقف تدمير أوكرانيا وتجنب أوروبا من دفع الثمن الرئيسي.