تتلمذ الناقد الراحل الدكتور أحمد سخسوخ، عميد المعهد العالي للفنون المسرحية الأسبق، وأستاذ النقد والدراما بأكاديمية الفنون، على يد الناقد العالمي "مارتن إسان" الملقب بـ"أرسطو مسرح العبث".
تناول "سخسوس" في كتابه "تجارب شكسبيرية في عالمنا المعاصر" الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، في طبعته الثانية بعض التجارب الشكسبيرية التى قدمت على خشبة المسرح المصري، مصحوبة بالمقارنات مع هذه الرؤى الأوروبية حتى تكتمل الدائرة بينهما، كما تحوي هذه الطبعة أيضا على إضافات جديدة وجادة لرجال المسرح في الوطن العربي.
"شكسبير وعاصفته الأخيرة"
طوى شكسبير أوراقه بمسرحيته "العاصفة"، متجها بعدها من لندن إلى سترانفورد، بعد رحلة شاشة، اخترق خلالها حواجز العقل إلى منطقة اللاوعي، فقد ظل شعاع شكسبير المسرحي يشع على خشبات مسارح العالم المختلفة وبكل لغات الأرض بعد رحيله حتى وقتنا هذا، قدمت هذه المسرحية لأول في نوفمبر 1611، وتتكون من خمسة فصول مقسمة على تسعة مشاهد وأربع أغاني.
يرى "سخسوخ" أن كثيرا من النقاد ينظرون للمسرحية على أنها كوميدية، كما يطلق عليها الكوميديا المرة أو التراجي كوميدي، فهي مسرحية ينطبق عليها تنظير النقاد للكوميديا، إلا أنها تعالج واقع الحياة المأسوي؛ والحقيقة أن "العاصفة" تتميزة بميزة درامية خاصة، فبجانب موضوعها التراجيدي ونهايتها التي لا تتفق مع تنظير التراجيديا، نجد أن التاريخ يعود لنقطة الانطلاق من جديد ففي النهاية يسترد "بروسبير" أحد أشخاص مسرحيته عرشه الذي فقده، ويدعو الذين أفقدوه العرش من قبل للاحتقال معه، ويسترد كل فرد مكانته الأولى التي فقدها وحريته التي سلبت منه، وهنا قد غير "شكسبير" خططه الدرامية السابقة، فإن المشهد الافتتاحي لديه يختلف من مسرحية لأخرى، أحيانا يفتتح أعماله بمشهد يسيطر عليه جو الساحرات والخرافة كما في "ماكبث"، وأحيانا يستخدم البرولوج كمشهد افتتاحي كما في "ترويلوس وكريسيدا"، وأخرى يدخل في الموضوع مباشرة كما في "الملك لير"، "ريتشارد الثالث"، ولكنه في "العاصفة" سيبدأ من حيث يجب أن ينتهي، وكذلك ينهي مسرحيته من حيث يجب أن تكون النهاية.
ويوضح المؤلف أن شكسبير بدأ مسرحيته بمشهد عاصف حتى انتهي منها بزوال العاصفة، وكما يقول "يان كوت": إن مسرحيات شكسبير لا تبنى على حبكة مزدوجة أو مثلثة أو مربعة تكرر الموضوع الأساسي ذاته، إنها نظام من المرايا مقعرة ومحدبة تعكس وتكبر وتشوه المقف نفسه، وتعود التيمة نفسها في مقامات مختلفة في كل ما يدون شكسبير من موسيقى، فتتكرر غنائي وجروتسكيا وآلما عاطفيا وسخرية الموقف الواحد على المسرح الشكسبيري يقدمه الملوك، ويعيده العشاق، وكذلك يحاكيه القردة المهرجون.
لقد ترجم هذا النص إلى اللغة الألمانية، وقدم بعد ذلك على خشبة المسرح، ولكن لم ينجح مخرجها في عدم قدرته على العطاء وتوظيف طاقته وحركة تنفسه طوال العرض حتى يحتفظ بهذه الطاقة إلى اللحظة الأخيرة أو لحظة إنزال الستار كما يقول جان لوي باور.
"سيمفونية لير"
قدم هذا العمل في مصر بأكثر من معالجة جديدة لها، الذي ترجمها وقدم لها الدكتور محمد عناني، وأخرجها انتصار عبدالفتاح على خشبة مسرح الغد، مشاركا بها في مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي كنموذج لمعالجات "لير" في مصر، واعتمد المخرج عصر النهضة في نظرته على آداب وفنون ما قبل المسيحية متمثلة في الفنون والآداب اليونانية القديمة، محاولا تحقيق هذه الواقعية التاريخية بكل تفاصيلها معتمدا على أن الكاتب ينتمي لهذا العصر، مع أن شكسبير نفسه كثيرا ما كان يخلط بين العصور نفسها، مؤكدا على تفاصيل عصر النهضة بكل جزئياتها وجمالياتها في محاولة لزرع السرحية في عصر النهضة الذي ينتمي إليه المؤلف؛ وقدمها المخرج النمساوي هانز جراتسر على خشبة مسرح شاوشبيل هاوس بفيينا، جمع فيها أساليب متناقضه في الأداء المسرحي ورؤيته العبثية مفرغا عالم لير من جهامته وعدميته وكان العرض ثريا وجديدا، كما أخرجت ريبورا دارنر هذه المسرحية بفرقة المسرح القومي البريطاني، وكذلك المخرج محمد عبد الهادي في قاعة صلاح عبد الصبور بمسرح الطليعة، وركز خلالها المخرج على الجانب الكوميدي في تفسيره للعرض.