من منا لا يتذكر إعلان الشركة العقارية الشهيرة التي بالغت في الدعاية عن طريق ممثل مصري شهير ومطربة لبنانية للإعلان عن «كومباوند سكني فاخر» في مدينة العلمين الجديدة، ووعدوا المشاهدين بالعيش في مستوى وحياة راقية غير مسبوقة إلا أنه على أرض الواقع كشفت صور واقعية من أرض المشروع أن الكومباوند الشهير عبارة عن بوابة فقط على أرض فضاء واسعة لا ترى فيها سوى الرمال ومياه البحر دون أية إنشاءات.. ولعل هذا الإعلان كان أحد الأسباب التي دفعت الدولة المصرية للتدخل وإصدار قرار بمنع التسويق لأية مشروعات عقارية قبل تنفيذ نسبة 30 % على الأقل.
وفيات بسبب أنواع مكرونة
حينها طالب الرئيس عبد الفتاح السيسي بعدم الإعلان عن تسويق أي مشروعات عقارية إلا بعد الانتهاء من بناء ٣٠٪ من المشروع، لضمان حقوق الحاجزين وجدية المطورين، مشددا على أنه لوحظ أن البعض يقوم ببيع وحدات سكنية في الوقت الذى لم يتم فيه البدء ببناء هذه الوحدات، مشيرًا إلى أن دور الدولة هو دور تنظيمي للحفاظ على أموال المواطنين وتوفير مناخ استثماري آمن. ولعل القرار وضع حد لعصور من النصب على المواطنين عن طريق بيع العقارات على الورق فقط دون تنفيذها، في الأزمة التي عرفت بـ «مبيعات الماكيت»، إلا أن النصب والإعلانات المضللة وجدت طريقًا آخر ألا وهي إعلانات المواد الغذائية المختلفة، وهو الأمر الذي كشفت عنه هيئة سلامة الغذاء.
مسلسل الإعلانات المضللة
قالت الهيئة القومية لسلامة الغذاء على لسان رئيسها الدكتور حسين منصور، إن العديد من الإعلانات التي تتصدر الشاشات ووسائل الإعلام المختلفة تعد "إعلانات مضللة"، مشيرا إلى أن الجانب الأكبر من هذه الإعلانات تركزت على الزيوت النباتية، وأنواع من المواد الغذائية وأبرزها "الشعرية سريعة التحضير".
وقال رئيس هيئة سلامة الغذاء عن هناك العديد من الإدعاءات الكاذبة والمضللة في إعلانات الزيوت النباتية، وتتضمن بعض إعلانات الزيوت النباتية عدم احتواء منتجاتها على كوليسترول، مشددا على أن هذه الإعلانات تخدع المستهلك، مشيرا على أن الهيئة وضعت مجموعة من القواعد الفنية للضوابط الغذائية، داعيا الأمهات للبعد عن المنتجات المصنعة والاعتماد على المأكولات الطبيعية والمحضرة في المنازل ومراجعة نسب المواد الصناعية الموضوعة في منتجات الأطفال".
قانون جديد ورقابة مشددة
وأضاف «منصور» في تصريحات تليفزيونية سابقة: "انتهينا من إعداد قانون جديد يتعلق بسلامة الغذاء وأرسلناه لوزارة العدل ولدينا معايير خاصة وقواعد فنية لقياس نسبة الملوثات وأناشد الأمهات بتغذية أطفالهم منزليًا والابتعاد عن المأكولات الجاهزة".
وتابع: "نتتبع مصادر بيع زيوت الطعام المستعملة لمواجهتها وأناشد المطاعم باستخدام المنتجات معلومة المصدر خاصة أنه يتم تصدير بعض الزيوت تحت مسمى غير صالحة للاستخدام الآدمي"، وأوضح أن الهيئة مسئولة عن الغذاء قبل الحصاد، وأنه يجب أن يكون هناك رقابة على الحاصلات الزراعية وتسجيل المبيدات التي تستخدم مع مختلف المحاصيل الزراعية.
"الأندومي" ضد القانون
كما كشف رئيس هيئة سلامة الغذاء أن إعلان الشعرية سريعة التحضير "الاندومي"، ضد القانون، حيث إن الشركة المنتجة لها لم تحصل على موافقة الهيئة حال قيامه بالإعلان عن منتجاتها، ويجب أن يتم وقف إعلاناتها، لأنه أمر يعد ادعاء مضللا، وهو ضد القانون.
وقال إن الذي ينظم الجودة، هي العلاقة المباشرة بين المنتج والمستهلك، وأن سياسة السحب والاسترجاع يجب أن تعمم هذه الثقافة في مصر، وأن سلامة الغذاء تعد من أهم مسئوليات الدولة.
شبهات تسمم
وبعد أيام من تصريحات رئيس هيئة سلامة الغذاء، أقدمت الجهات المعنية على سحب منتجات الشعرية جاهزة التحضير "إندومي" من الأسواق على خلفية تداول منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي، لعدد من أولياء أمور تحدثوا بشأن تعرض أطفالهم لوعكة صحية شديدة وآلام بالبطن، عقِب تناولهم "إندومي"، واشتكى عدد من المواطنين من أكياس التوابل، خاصة الشطة.
وقررت هيئة سلامة الغذاء، سحب عينات من منتجات إندومي من الأسواق، وذلك بعد انتشار حالات التسمم التي يسببها للأطفال، حيث أكدت الهيئة أنه تم إرسال عينات للمعامل المركزية، للتأكد من سلامتها، بعد اتهام الشركة بإصابة العديد من الأطفال بالتسمم بسبب الإندومي خلال الفترة الماضية.
وأكدت الهيئة أنها تُجري عملية سحب جميع منتجات إندومي من تجار التجزئة والبقالين، بسبب وجود مشكلات في أكياس التوابل، خاصة طعم الشطة، موضحة أنها سوف تحلل عينات من إندومي، لمعرفة السبب الحقيقي وراء حالات التسمم. وأكد حسين منصور، رئيس هيئة سلامة الغذاء، أن الهيئة تعمل بشكل دوري على سحب عينات من المنتجات الموجودة في الأسواق، للتأكد من سلامتها، وعدم وجود أي أضرار بها، حرصا على سلامة المواطنين.
وأضاف، أنه وفقا للقانون ينبغي محاسبة منتجات إندومي لأنها تبث إعلانات دون الحصول على موافقة، مؤكدا ضرورة مراجعة موقف منتجات إندومي مرة أخرى وتسجيلها كأغذية خاصة لأنها تتضمن ادعاءات بقدرة المنتج على رفع المناعة، مشيرا إلى أن ما يقوله أصحاب المنتج قد يكون صحيحا، وقد يكون غير صحيح.
الشركة تعلق
ثم جاء رد الشركة التي قالت في تصريحات صحفية على لسان صلاح جلال، مسئول المبيعات بشركة إندومي، الذي قال إن الشركة قررت سحب المنتجات من الأسواق؛ من أجل تغيير شكل الكرتونة الخارجي، خاصةً أن هيئة سلامة الغذاء التابعة لرئاسة الجمهورية سحبت عينات من الشركة للتأكد من مطابقتها للشروط الصحية للمنتجات الغذائية.
وقال «جلال» أن هيئة سلامة الغذاء طالبت الشركة بإزالة عبوة الشطة داخل أكياس الإندومي، لأن الطبقة الأكبر من المستخدمين للمنتج من الأطفال، وعلى الفور استجابت الشركة لطلب هيئة سلامة الغذاء، وقامت بسحب المنتج من الأسواق لتغيير أكياس الشطة الموجودة به، موضحا أن عمليات البيع خلال الفترة الحالية تعمل بشكل عادي، والشركة تعمل حاليا على استبدال العبوات القديمة بعبوات جديدة لا تحتوي على أكياس الشطة.
"شكولاتة الخشخاش"
ولم تكن واقعة الاندومي وحيدة، بل سبقتها بأيام حالة من الجدل حول “شكولاتة الخشخاش"، بعدما كتب الدكتور جابر نصار، رئيس جامعة القاهرة السابق، وأستاذ القانون، عبر صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي ”فيسبوك“ أنه ”منذ مدة ليست بالقصيرة شكا له الكثيرون، ومنهم من يشغل مناصب ووظائف مهمة، يستدعي بعضها طلب الجهات التي ينتمون إليها تحليل تعاطي المخدرات فجأة“.
وقال: ” اتضح من نتائج التحليل أن نتيجة عيناتهم إيجابية لمخدر الخشخاش ومشتقاته، الأمر الذي يعرضهم لعقوبات قاسية تصل إلى الفصل من الوظيفة، على الرغم من أنهم لا يدخنون حتى السجائر".
من جهتها أصدرت وزارة الداخلية بياناً قالت فيه إنه ”تم سحب عينات من منتج الشكولاتة المشار إليها والمتداولة بالأسواق، وتم تحليلها في معامل مصلحة الطب الشرعي"، وأضاف البيان: ”وأفاد التقرير بخلوها من أية مواد مخدرة ومطابقتها للمواصفات العالمية“.
خبراء: الدعاية لمنتجات دون ترخيص «جريمة فى حق المواطن»
قال، الدكتور سامي عبد العزيز، أستاذ العلاقات العامة والإعلان، وعميد كلية الإعلام جامعة القاهرة سابقًا، إن ما يحدث في الإعلانات هذه الأيام يعد جريمة في حق المواطن، فالكثير من الإعلانات تعد ليست كاذبة ومضللة فقط بل جرائم متكررة على الشاشات.
وأضاف «عبد العزيز» أن في أي بلد في العالم تحكم الإعلانات وبخاصة عن المنتجات الغذائية بضوابط وقواعد صارمة لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يتخطاها أحد، ففي الولايات المتحدة الأمريكية يستحيل أن يتم الإعلان عن منتج في أي نوع من وسائل الإعلام دون تصريح موثق من هيئة الغذاء والدواء، وكذلك الحال في دول العالم هناك هيئة معنية بالأغذية أو الأدوية في معظم دول العالم.
وتابع: "إحدي الشركات المنتجة لمأكولات البطاطس "الشيبسي" خسرت قضية رفعها مواطن لأن الشركة لم تكتب على العبوات نسبة الهدرجة، لأن القانون يشترط بجانب كتابة المكونات والعناصر الأساسية في التصنيع، أن تكتب المواد المستخدمة فى التصنيع والعناصر الغذائية وأن تكون حاصلة على موافقة من الجهات المعنية، وهو ما ليس موجود لدينا في مصر. وأكمل حديثه قائلا: "في الحالة السابقة الشركة دفعت تعويضا ضخما لمواطن لأنها لم تكتب على العبوة نسبة الهدرجة على عبوة البطاطس الموجودة في الأسواق، ومن هنا يجب على المواطن أن يكون لديه من الوعي ما يكفيه لمعرفة السلع السليمة من المعيبة، والتصرف السليم". وأوضح: "ومن هنا نقول إن طرح منتج في الأسواق، وبخاصة لو منتج غذائي "الشعرية سريعة التحضير" دون الحصول على التراخيص والموافقات من الجهات المعنية يعد فسادا رسميا، ويجب وقفه فورا.
الرقابة ومراجعة صلاحية المنتجات
وأشاد عميد الإعلام الأسبق بدور هيئة الرقابة الإدارية التي أطلقت حملة عن الفساد وكان بينها حملة لمراجعة كتابة وتطبيق مدة الصلاحية على المنتجات، والتي وجدت منتجات في الأسواق موجودة ولم يتبق على صلاحيتها سوى يوم واحد، وهو أيضا مخالف ويجب سحب هذه المنتجات قبلها بفترة كافية".
وتابع: "ومن الكوارث أيضا ظهور أطباء أو بالأحرى أشخاص "لا نعلم هم أطباء أم لا" على الشاشات ويتحدثون عن أنواع معينة من الأدوية، مقابل مبالغ مالية تدفع للقنوات، إلا أنه وفقا للقانون فإنه لا يسمح بظهور طبيب أو متخصص بالظهور على الشاشات ووصف علاج للمواطنين دون الحصول على تصريح من نقابة الأطباء، ولذلك يجب تفعيل القانون على الجميع".
وشدد "عبد العزيز" على أن في الخارج لا يمكن أن تصرف صنف دواء دون روشتة مكتوبة من طبيب، ومن هنا نقول إن القانون ثم القانون، وتفعيل القانون كفيل بالقضاء على كل هذه الظواهر السلبية والمجتمع، والإعلان عن المخالفات يجعل من هذه الشركات عبرة لغيرها حتى لا تقدم على هذا العمل مرة أخرى، ويكون القانون سيفا على الجميع".
مصادرة فورية
والتقطت منه طرف الحديث الدكتورة ليندا جاد الحق، استشاري التغذية العلاجية والسمنة، التي حذرت من خطورة الشاشات المضللة التي أصبحت تشترى ويباع فيها أية منتجات حتى ولو مضرة بصحة المواطنين، بل وتشكل خطورة حتمية على الصحة، ويروج لها متخصصون أو بعض الأطباء ولكن دون رقابة كافية من الجهات المختصة".
ودعت «جاد الحق» إلى ضرورة أن تتحرك وزارة الصحة أيضا لوقف هذه السموم التي تروج للمواطنين، فمعنى أن يظهر إعلان دون الحصول على الموافقات اللازمة، يعني أن هناك خللا وتخطي للجهات المعنية، ومخالفة القانون.
وقالت إن ظهور قنوات التلفاز العاملة بنظام شراء البث أو كما هم متعارف عليه "تايم شير" كان نذير شؤم، فراحت العديد من الشركات تستطيع أن تتحكم في هذه القنوات عن طريق إما الإعلانات والدعاية، أو شراء برامج بالكامل للحديث عن منتجاتها وهي غالبا ما تكون منتجات أو أدوية لها علاقة بالمكملات الغذائية التي أصبحت بزنس عالمي لا يستطيع أحد السيطرة عليه في الآونة الأخيرة نظرا لمليارات الدولارات التي تنفق في هذه المجال".
كما طالبت بمصادرة أية منتجات غير مطابقة للمواصفات القياسية على الفور لأن ذلك يحد بشدة من انتشار هذه المنتجات، جنبا إلى جنب مع زيادة وعي المواطن حول أضرار هذه المنتجات وتعريفه لآخر المستجدات".
تشريعات حتمية
فيما يرى الدكتور أيمن البدراوى، خبير علاج السمنة والأستاذ بكلية الطب جامعة القاهرة، أن ما دفع الشركات للتوسع في هذه الأفعال هو أنها لم تجد العقاب المناسب، فلا يمكن أن نجد منتجات مخالفة للقانون في الأسواق إذا وجد العقاب اللازم، لذا يجب أن تعمل مصر على تشريع جدي يحكم السيطرة على سوق الأغذية، وكذلك إحكام الظهور على الشاشات والترويج لمنتجات دون موافقات رسمية. وأضاف «البدراوي» نحن في أمس الحاجة لهذا القانون الذي يضع حدا لهذه المهزلة التي تتكرر على القنوات الفضائية كل يوم، فبجانب الأغذية والإعلانات اليومية التي نراها من إعلانات المنتجات مختلفة، نجد أن الشاشات فتحت ذراعيها للنصابين أيضا وهو ما يسيء لمهنة الطب، وأصبح هناك أشخاص يتحدثون عن مكملات غذائية، ويتدخلون في تخصصات الطب والصيدلة المختلفة دون أية مؤهلات لذلك. ودعا الأطباء والمهنيون إلى التوقف عن الظهور على هذه القنوات حتى لو لفترة وجيزة لحين تصحيح المسار، ووقف هذه الكارثة والمهزلة، فالقنوات تقدم الكثير من الإغراءات للأطباء من أجل الظهور على الشاشات إلا أنني وكثير من الأطباء نرفض هذه البرامج.
مطالبات برلمانية
وتحت قبة البرلمان ظهرت المطالبات بوقف الإعلانات المضللة، وهنا طالب النائب أيمن أبو العلا، بضرورة تفعيل القانون رقم ٢٠٦ لسنة ٢٠١٧ لتنظيم الإعلان عن الخدمات الطبية، مشيرا على أن خلال السنوات الماضية لم يكن الطبيب يستطيع وضع يافطة على العيادة دون موافقة النقابة، أما الآن فالوضع أصبح صعباً. وأضاف «أبو العلا» أن قانون ٢٠١٧ ينظم الإعلان عن الخدمات الطبية والإعلانات، موضحا أن القانون صدر واعتمده الرئيس عبد الفتاح السيسي، لكن اللائحة التنفيذية لم تصدر حتى الآن، رغم أن القانون يعاقب بالسجن أي شخص أو جهة حال بيع أي منتجات بدون ترخيص، كما يكافح كل أشكال الإعلانات الطبية المضللة، التي تعد جريمة.