حياة الإنسان تستحق اهتمامًا أكبر، فحياة الإنسان تستحق يقظة وانتباه جميع الأجهزة والهيئات المعنية، وتستحق أن يكون هناك من يراقب الدواء، ويجهزه للاستعمال، ويجب أن يكون هناك رقابة سابقة ولاحقة كما هو معمول بكل دول العالم بمعنى أن تكون الرقابة السابقة موجودة وحازمة فيما يخص المادة الخام الخاصة بصناعة الدواء، وسحب عينات من التشغيلات الدوائية قبل طرحها للمرضى عن طريق شركات التوزيع والمخازن، ثم تأتى الرقابة اللاحقة لتراقب الدواء بعد طرحه وتقوم بحسب عينات عشوائية، للتأكد من فاعليته ومطابقته للمواصفات والتأثير الدوائى على المريض بعد استخدام العلاج. ولكن الواقع مغاير وخير دليل، وجود مؤخرًا مئات المنشورات لسحب الأدوية المغشوشة من السوق الدوائية المصرية، آخرها 8 منشورات من هيئة الدواء تطالب فيها بالسحب الفورى لأصناف دواء تمثل خطورة على المريض وتهدد حياته، كان آخرها منشور شركة المهن الطبية التى طالبت فيه بسحب عبوات «يونيكتام»، المغشوشة والمتواجدة فى الصيدليات، «البوابة نيوز» تفتح ملف الأدوية المغشوشة فى مصر، تبحث ما أسباب ضعف الرقابة الدوائية فى مصر.
يقول الحقوقى، محمود فؤاد المدير التنفيذى للحق فى الدواء، ملف الأدوية المضروبة والمغشوشة يمثل تهديدا لصناعة الدواء فى مصر حيث تقارب الأصناف من ١٠ آلاف صنف مغشوشة، وفى هذه الوقائع يكون المريض المصرى أمام أفراد يستغلون عدم وجود تفتيش صيدلى، حيث انتشرت فى الآونة الأخيرة تشغيلات خاطئة من حقنة «يونيكتام» التى تسببت فى وفاة ٣ أطفال فى محافظات مختلفة منهم الطفل مروان، وحالتان فى بلبيس بالشرقية وإيتاى البارود بالبحيرة، وأعلنت الشركة المنتجة لها أنها مغشوشة، طالبت بسحبها احترازيا من الصيدليات.
ويضيف «فؤاد» أن الشركة الأصلية أبلغت هيئة الدواء من شهر فبرابر الماضى أن هناك تقليدا لها حيث أنها لاحظت بيع نفس العبوة «يونيكتام» بـسعر ٨ جنيهات ونصف الجنيه، بدلًا من ٢٤ جنيها، وطالبت هيئة الدواء بصفتها الرسمية المتابعة وظل الموضوع حبيس الأدراج لمدة عام كامل لأن هيئة الدواء تعانى من مشكلة قلة عدد مفتشى الصيدلة، وتم الاستغناء عن أكثر من ١٦٠٠ مفتش صيدلى تابعين لوزارة الصحة، وبالتالى أصبحت المحافظات خالية من التفتيش الصيدلى، وهنا بدأ الصنف يتنشر بمختلف محافظات الجمهورية بدليل حدوث إصابات فى المحافظات.
ويواصل «فؤاد» بتتبع الصنف المغشوش تم اكتشاف أن هناك مجموعة أشخاص يملكون مصنعا كبيرا ويملكون مخازن فى محافظات تعمل لإنتاج أصناف دوائية مغشوشة لمدة عام فى القطرات و«مضادات حيوية» و«يونيكتام» ووجد فيلا بالعبور معبأة بآلاف الأصناف وشقة بالشروق و٤ مخازن بالشرقية والبحيرة والغربية، ما يعكس غياب التفتيش الصيدلى علاوة عن تواجد ٨ منشورات من الهيئة تشير لوجود أصناف مغشوشة، وهنا يظهر لنا أن الرقابة تأتى بعد بيع الأدوية وتهديد حياة المرضى بخلاف العالم كله الذى يتبع الرقابة السابقة واللاحقة معا.
منشورات لسحب الأدوية
ونجح مفتشو هيئة الدواء المصرية بالقليوبية والإدارة المركزية للعمليات من ضبط بؤرة غش تصنيع مستحضرات مضادات حيوية (يونيكتام حقن)، وكانت البداية معلومات عن قيام بعض الأفراد بتعبئة الحقن بمادة مجهولة بطريقة بدائية فى أحد الأماكن السكنية والتى تعمل متخفية فى أوقات متأخرة من الليل، كما أصدرت هيئة الدواء بيانا رسميًا طالبت بسحب الدواء، وقررت ضبط وتحريز العبوات المقلدة والمغشوشة من حقن يونيكتام ١٥٠٠ من السوق بسبب خطورتها على الصحة، وأوضحت هيئة الدواء المصرية الفرق بين المنتج الأصلى والمنتج المغشوش.
وفى أغسطس ٢٠٢١ أصدرت هيئة الدواء قرار رقم ٢١ لسنة ٢٠٢١ بوقف تداول وسحب ٣٦ مستحضرا دوائيا، مصنعة من جانب مصانع دلتا جراند فارما ومصنع بيوميد للأدوية، علاوة عن ذلك فى أبريل ٢٠٢٢ رصدت هيئة الدواء المصرية بدء تداول عبوات مغشوشة لأحد المضادات الحيوية، هو «UNICTAM ١٥٠٠ VIALS»، وفور الرصد أصدرت الهيئة منشور «غش تجارى» يقضى بضبط وتحريز ما يوجد بالسوق المحلية، والوحدات الحكومية من الصنف المذكور.
دكاكين بير السلم
بدوره يقول الدكتور محيى حافظ، خبير صناعة الدواء: الوقائع التى نحن بصددها عبارة عن دكاكين بير السلم أو مصانع «بير السلم » وهى عبارة عن ورش تستخدم الماكينات القديمة لتصنيع الأدوية ويبدأون فى تقليد الأدوية سواء أقراص أو كبسولات أو أمبولات ويحسنون للأسف الطباعة باستخدام مواد التعبئة والتغليف، ثم تباع عبر مخازن الأدوية عبر الصيدليات لتصل إلى المريض المصرى الذى يتعرض للمضاعفات مثل واقعة اليونيكتام وهناك وقائع كثيرة مشابهة.
ويضيف غش الدواء يمثل ظاهرة عالمية ومحلية ويصل حجم الدواء المغشوش والمزيف والمدلس إلى ١٠٪ من حجم الإنتاج الدوائى وتنتشر فى كبرى دول العالم على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، خاصة أن كل صنف دوائى ثمنه غالى وذو كفاءة وفعالية كبيرة ويوجد طلب عليه فى السوق المحلية نتيجة قلة طرحه من الشركات المنتجة، الأمر الذى دفع بالغش الدوائى عبر ضرب المنتج من خلال الماكينات والطباعة والتغليف.
ويواصل «حافظ» هذه الظاهرة بها جزء مستورد عن طريق عشرات الضبطيات التى تحرز فى المطارات أو يمنع دخولها بحيازة المهربين على الحدود مثل الترامادول أو غيره من الأصناف، ولكن الأرقام لا يمكن ضبطها بدقة، ثم ينتقل الدواء المغشوش إلى الموزع الذى بدوره ينقلها إلى الصيدليات وصولًا للمريض، وهنا لا بد من التركيز على الحلقتين «الموزع والمخازن»، ويأتى دور الجهات الأمنية خاصة أن المفتش الصيدلى يملك الضبطية القضائية على الصيدلية ولكن لا يمكن الدخول فى الورش أو المخازن غير المرخصة، وهنا يأتى دور الجهات الأمنية لدخول مثل هذه غير المرخصة للسيطرة عليها.
ويتابع هناك مجموعة من المخازن بير السلم غير المرخصة تبيع الأدوية المغشوشة للصيدليات بهامش ربح أعلى أو حرق الدواء أو عن طريق استغلال نقص الأصناف وعطش السوق لها، لكن عمليات البيع تتم بدون فواتير بيع رسمية، علمًا بأن الفاتورة تحتوى على ثلاثة أشياء وهى تاريخ الانتاج والانتهاء ورقم التشغيلة، وهنا شراء الصيدلى الأدوية بدون فاتورة يمثل مشكلة كبيرة لاحتمالها «الغش أو التهريب أو التدليس»، ويخدعون المرضى بخدعة الدواء المستورد مع العلم أن كل الأدوية المستوردة مسجلة فى وزارة الصحة وبالتالى ضرورة إحكام القبضة على مسألة تداول الدواء بخصومات عالية وبدون فواتير قد يحمى المرضى من الغش الدوائى.
ويضيف لإنهاء هذه الظاهرة نحتاج تغليظ العقوبة وطالبنا به مرارًا ويجرى الآن مشروع قانون لتعديل قانون مزاولة مهنة الصيدلة رقم ١٢٧ لسنة ١٩٥٥م ويتم تعديل بعض البنود كما نحتاج لزيادة عدد المفتشين كما يوجد جزء آخر متعلق بعيوب الصناعة ويتم الإبلاغ من الشركة نفسها لسحب الدواء لأى خطأ صناعى ويتم سحب الأصناف ذات العيوب الصناعية.
نهاية الرقابة السابقة على الدواء
من جانبه، يوضح الدكتور حسن خليل، منسق لجنة الحق فى الصحة، أنه قبل ٢٠٠٨ كانت هناك رقابة سابقة على التصنيع الدوائى، حيث كانت تملك أول رقابة علمية منضبطة فى الشرق الأوسط التى تمثل هيئة الرقابة والبحوث الدوائية المنوط لها فحص كل تشغيلات الإنتاج قبل بيعها للسوق الدوائية وإجازة أبحاث السلامة قبل التصنيع ثم إجراء أبحاث أخرى على التشغيلات التأكد من مطابقة عينة من كل تشغيلة من الأدوية فى شكلها النهائي ثم الطرح فى الأسواق.
ويضيف لكن بعد هذا التاريخ حدثت إشكاليتان فى غاية الخطورة، حيث أصدر وزير الصحة وقتها الدكتور حاتم الجبلى قرارًا مفاده أن «موافقة هيئة الرقابة والبحوث الدوائية ليست شرطًا لطرح وبيع وتدول الدواء» وقصر دور الجهة الرقابية البحثية على كتابة التقارير فقط وإرسالها ويتم طرح الدواء فى السوق الدوائية، وفى حالة وجود عدم المطابقة تتخذ الإجراءات لسحب الأصناف غير المطابقة ما يمثل مشكلة صحية كبيرة وتعريض حياة المرضى للخطر، لأن هذا النظام يسمح ببيع وتداول أدوية غير متأكد من سلامتها بنسب عالية، هذه الإجراءات المتضاربة تمثل الصراع القائم بين القواعد العلمية المدعومة من سلطة الدولة وشركات القطاع الخاص الذى تبحث تحقيق الأرباح وتتنصل من أى رقابة تذكر.
ويواصل «خليل» أما الإشكالية الثانية فهى القرار الصادر فى ٢٠٢٠ وهو إلغاء هيئة الرقابة والبحوث الدوائية واستبدالها بالمجلس الأعلى للدواء، فبينما كانت هيئة الرقابة والبحوث الدوائية هيئة علمية بحثية الأمر الذى قام مجلس هيئة الدواء بإلغاء ووقف الأبحاث الدوائية معللًا قراره بأن الأبحاث الدوائية من شأن عمل الجامعات بأقسام الصيدلة بعيدًا عن الإنتاج الدوائى، علاوة على قيام المجلس الأعلى للدواء بالدور الرقابى على الدواء فى مصر علمًا بأنها ليست جهة بحثية وقامت بتسليم إدارة الملف الدوائى لشركات الأدوية، ويكون القرار الأخير قد أطاح بما تبقى من جهة رقابية على صناعة الدواء، ومع ضعف الرقابة زادت عدد الأدوية المغشوشة ما يسبب مشكلات للمرضى وهنا نكون أطلقنا يد القطاع الخاص فى الملف الدوائى. ما سبب ضعف الرقابة الدوائية؟
ويواصل فيما يخص قلة عدد مفتشى الصيدلة حيث كانت إدارة الصيدلة تمارس التفتيش فى حدود الصيدليات والمخازن للتأكد من صلاحية الدواء أم انتهائه علاوة عن التسعير أو التحقيق فى بلاغات معينة مع العلم أنه تم تقليص عدد المفتشين للخمس فى حين وجود قرابة ٢٧ ألف صيدلية خاصة فى مصر، علاوة عن عدم وجود قوانين أو آليات رقابية تحكم الحلقة الوسيطة بين «شركات الدواء والصيدليات» خاصة أنه منذ ٢٠ عاما كانت لا توجد الحلقات الوسيطة، وكانت الصيدليات تشترى من المنتج مباشرة. ويضيف «خليل» أن شركات التوزيع تشترى الدواء من الشركات المنتجة وتقوم بتخزينه تمهيدًا لبيعه للصيدليات ولا يوجد قانون فى مصر ينظم مخازن الدواء سواء فنية مثل أصناف معينة تحفظ فى ثلاجات أو تحت درجات حرارة معينة ولكن لا يتم أى من الاعتبارات ما يسبب تلف الأدوية بسبب درجات الحرارة التى تصل إلى ٤٥ درجة مئوية فى المخازن المكشوفة.
جرائم تداول الأدوية بالإنترنت
تمكنت وحدة مكافحة جرائم الإنترنت بالهيئة بالتعاون مع الجهات الرقابية من ضبط عدد من الأشخاص، لإدارتهم صفحات إلكترونية لتداول الأدوية بطريقة غير مشروعة، وبلغت المضبوطات ٦٠٠ عبوة تقريبا، و٤٣٥٠ أمبولا مخدرا، و١٨٠٠ قرص ما بين مخدر ومهرب، وما يزيد على ١٠٠٠عبوة قطرة بدون فواتير، و١٥٠٠ شريط من مستحضر خاص بوزارة الصحة والسكان، بقيمة حوالى ٣ ملايين جنيه.
كما تم ضبط أحد الصيادلة يقوم بالإعلان عن منتجات دوائية، وتركيبات غير مرخصة، علاوة على قيامه بإيهام المواطنين بوصفات علاجية لمستحضرات مجهولة المصدر، وذلك عبر مختلف مواقع التواصل الاجتماعى، وضبط مخزن غير مرخص يديره الصيدلى المذكور، يقوم من خلاله بتصنيع التركيبات الخاصة به، وضبط كميات كبيرة من العبوات الزجاجية الفارغة والمعدة للتعبئة، و٧٥٠ عبوة من المستحضرات غير المسجلة، و٦٠٠ عبوة من المستحضرات المسجلة داخل مخزن غير مرخص، و٥٥٠ عبوة من التركيبات بداخلها سائل مجهول المصدر.
وبدوره يعلق الدكتور حاتم البدوى، سكرتير شعبة الصيدليات باتحاد الغرف التجارية: تابعنا بيان الهيئة الخاص بسحب وتحريز كل جرعات «اليونيكتام ١.٥»، ثم انتشر الكشف عن ضبط مصنع بير السلم ويجب تشديد الرقابة السابقة أثناء التصنيع كما يتم أخذ عينات من التشغيلات للتأكد من مطابقتها للموصفات قبل نقلها للمخازن وشركات التوزيع التى بدورها تنقلها للصيدليات، وهذا هو النظام المعمول به فى كل دول العالم للحفاظ على حياة المريض المصرى.
فيما يقول الدكتور محمد الشيخ نقيب صيادلة القاهرة، بعض الأدوية تحدث بها مشكلات سواء على المرضى أو التشغيلات المتلاحقة، وحدوث مشكلات للمرضى فعلى الفور تصدر المنشورات لسحب هذه التشغيلات مثل الواقعة الأخيرة وتم تتبع المصدر للأدوية المغشوشة، والقبض على المصدر وتم ضبط مصنع بير السلم الذى يحتوى على آلاف العبوات المغشوشة ولديهم مطبعة ومخزن خاص بهم فى القليوبية، وصدر تعميم لكل صيدليات مصر بسحب بكل ما لديها من الحقن وإرجاعها للشركة المنتجة.
ويضيف الجريمة هنا تعريض حياة الناس للخطر ومزاولة مهنة بدون ترخيص وغش الدواء الغش والتدليس والعقوبات ما بين الحبس وغرامات مالية كبيرة، كما نطالب بزيادة تمكين مفتشى هيئة الدواء وضم التفتيش الصيدلى بوزارة الصحة للهيئة وإمدادهم بالأدوات المناسبة لتسهيل عملهم لسرعة تحريز الأدوية المغشوشة.
جهود الضبطيات
يذكر أنه خلال شهر مارس من العام الجارى، أسفرت الحملات عن ضبط أدوية مهربة ومغشوشة وغير مسجلة بالهيئة، وأخرى مدرجة بجداول المخدرات، تتجاوز قيمتها المالية ٢٤ مليون جنيه. وتمكن مفتشو الصيدلة بالهيئة بالتعاون مع ضباط الإدارة العامة لمباحث التموين بالمحافظات، من ضبط كمية من الأدوية المهربة والمقلدة وغير المسجلة بالهيئة، وأخرى مدرجة بجداول المخدرات، وأدوية مؤثرة على الحالة النفسية بفواتير مجهولة البيانات، بعدد من الصيدليات ومخازن الأدوية، بلغت ما يقرب من ٢٥ ألف عبوة، حيث بلغت قيمة المضبوطات نحو ٢١ مليون جنيه.