تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
من ثمرات ومطالب ثورة 25 يناير، التي فجرها الشعب المصري بجميع طوائفه، الوصول إلى الحرية التي يريد أن ينعم بها المصريون، بعد أن حُرموا منها على مدار 3 عقود بحكم ديكتاتوري، لم يرفع عن الشعب حكم قانون الطوارئ ولو يومًا واحدًا طوال 30 عامًا، امتلأت فيها المعتقلات بمعارضي النظام، الذي استخدم أسلوبًا دنيئًا لمواجهة معارضيه، فلفق القضايا لهم وقدمهم لمحاكمات عسكرية، لذلك كان هتاف “,”لفق لفق في القواضي.. أمن الدولة واطي واطي“,”، من أشهر هتافات الثورة.
تمكن الشعب المصري العظيم من إسقاط هذا النظام الغبي، الذي لم يكن يدرك المتغيرات من حوله، وأولها تصاعد تأثير شبكة المعلومات وما صاحبها من ازدياد حالة الوعي لدى الشباب، الذين فجروا ثورة يناير وأجبروا رأس النظام على الرحيل، ولكن لم يتسلم الثوار الحكم ولم يقتربوا منه، وانصرفوا من الميادين والشوارع، فبدأت المجموعات الانتهازية المنظمة في وراثة الثورة واغتيالها، وحدثت مفاوضات سرية وعلنية، وتسابقوا إلى البيت الأبيض لتقديم التنازلات والتعهدات بحماية المصالح الأمريكية، التي أولها أمن إسرائيل، وعرضت كل جماعة أو كيان بضاعته على العم سام، حتى وقع الاختيار على جماعة الإخوان، التي نجحت في الوصول إلى حكم مصر بعد الثورة، وقد شكك الكثير في نزاهة الانتخابات، التي تفوق فيها الإخوان.
استبشر الكثيرون بوصول الإخوان إلى الحكم، وخاصة الفلاحين الفقراء والأميين، وقالوا: “,”الحمد الله يحكمنا الآن ناس بتوع ربنا، وسوف يرحمونا من الفقر“,”، إلا أنه لم تمض شهور قليلة، حتى بدأ الناس في تقييم أداء الإخوان، نتيجة الممارسة التي يشعرون أنها بعيدة عن الشعارات الدينية والمواعظ، فالشعوب لا تأكل ولا تلبس مواعظ، وليس وظيفة الحاكم الموعظة، فالموعظة مكانها الجامع أو الكنيسة، أما الحاكم فعليه أن يوفر للناس لقمة العيش، وأن يحصلوا عليها بكرامة، ولعل ذلك السر في رفع الناس صور الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، خاصة في مدن القناة.
وازداد وضع الناس سوءًا، وتدهورت حالتهم المعيشية، وفقدوا أعمالهم نتيجة تصفية أعداد كبيرة من الورش والمصانع والشركات، فضلا عن افتقاد الأمن وتبخر الوعود التي أطلقها المرشح الرئاسي الدكتور مرسي، ومنها مشروع النهضة ومشروع الـ200 مليار دولار، والاقتراض الربوي والصكوك والغلاء وأزمة الوقود، وارتفاع أسعار جميع المواد الأساسية وفقدان الأمن، وتنمر وزارة الداخلية، وسحل المعارضين وقتلهم في أماكن الاحتجاز، (الجندي وجيكا) وغيرهما، أو اغتيالهم في وقفات الاعتراض كالحسيني أبوضيف، حتى وصل ضحايا النظام في 10 أشهر قرابة الـ100 قتيل في بورسعيد وغيرها، بمعدل 10 قتلى كل شهر، بالإضافة إلى التعدي على الدستور بالإعلان الدستوري الباطل، وتضخيم صلاحيات الرئيس، ليمتلك صلاحيات لم يمتلكها حسني مبارك، ومحاولة هدم مؤسسة القضاء وإدخالها بيت الطاعة وكذلك الإعلام والأوقاف والأزهر ووزارة الشباب والمحليات والمحافظين، والسير بنهم وهمي في أخونة مؤسسات الدولة.
هناك فرق يجب على القارئ أن يعيه تمامًا، وهو أن هناك فرقًا بين أن تأتي بحكومة إخوانية تابعة للحزب الحاكم، فهذه تأتي وترحل مع صندوق الانتخابات، أما أخونة مؤسسات الدولة، التي هي ملك للشعب، فهذا معناه عدم رحيل الإخوان والبقاء في الحكم إلى أقصى مدى يتحمله الشعب، حتى لو استمر حكم الإخوان 100 سنة، ولهذا ينتفض المثقفون ضد هذه الأخونة؛ لأنهم يقرأون مآلات الأفعال، التي تؤكد أن أخونة مؤسسات الدولة مآلها عدم ترك الإخوان للحكم، وتغير هوية الدولة المصرية لتصبح جزءًا من تنظيم الإخوان الدولي، تلغي فيه الهوية الثقافية لدولة يمتد عمقها إلى 7 آلاف سنة، يقتل فيها الإبداع وتقتل فيها الثقافة وتفر منها الرأسمالية الوطنية، وتهرب الخبرات، ومعها المبدعون في كل مناحي الحياة، لتبقى مصر مسخًا ثقافيًا وفكريًا واقتصاديًا، بما يتماشى مع أسلوب التنظيم الدولي.
ومصداقًا لكلامنا، فإن انطلاق حملة “,”تمرد“,” ما هي إلا حملة لشباب واع، وشعب يرفض هذا التحول وهذا المسخ، وسوف تزداد حملات التمرد ضد حكم الإخوان وتتسع وتأخذ أشكالًا متعددة، وسوف يصبح لها مؤيدون، وعليك أن تنظر لشعبية برنامج “,”البرنامج“,”، لترى مدى الغضب والرفض لأخونة الدولة المصرية، وسوف يكثر الرافضون لحكم الإخوان، فماذا سيفعل الإخوان أمام هذا الرفض؟.
الإخوان يعلمون جيدًا أنهم أصبحوا مكروهين جدًا من الشعب، وذهاب السلطة من أيديهم سوف يخلي الجو للشعب أن ينتقم منهم وينكل بهم، فلذا هم يحاربون القضاة للاستحواذ على مؤسسة القضاء والنيابة والنائب العام والشرطة، وهي أدوات القمع التي سوف يلجأ إليها الإخوان للقضاء على المعارضة بتأسيس دولة “,”الفاشية القانونية“,”، يتم فيها تفصيل قوانين لحماية جماعة الإخوان والتنكيل بالمعارضين وكله باسم القانون، فمحاكم التفتيش في العصور الوسطى كان لها قوانين، والكنيسة في أوروبا في عصر الاضطهاد الديني كان لها قانون.
جماعة الإخوان تستعد لسن قوانين فاشية بدأت تظهر بوادرها في قانوني التظاهرات والإعلام وغيرهما، وسوف يتم ردع الشعب ورموز المعارضة باسم هذه القوانين والمؤسسات القانونية الخاضعة للجماعة، وإنني أعتبر أن أي قاض ينضم إلى تنظيم سري، له أهدافه الخفية، التي ربما تتعارض تمامًا مع أهداف الأمن القومي لمصر، حيث خلع ربقة القضاء ووقاره من عنقه.
كما أن الاتهامات توجه إليهم بتهمة تكوين ميليشيات، وأوضحت إحدى الصحف أن الملابس العسكرية موجودة بمخازن تابعة للجماعة وجزء منها كان يتم تهريبه للعناصر المسلحة في قطاع غزة، فمن لم يردعه القانون الفاشي سوف تردعه الميليشيات، هكذا ستعرض الفاشية على الشعب المصري ويتم القبض على الاقتصاد بيد من حديد، فكل من يريد ألا تتعطل مصالحه وينجز أعماله، فعليه الرضوخ للقوى المهيمنة على مقدرات الدولة ومصادر ثروتها، وسوف يلهث الفقراء وراء من بيده الثروة لعلهم ينالون حظًا من الرزق يكون لهم كفافًا.
أما على مستوى النضال الوطني وقضية إسرائيل والقدس، فهذه عناوين لخداع السذج الذين ينخدعون بشعار مثل “,”الإسلام هو الحل“,”، وما أكثر هؤلاء السذج، ولكن الواقع سوف يفرض على الإخوان الانصياع للإرادة الأمريكية بمزيد من التنازلات والانبطاحات، التي لم يفعلها نظام سابق بحكم مصر قبلهم.
وعندما يظهر الرفض الشعبي لكل هذه السياسات، سوف تتحول حكومة الإخوان إلى نظام ديكتاتوري قمعي بوليسي، مثل غيره من الأنظمة البوليسية أو أشد جرمًا.