القصة تعود إلى تنصيب «محمد علي باشا» واليًا على مصر، سنة ١٨٠٥، بعد فترة اضطرابات وصراعات شهدتها مصر بين العثمانيين والإنجليز والمماليك. وفي أول فترة جلوسه على العرش، تخلص محمد علي من المماليك، وكسر محاولات الأتراك والإنجليز الذين حاولوا الإيقاع به، تمهيدًا للبدء في بناء الدولة المصرية الحديثة.
أسس محمد علي أول جيش نظامي مصري، بمساعدة الفرنسيين الذين تبقوا من الحملة الفرنسية، وأقام أول مدرسة حربية تقوم بإعداد الجنود والضباط على الطراز الحديث سنة ١٨٢٠ بمدينة أسوان، وأنشأ الترسانات لتمويل الجيش بأحدث المعدات، كالبنادق والمدافع والبارود، فأصبح الجيش المصري واحدًا من أقوى جيوش العالم في فترة وجيزة.
تأسيس جيش قوي، ساعد «محمد علي باشا» في خوض حرب ضد الوهابيين، وأخرى ضد السودانيين، انتصر فيهما. على الجانب الآخر، كانت بلاد اليونان جزءًا من السلطنة العثمانية، يحكمها الولاة الأتراك الذين ترسلهم حكومة الأستانة، وظلت على هذه الحالة الى أن اندلعت في أنحائها الثورات الأهلية مُنذ سنة ١٨٢١. وأمام ضعف الجيش العثماني، استعان «السلطان محمود الثاني» بالجيش المصري لإعادة فرض السيطرة.
استجاب محمد علي لطلب الباب العالي، فأرسل حملة بقيادة «حسن باشا»، وصلت إلى جزيرة «كريت» في يونيو ١٨٢٢، وأنقذت الحاميات التركية المحصورة في القلاع. ومع احتدام المعارك في أكثر من جهة باليونان، عاد السلطان محمود الثاني إلى محمد علي باشا طالبًا العون مرة أخرى، فأرسل بابنه «إبراهيم باشا» الذي نجح في مثل هذا اليوم، ٢٩ رمضان، سنة ١٢٤٠ (١٨٢٥ ميلادية)، في اقتحام مدينة نواترين بعد حصار شديد.
حقق الجنود المصريون انتصارات كبيرة، برًا وبحرًا، في أكثر من منطقة يونانية، ورفعت تلك الحروب من شأن الجيش المصري، غير أن الحرب استمرت عدة سنوات، كانت الدول الأوروبية تدعم فيها اليونانيين، إلى أن عاد الجيش المصري للإسكندرية منهكًا.
وبعد فترة، قرر «محمد علي» التوسع في عدد من البلدان على حساب أراضي الدولة العثمانية الضعيفة، وكانت البداية بقرار ضم «بلاد الشام» إلى دولته الشابة، حتى يظفر بمواردها من الخشب والفحم والنحاس.
وتحت قيادة ابنه «إبراهيم باشا» حقق الجيش المصري انتصارات كبيرة على القوات التركية في معارك «حمص» و«بيلان» و«قونية» في الفترة بين سنتي ١٨٣١ و١٨٣٢، إلى أن تواجه الجيش المصري والعثماني سنة ١٨٣٩، في موقعة تسمى «نسيب» أو «نزيب»، ولقن المصريون درسًا قاسيًا للأتراك، الذين فروا هاربين مُخلفين وراءهم أسلحتهم وذخائرهم.
انتصر الجيش المصري، وزحف نحو ميناء البصرة لاحتلاله، كما تقدم باتجاه الأحساء والقطيف، وكان الطريق للعاصمة العثمانية «إسطنبول»، مفتوحًا أمام المصريين.
لكن انتصارات الجيش المصري على الأتراك، أحدثت ارتباكًا في السياسة الدولية للدول الاستعمارية الكبرى التي رأت أن تتدخل بقوة وحزم قبل أن تفلت زمام الأمور من يديها، وعقدوا تحالفًا أوروبيًا ضد محمد علي باشا، اضطره إلى إنهاء الحملة المصرية على بلاد الشام، وعاد الجيش المصري منها، في فبراير ١٨٤١.