يعد الكاتب علاء عبد الهادى من أبرز شعراء جيل السبعينيات، كما أنه ناقد أكاديمى، ومفكّر مرموق، حصل على دكتوراه الفلسفة فى النقد الأدبى من أكاديمية العلوم المجرية، عن رسالته فى الأدب المقارن: «تجليات الأداء والعرض فى التراث العربى القديم ونظرية النوع»، له ثلاثة عشر عملا شعريّا، وعشرة كتب نقدية وفكرية، فضلا عن عدد من الترجمات عن الإنجليزية والمجرية؛ إلى جانب مئات الدراسات والمقالات النقدية، والثقافية، والفكرية، وهو يشغل منصب الأمين العام للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، ورئيس النقابة العامة لاتحاد كتاب مصر، ورئيس الجمعية المصرية للأدب بالمقارن، ورئيس الجمعية المصرية لدراسات النوع والشعريات المقارنة، وهو عضو مجلس إدارة نادى القلم الدولى، الفرع المصرى، وعضو لجنة الخمسين لصياغة الدستور، وعضو لجان تحكيم جوائز الدولة.التقته البوابة وكان الحوار التالى.
■ ماذا عن ذكرياتك الرمضانية فى مرحلة الصبا والشباب؟
- أخذتنا القراءات الوجودية والماركسية والقومية إلى آفاق أخرى، ولكن ظل العنصر العقدى مكونا أساسيًا من تكوينى الثقافى والأدبى، حتى فى الفترات التى قضيتها فى الدول الغربية التى كان يطول الصيام فيها لعشرين ساعة تقريبا كنت أحب الصيام وأواظب عليه، ومنحتنى رياضات التصوف فى فترة مبكرة من حياتى - فى المرحلة الإعدادية- قدرة على التأمل المتصل لساعات طويلة فضلًا عن إدراكى العملى لقيمتى الصبر، والإصرار، وهى ثلاث قيم مهمة يعلمنا الصيام الصحيح اكتسابها، ولهذه الصفات التى تعلمتها من الصيام فضل كبير فى أى إنجاز حققته فى حياتى بعد ذلك، فأنت تصوم لسبب أكبر منك، لدلالة ومعنى، لشعور إنسانى عام نبيل وكبير، أن تشعر بآلام الآخرين، وبمشاعر الجوع والعطش والإمساك، وتتأمل ذلك ضمن كل معادلات النسبة والتناسب الممكنة بين البشر ومستوياتهم، وتعدد طبقاتهم وأحوالهم. علمنى هذا الشهر، وكل منّا يستطيع أن يفطر سرًّا ويصوم علنًا، أنه حين يتعارض الضمير مع ما نظنه احتياجًا أو مصلحة فلا تتردد لحظة فى اختيار طريق الضمير، مادمت مقتنعًا، وإلا فقدت الاثنين معًا، بالنسبة إلىّ رمضان هو أحب الشهور إلى قلبى، فهو شهر إنجاز الأعمال التى تحتاج إلى الصبر والإصرار.
■ ماذا عن أهم القراءات المؤثرة فى تكوينك؟
- كان أول كتاب اشتريته هو إحياء علوم الدين للإمام الغزالى، كنت فى الصف الثانى الإعدادى، وهذا يثير دهشتى إلى الآن، لماذا اخترت هذا الكتاب؟ لا أعرف، يقع الكتاب فى «أربعة مجلدات، والخامس فى هذه الطبعة «عوارف المعارف» للسُهروردى، أحببت أعمال الغزالى بعد ذلك، وعمقت قراءتى له، كنت أذهب مع والدى رحمه الله لصلاة الجمعة إلى مسجد الطماوى، بحى المهندسين، وبدأت تدريجًا التأثر بالتراث الصوفى، فأحببت الشعر الصوفى، وكتب الصوفية، وفتحتِ الرسالة القشيرية عليّ أبواب الكثير من العوالم الخيالية البديعة، ثم اهتممت بعدها بالفقه، وفى الفقه منطق رياضى، فبدأت بالدرر البهية فى فقه المالكية، ثم بمختصر الخليل، وبالفروق للقرافى، وبعدد من كتب الجرح والتعديل، وبكتابات النفرى، وحكم ابن عطاء الله، وفتوحات ابن عربى، وبشرح القاشانى على فصوص الحكم، وقصص الأولياء وغيرها، ثم نُصحت فى الجامعة لمحبتى الفقه والقانون بقراءة مجلة الأحكام العدلية «١٨٥١» حكمًا، لأحمد جودت باشا، وبشرح سليم رستم أيضًا، وبالموافقات للشاطبى، كنت أحب مع هذه القراءات سلسلة روايات عالمية، وأتابعها فى كل إصدار، فضلا عن عشقى للشعر العربى فى العصور: الجاهلى والأموى والعباسى. شدنى هذا كله إلى حب اللغة بصفتها لغة، فكنت من عاشقى المخصص لابن سيده المرسى، والخصائص لابن جنى، وكتب القراءات القرآنية، وغيرها. وفى مرحلة الثانوية العامة بدأت فى استكمال بنية مكتبتى فى الأديان والمذاهب المختلفة، المسيحية واليهودية والفرق البهائية والقاديانية والمعتزلة وعلماء الكلام، وديانات الشرق كالبوذية: وخاصة بوذية الزن وعلاقتها بالإنجيل، وأحببت كذلك علم الكلام خصوصا لدى المعتزلة، فاهتممت بالمغنى للقاضى الجبار والاختصار للخياط. وغيرها.. كما عشقت فى المرحلة الجامعية كتب علم النفس، والاختبارات النفسية، وكانت المكتبة العامة رأس المال الرمزى الوافر الذى أفدت منه كثيرًا، كما أحببت الفلسفة الظاهراتية، كتابات سارتر بخاصة، وأظن أن ذلك كان سمة لجيلى، وتأثرت آنذاك بكولن ولسن فى كتابيه اللامنتمى، وما بعد اللامنتمى بخاصة، ثم أدركت بعد ذلك عدم أهميته، ثم وقع فى يدى كتاب رأس المال الذى فتنت بما جاء فيه برغم ترجمته السيئة، حتى حصلت عليه بعد ذلك وأعدت قراءاته بالإنجليزية، وأحببت شخصية تروتسكى المسلح بعد ذلك، أما الأدبان اللذان فتنت بهما فكانا من حصيلة الترجمات الروسية والفرنسية.
■ بعد حصولك على درجة دكتوراة الفلسفة فى الأدب «المقارن» هل أثر بك تخصصك الهندسى الأول؟
- كلية الهندسة تعلمك كيف تفكر، كيف تستعد للمشكلة لأنك تتوقعها فى التصميم، وكيف تجد الحل لها، هى كلية منطقية فى الأساس، وذلك على الرغم من أن كثيرا من قوانينها قامت على خبرات إمبيريقية، وليست نظريات مجردة اشتقاقية فحسب. وفى دراستى الأدبية فى أثناء تحضيرى للدكتوراه فى الأدب المقارن - فى دراسات النوع الأدبى - استخدمت الرياضيات الحديثة لبناء نموذج نظرى شامل لقضايا النوع الأدبى، لتفكيك المركزية الغربية لدراسات النوع، وهى رسالة تنتمى إلى حقل الشعريات المقارنة.
■ وماذا عن مشروعك الشعري؟
- ينعتنى عدد من النقاد، بأننى من البنائين فى القصيدة العربية المعاصرة، ولكننى فى الحقيقة لا أفعل ذلك عن سابق ترتيب، فبعد الدفقة الشعرية الأولى «مادة القصيدة الخام»، تحتاج العملية الإبداعية إلى إعادة بناء، ولكن على نحو لا يظهر فيه البناء مسيطرًا على موضوعه، أى أننى أتكلم عن دلالة الشكل، وعن شكل الدلالة فى النص، وهى قاعدة لكل مصمم، إذا اعتبرنا أن كل تصميم هندسى فى الحقيقة نص! من المهم أن يكون التصميم مستترا فى موضوعه قدر الإماكن، فإذا ظهر وسيطر على تفكير المتلقى يصبح عيبًا فى رأيى، وإلهاءً للمتلقى عن بقية عناصر البناء، وموضوعه. وكما يقول النفرى: «أكتب من أنت، لتعرف من أنت، فالحق لا يستعير لسانًا من غيره»، أنا راض عن تجربتى، أعمالى الشعرية نفدت كلها، وهناك اهتمام نقدى وأكاديمى كبير بأعمالى من أول كتاب عن تجربتى صدر فى ١٩٩٧ وحتى الآن.
■ ما مواصفات الشاعر الكبير فى رأيك؟
- كل شاعر حقيقى هو شاعر كبير، لأن كل نص يكتبه يجب أن يمثل خبرة إنسانية جديدة تختلف عن حجمه الجمالى فى نصه السابق، فالتوقف ضرورى أحيانًا، وإلا نال بالسوء من الشاعر لو كانت النتيجة تكرار ما كتب منه أو من غيره من قبل، هناك آلاف يكتبون الشعر، لكن الشعراء بهذا المفهوم قلة دائمًا، أما الشاعر العظيم فصفة يخلعها عليه الزمان، دون أكاذيب الحاضر وحساباته، ولكنها على نحو مؤكد تجاوز ما أنجزه الشاعر من قصائد جميلة، أو مجموعة شعرية لافتة، إلى الاهتمام بمبدأ الكتابة بذاته، وفى ذاته، الكتابة التى يمثلها الشاعر. أنا انتمى إلى الشعراء الذين لم تسبق ميراثهم وصية، الشعر قناع؛ يمكنه أن يكون وعدا بحرية، أو وعيّا بقيد; أمام الكون تارة، وأمام أشياء صغيرة لا تكاد تلقى اهتماما منّا تارات أخر، أشياء لا يراها الآخرون، يصطادها الشاعر وحده بصنار الخيال، كأنه ساحر يخرج من قبعته تلك الحمائم البيض الجميلة التى تجهل -وهى فى لذة نشوتها بالانعتاق من أسر ساحرها- أنها مدربة على هذا الخروج، وأن تحليقها هذا لم يأت عفو الخاطر، تماما، مثل الجمال الذى تشعه القصيدة، هذا الجمال المدرب، الذى نظمه هذا اللاعب/ الساحر فى إطار كلى، سارقا الدهشة، مستكتما –فى الان ذاته- صنعته أمام الآخرين.
■ بصفتكم رئيس الجمعية المصرية للأدب المقارن ما تقييمكم لحركة الترجمة اليوم؟
- يوجد منها الحسن وهو غير قليل، ويوجد غير الدقيق والعشوائى وهو كثير أيضًا، حركة الترجمة ملأى بمتطفلين وهواة، وفيها اختيارات طيبة وأخرى متهافتة ترتبط بثقافة المترجم أكثر من ارتباطها بحاجة المجتمع إلى هذه الترجمات وعلى رأسها الترجمات العلمية من جهة، والترجمات من العربية إلى اللغات الأخرى من جهة أخرى. الترجمة العكسية بخاصة تحتاج إلى استراتيجية كلية يكون فيها الموضوع المترجم أهم من اسم صاحبه وجنسيته وعلاقاته وشهرته، لأن الترجمة العكسية عمل له اتجاهان أى يمكنه أن يكون ضارا أيضًا لو كانت الاختيارات غير دقيقة، أو لو كانت الترجمات سيئة، فهى تحتاج إلى مراجعة فكرية شاملة على محور الاختيار أولا، وعلى محور المراجعة الدقيقة لما ترجم من منجزنا الفكرى إلى اللغات الأخرى ثانيّا. أما أهم ما يرتبط بالترجمة العكسية فهو اسم الناشر، ومكان النشر! ولا يفوتنى هنا أن أقدم وافر الامتنان والشكر لسمو الشيخ سلطان القاسمى على أكثر من مبادرة عظيمة بدأت تنفيذها إمارة الشارقة فى هذا الصدد.
■ بعد اجتماعكم مع سمو الشيخ القاسمى حاكم الشارقة وعضو المجلس الاتحادى، انعقدت آمال عدد من المبدعين والمثقفين على قرب الإعلان عن تعاون مثمر وبناء سيجنى ثماره على المستوى الثقافى المثقفون والمبدعون فى عديد الاتحادات العربية هل يمكن أن تلقى ضوءا عن هذه اللقاء؟
- بعد اجتماع القاهرة، لم تكن رغبتنا التى أيدتنا فيها الاتحادات العربية كافة من فور إجماع الاتحادات العربية على انتخابى بالإجماع أمينا عاما للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب بتوجيه برقيتين واحدة لفخامة الرئيس المصرى عبد الفتاح السيسى، داعمين لمصر ولحكومتها فى موقفها الصامد ضد الإرهاب والتطرف، والثانية لسمو الشيخ القاسمى حفظه الله وسدد خطاه، بوصفه رجل الثقافة الأول فى الوطن العربى سوى اعتراف عربى من هيئاتنا العربية الثقافية كافة بأيادى سمو الشيخ القاسمى البيضاء التى لم تأل جهدا أو توجيها او دعما إلا ومنحته للثقافة العربية والإسلامية وللمثقفين فى أرجاء الوطن العربى كافة. وقد أكد اللقاء أن الرؤية مشتركة، وتنطق بلسان واحد، فبعد كلمة سموه التى تطرق فيها إلى التحديات التى تواجه الثقافة العربية، وضرورة أن نجتهد المؤسسات الثقافية العربية كافة لدعم ثقافة المواطن، ولتغيير صورة العربى والمسلم فى الوعى الجمعى الغربى إلى صورة العرب والإسلام الحقيقية، وبعد إنصاته إلى طموحاتنا فى اتحاد جديد قوى ومؤثر، وضعنا هذه الرؤية فى برنامج عمل، وأعلنا فى أثناء اللقاء أنه لقاء يعد بمثابة المولد الجديد للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب.
■ ما هى أجندة أولوياتك فى الفترة القادمة؟
- وضعنا خطة شاملة للنشر العربى المشترك بين الاتحادات العربية. وبدأنا فعلا فى إنشاء موقع للاتحاد العام على الشبكة ليكون سفيرا لنا هو ومجلة الاتحاد التى نسعى لإعادة إصدارها بعد توقفها مدة أربع سنوات، وأنتظر أيضًا أن يسهم الاتحاد وأعضاؤه فى خارطة المؤتمرات ومعارض الكتاب العربية على نحو مؤثر، وسنسعى مع الهيئات الثقافية العربية إلى المحافظة على ثوابت هويتنا الوطنية، ومقاومة الاختراق الصهيونى لثقافتنا العربية، ومن مهماتنا دعم حرية التفكير والرأى والإبداع فلا يجب أن يمسّ أمن المثقف بسبب رأى أبداه أو معتقد اعتنقه، وقد قدمنا مقترحا بخطة شاملة لمشروع الترجمة العكسية يقوم بها الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، كما وضعنا محاور مقترحة لعقد المؤتمر الذى اقترحناه من قبل، ووافقت عليه كل الروابط والاتحادات العربية، والذى يهدف إلى تقديم رؤية جمعية عن مشكلات السياسات الثقافية القائمة فى الوطن العربى للخروج بتوصيات وقرارات عملية، ترسل إلى وزراء الثقافة العرب، وإلى كل من «أليسكو» و«السيسكو»، وإلى جامعة الدول العربية، يكون على رأسها أن تكون كل رابطة أو اتحاد كتاب شريكا فاعلا فى وضع السياسات الثقافية فى قطره.
■ كيف ترى تأثير العمل العام على الإبداع؟
- من المؤكد أن تولى مقاليد العمل الثقافى العام يأخذ من انطلاق المبدع وجهده الكثير، ولكن مع ذلك صدر لى منذ أربع سنوات ديوانى الحادى عشر عن الهيئة العامة للكتاب، وعنوانه (إيكاروس: أو فى تدبيرالعتمة)، كما صدرت الطبعة الثانية لأول ترجمة عربية عن اللغة المجرية مباشرة من سلسلة الجوائز فى الهيئة عنوانها (شعراءالسبعينيات: مختارات من الشعر المجرى المعاصر)، وهى الترجمة التى فزت بها بالجائزة الدولية للكاتب المجرى الكبير (فوشت ميلان) من أكاديمية العلوم المجرية، ويصدر قريبا كتابى الفكرى (العولمة وصناعات الهوية: فى نقض فكرة الأصل)، والذى أعده أهم أعمالى الفكرية. وأعيد إصدار الطبعة الثالثة من كتاب (قصيدة النثر والتفات النوع: دراسة فى النوع الشعري)، بعد نفاد طبعته الثانية، وجارى طبع عملين جديدين أحدهما عن (الشعرية المسرحية المعاصرة وسياسات ما بعد الحداثة فى العرض)، وأقوم بالمراجعة الأخيرة لديواني"قدر الحنّاء: هكذا تكلمت الحديقة»، وهو نشاط علمى وإبداعى لا بأس به فى ظل الأعباء التى يفرضها علينا العمل العام. أول كتاب اشتريته هو إحياء علوم الدين للإمام الغزالى فى الصف الثانى الإعدادى الرئيس السيسى وسمو الشيخ القاسمى يدعمان الثقافة العربية والإسلامية والمثقفين فى أرجاء الوطن العربى 13 عملًا شعريًا قدمها علاء عبدالهادى للمكتبة العربية تخصصى الهندسى أفادنى فى الأدب واستخدمت الرياضيات الحديثة لتفكيك المركزية الغربية للدراسات الأدبية 10 كتب نقدية وفكرية ثمرة أعمال عبدالهادى حتى الآن 1977 صدور أول كتاب يتناول أعمال الكاتب رئيس اتحاد الكتاب يتحدث لـ«البوابة» حركة الترجمة ملأى بمتطفلين وهواة.. وضعنا خطة شاملة للنشر العربى المشترك.