بعد 10 سنوات من العمل الشاق وبمشاركة آلاف العمال المصريين، في نوفمبر 1869 تم افتتاح قناة السويس في حفل مهيب، ووصف المؤرخ الكبير جمال حمدان القناة بأنها «نبض مصر».
بعد 6 سنوات فقط من افتتاح القناة، نجحت إنجلترا في فرض سيطرتها على القناة بعد شراء حصة مصر من أسهم الشركة المؤسسة للقناة، وبحسب كتاب «قناة السويس وأزماتها المعاصر» لمؤلفه مصطفي الحفناوي، فإن مصر كانت علي شفا الإفلاس بعدما رهنت كل مواردها مقابل القروض المتلاحقة والتي ذهب جزء كبير منها لتسديد نفقات حفر القناة، وكان عليها تسديد مبالغ طائلة في ديسمبر 1975 وذلك قيمة بونات علي الخزانة، وإلا سيكون البديل هو إشهار إفلاس الدولة المصرية، ولم يكن أمام الخديوي إسماعيل سوي التفكير في رهن أسهم مصر في قناة السويس والتي كانت تبلغ (176٫602).
وتابع الكاتب، أن إنجلترا أدارت صفقة شراء الأسهم وأنهت إجراءات الشراء في خلال 3 أيام فقط وبدون موافقة مجلس العموم ومجلس الوزراء البريطاني، موضحًا أن الحكومة المصرية كانت قد تنازلت في اتفاقية سنة 1869 عن فوائد أسهمها في القناة لمدة خمس وعشرين سنة تنتهي في سنة 1894، وقبلت أن تدفع للحكومة البريطانية عن كل سنة ابتداء من سنة 1875 إلي سنة 1894 فوائد بنسبة 5% من قيمة الثمن، مقابل حرمان الحكومة البريطانية من أرباح الأسهم طوال هذه المدة، وهو ما يعني أن الحكومة البريطانية استردت ما دفعته من ثمن للأسهم بنهاية عام 1894.
كما نجحت بريطانيا في الحصول على حق امتياز قناة السويس لمدة 99 عامًا تنتهي في 1968، ولم تكتف بهذا القدر من محاولة نهب ثروات البلاد، وجاءت في عام 1909 بمشروع لمد حق امتياز جديد لمدة 40 عامًا ينتهي في 2008، وقام بول هارفي، المستشار المالي البريطاني في مصر، بمفاوضة الحكومة المصرية سرًا، حيث إن القوانين آنذاك أو الدستور لم يكن يلزم بعرض هذه المشروعات على الجمعية العمومية والتي كانت بمثابة مجلس نواب حينها، ولكن سرعان ما حصل محمد فريد، رئيس الحزب الوطني آنذاك، بالحصول على نسخة من المشروع في أكتوبر 1909، وقام بنشرها في جريدة اللواء، وهو ما تنبهت إليه القوى الوطنية وأثار الرأي العام المصري الذي رفض المشروع.
نشر نسخة المشروع أدى إلى ضجة في الأوساط السياسية المصرية وسخط عام، وطالبت اللجنة الإدارية للحزب الوطني بقيادة محمد فريد عرض المشروع على الجمعية العمومية، ووسط الضغط الشعبي العارم وافق الخديوي عباس حلمي الثاني على عقد الجمعية العمومية وأخذ رأيها في القرار، وتم تحديد يوم 9 فبراير 1910 لانعقادها.
وقررت الجمعية العمومية تشكيل لجنة من 15 عضوًا لدراسة المسألة وكان رئيسها محمود سليمان باشا، وجاء ذلك وسط دفاع رئيس الوزراء آنذاك، بطرس غالي، عن المشروع، وخلال جلسة المناقشة ومع دفاع رئيس الوزراء عن المشروع قرر إبراهيم الورداني، أحد أعضاء الحزب الوطني آنذاك، اغتيال بطرس غالي بسبب آراءه، وقام باغتياله في 20 فبراير من نفس العام، وخلال التحقيق مع «الورداني» لم ينكر فعلته، وقال ردًا على سؤال حول سبب فعلته، أن بطرس غالي «خائن للوطن».
وبعد مناقشات عدة انعقدت الجمعية العمومية في مارس 1910، وانتهت اللجنة المشكلة لمراجعة المشروع في تقريرها إلي رفض المشروع ونص التقرير على: كانت اللجنة تتمني أن تقدم الحكومة للجمعية العمومية مشروعًا محضرًا مبحوثًا حق البحث، مشفوعًا بما يشرحه ويؤيده من البيانات والبحوث مضمونًا فيه مصلحة البلاد في حاضرها ومستقبلها القريب.
وبحسب المؤرخ عبدالرحمن الرافعي في كتابه «محمد فريد رمز العطاء والإخلاص»، استمرت المناقشات حتى شهر أبريل وفي جلسة يوم 7 أبريل 1910 دافع سعد باشا زغلول عن المشروع وقال: يجب على الجمعية العمومية أن تسمع كلام الحكومة أولًا»، وبعد مناقشة وجيزة أخد الرأي على قفل باب المناقشة، فتقرر ذلك بالأغلبية، ثم أخذ الرأى على المشروع بالنداء بالاسم، فقررت الجمعية رفض المشروع بالإجماع، ما عدا مرقص سميكة باشا والوزراء.
ويقول «الحفناوي» عن رفض الجمعية للمشروع: كان وقع الرفض على الإنجليز كالصاعقة، وبعد قرار الرفض شوهد الزائرون والموظفون والصحفيون يعانق بعضهم بعض، ويتبادلون التهانى الحارة، وتألفت مظاهرة من خمسة عشر ألف مصرى، ولأول مرة فى شوارع القاهرة منذ احتلال إنجلترا لمصر دوى هذا الهتاف: يسقط جيش الاحتلال، لتسقط إنجلترا.