فى العشرة الأخيرة من رمضان يصبح التحسر على انقضاء الشهر الكريم موضوعا غلابا فى العديد من المظاهر، خاصة فى الإنشاد فيطلق على فراق رمضان وذكر فضائله مصطلح التوحيش، حيث إن معظم الأقوال والقصائد التى يجرى إنشادها تبدأ عادة بالمطلع: « لا أوحش الله منك ».
الدكتور فؤاد مرسى فى كتابه «معجم رمضان» ذكر أنه لا يقوم بهذا التوحيش المنشدون المحترفون فحسب، وإنما يمتد حتى يكاد يغمر العالم الليلى للمجتمع المحلى، إذ يقوم المسحر بتغيير موضوعات أدائه أثناء جولاته إلى التوحيش، كما يملأ المؤذنون المنشدون فضاء الحى بتوحيشهم الذى يواصلونه منذ الإمساك وحتى إقامة أذان الفجر، ولهذا أصبح موضوع التوحيش وأساليب إنشاده مجالا للتجويد والتنويع والتنمية سواء فى نظم عباراته أو فى موسيقى أدائه. وقد صار أحد مجالات التقاطع الذى تلتقى فيه الثقافة الشعبية بالثقافة الرسمية، وأبرز مظاهر ذلك الالتقاء أن معظم المنظومات التى تتردد فى التوحيش كانت من الشعر الفصيح، كما أن موسيقى أدائها تتأسس على تقاليد الموسيقى العربية التقليدية. وفى صوت يملؤه الحزن والأسى، كان المسحرون يرددون عبارات التوحيش التى تحمل حزن الناس على انقضاء الشهر وإحساسهم بالوحشة فى غيابه وافتقادهم أجواءه العامرة بالخشوع والمحبة والتواصل.
ومن أشهر النصوص الذى ذكرت فى ذلك الأمر «لا أوحش الله منك يا شهر الصيام.. لا أوحش الله منك يا شهر القيام.. لا أوحش الله منك يا شهر الولائم.. لا أوحش الله منك يا شهر العزائم.. لا أوحش الله منك يا شهر الجود والكرم». كما أن المجتمعات الشعبية لم تكتف بإنشاد التوحيش مظهرا لتوديع رمضان وإنما أضافت إلى ذلك مظاهر احتفالية أخرى ففى واحة باريس وهى من الواحات الخارجة بالوادى الجديد وكان الأهالى يقيمون مأدبة وداعية وبعد أداء صلاة التراويح يتحلقون فى جانب المسجد للإنشاد الاحتفالى وكانوا يطلقون عليها تراويح فكان من محفوظهم الذى يتواترون إنشاده:» شهر الصيام مفضل تفضيلا.. نويت بعد المقام رحيلا.. قد كنت طيبا ومباركا.. ومبشرا بالعفو من مولانا.. بالله يا شهر الهنا ما تنسانا».
ثقافة
رمضان زمان| «التوحيش» يا شهر الهنا ما تنسانا
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق