قل كلمتك وانفجر - يشجّعنا نيتشه - قل كلمتك وامضِ، يحرضنا أمين الريحاني، في زمن التفتيش في الضمائر والعس وراء الكلمات، يصبح الإبداع معتقلاً في زنازين الخوف والتوجس والحسبة، أقول ذلك وأنا خائف على وطني من طيور الظلام التي لا ترحم، وخفافيش الجهل التي تسكن العقول وتطارد الكلمات، وتصدر أحكامها بالتكفير والتخوين والإعدام.
الحكم الصادر ضد الأديب كرم صابر بالسجن خمس سنوات بتهمة ازدراء الأديان، يعني أننا نتقدم إلى الخلف، ونسير نحو الهاوية، ونصطدم بتروس من الغلظة والقسوة والبداوة، كانت جريمة كرم صابر أنه نشر قصة بعنوان "أين الله؟"، تتساءل فيها شخوصها تساؤلات حول الوجود والحياة والدار الآخرة، ولكن كتائب الظلام حمّلت أقوال شخوص القصة وكأنها أفكار وأطروحات يحملها الكاتب نفسه، وقدمت أوراق تكفيره وإعدامه إلى القضاء لتحصل على حكم ابتدائي بسجنه بتهمة ازدراء الأديان.
إن أدوات محاكمة القصة أو الرواية أو الشعر هي أقلام النقاد وآراء القراء لا ساحات المحاكم ولا منابر المساجد، ومن يحدد قيمة العمل الفني هم المبدعون والأدباء لا الشيوخ أو المحامون.
القصة فن، والفن سلاح وقيمة ونضال، ومثابرة، وأداة من أدوات المقاومة، لا تتقدم أمة تطارد مبدعيها، ولا يتطور مجتمع يرهب فنانيه - بين الحسبة القضائية والوصاية الدينية تبهت الفنون، وتتحجب الكلمات ويحدد الخيال إقامته - لا يعنين أن الحكم الصادر ضد المبدع كرم صابر حكم غير نهائي، لكن مجرد صدوره يعني أن قلعة العدالة في حاجة إلى مراجعة كثير من التشريعات التي لا تتفق مع حرية الرأي والتعبير.
إن الإسلام - الذي يتاجر به الانتهازيون - أرحب من أن يمنع كاتباً من الكتابة، أو أن يحدّ من إبداع مبدع، لقد نشر القرآن كلام المُلحدين والكفرة ومُدّعيّ الألوهية - من النمرود إلى فرعون - وذكر القرآن قصص الطغاة والكفرة ومنطقهم في رفض الإيمان ومجابهة الإسلام، لأن دين الله يعتمد على التفكر والتدبر واستخدام العقل في الدعوة، ولا يضيره عرض ادّعاءات وحجج خصومه.
لا يستفيد الإسلام شيئا من سجن كاتب أو إدانة مبدع، كما أن حال المسلمين لن ينعدل بدخول كرم صابر إلى السجن أو حتى مصادرة إبداعاته، ورحم الله زماناً كتب فيه إسماعيل أدهم كتاباً صغيراً بعنوان "لماذا أنا مُلحد؟"، فردَّ عليه شيوخ الأزهر وعلماؤهم بكتاب آخر عنوانه "لماذا أنا مؤمن؟".