السبت 21 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

الفسكونت المَشطور

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

أحب الأعمال الروائية والدرامية والسينمائية التي يكون محورها وأساسها حياة الإنسان بكل ما تحمل من قوة وضعف، وتناقض وحيرة واستقرار، وخير وشر، ومحبه وحزن وأحلام، وفراق ولقاء، ودائما ما أنجذب إلي تلك الشخصيات، وأعيش حياة البطل الدرامي بكل ما فيها، واتوحد مع أزماته الشخصية وكأنها حياتي الخاصة، وأنت تعرف قدرة الادب والمسرح والسينما علي جذب وجدان وقلوب القراء والمشاهدين اليها اذا كانت على مستوى جيد من الحبكة والتصوير.

ومنذ درست الأدب الإنجليزي فى فترة الدراسة الجامعية وأنا متعلق بشخصية "هاملت" التي أبدعها الكانب الإنجليزي الأشهر "شكسبير"، وربما تكون أكثر الأعمال المسرحية في العالم التي تم اقتباسها في أعمال فنية وسينمائية كثيرة في كل دول العالم أهمها الفيلم الذي كتبه وأخرجه وقام ببطولته فنان إنجلترا الأعظم السير لورانس أوليفيه واستحق عليه جائزة الأوسكار أفضل ممثل عام ١٩٤٨ حيث أبدع في تقديم شخصية هاملت الأمير المصدوم بسبب مقتل والده الملك على يد عمه وهو يعاني انقسامه الشخصي بين رغبته في الثأر وحبه لأمه الني تزوجت العم القاتل بعد مقتل زوجها، حفاظا على المملكة.
وعلى نفس المنوال انجذبت لشخصيات درامية أخرى كثيرة وأحببتها وعشت ماساتها التراجيدية المثيرة مثل شخصية زوربا اليوناني رائعة الكاتب العظيم نيكوس كازانتزاكيس، وشخصية أنا كارنينا أسطورة تولستوى الخالدة، ومأساة أحمد سبع الليل جندي الأمن المركزي الذي أبدع في تشخيصه الفنان الكبير أحمد زكي، في فيلم المخرج الكبير عاطف الطيب  "البرئ" الذي كتبه الأستاذ الكبير الراحل وحيد حامد، وغيرهم من الأبطال على ورق الروايات الخالدة أو على شاشة السينما الزاهرة.

هذه الأيام أجد نفسي مشدودا ومنبهرا، وأعيش بوجداني مع الفسكونت ميداردو وهو محور أحداث رواية الكاتب الايطالي الشهير "إيتالو كالفينو" والتي تحمل عنوان "الفسكونت المشطور" والصادرة عام 1951 بعد سنوات قليلة من انتهاء الحرب العالمية الثانية، ولد كالفينو في مدينة " سانتياجو " بكوبا عام 1923، وشارك في حرب تحرير إيطاليا ضد الفاشية والنازية، وهو تلميذ الكاتب الايطالي الأشهر شيرازي بافيزي، وما "الفسكونت المشطور" سوى إنسان العصر الحديث نتاج الحروب العظمى المنقسم على ذاته غير المكتمل وعدو نفسه وذاته الذي يصفه ماركس بأنه "مغترب" وفرويد بأنه "مُقمع".

تدور الرواية الرائعة في إطار خيالي فانتازي ساحر حول مشاركة فسكونت تيرالبا الشاب ميداردو في الحرب بين النمسا وتركيا وفاءا للتاج الإمبراطوري، ولسوء الحظ تناله قذيفة من مدافع جيش الأتراك فتقسمه الى نصفين بالطول، فيعيش نصفه الأيمن المكون من نصف الجبهة وعين واحدة ونصف أنف ونصف فم، وذراع واحدة، ونصف جسده والقدم اليُمنى، ويعود الي إمارته مُتخيفا في رداء أسود فيصحو لديه الجانب الشرير من روحه فيقوم بأعمال إجرامية في المقاطعة التي يحكمها، حيث يشوه الفاكهة والحيوانات بسيفه، ويشعل الحرائق في بيوت الفقراء والمزارعين ويحكم عليهم بالاعدام شنقا دون جرم ارتكبوه !!

بعد قليل يعود نصف الفسكونت الأخر متمثلا روح الخير والطيبة بعد أن عالجه بعض الرُهبان والنُساك المتوحدين، محاولا بكل ما آوتي من قوة ان يصلح ما أفسده الأعرج الشرير فيعلن الشرير عليه الحرب، ويحتار الناس في أمرهما  ولا يعرفون ماذا يصنعون امام هذا الانسان الذي يصارع نفسه ويحارب ذاته ولكن لحسن الحظ يقع المشطورين في حب فتاة واحدة هي باميلا راعية الخراف والبط والإوز التي تعيش في الغابة هربا من الشرير الذي يخبرها في سطور ملهمة عن أزمته قائلا "أه يا باميلا، هذه ميزة أن يكون الإنسان مشطورا، أن يدرك ألم كل إنسان وكل شئ الالم الذي يمكن ان يشعر به كل منهم لعدم كماله، لست وحدى منشطرا أو مقسوما يا باميلا فأنتي ايضا كذلك والجميع مثللك "،  ومن خلال هذا الحب المشتعل في روحه،  يلتئم النصفين المشطورين ويعود الفسكونت إلى طبيعته بمساعدة ترويلاني طبيب المقاطعة التي تفرح بعودة حاكمها رجلا كاملا.