فى تراث الشعر العربى، منذ ما قبل الإسلام إلى نهاية العصر العباسى، كنوز وجواهر لا ينبغى للأجيال الجديدة أن تجهلها. نقدم كل يوم بيتا من عيون الشعر القديم، مصحوبا بإضاءة قليلة الكلمات، فى محاولة لتحقيق التواصل الضرورى والاستمتاع بعصير الحب والحكمة والموت.
محمد بن إدريس الشافعي
«وعينُ الرضا عن كلِ عيبٍ كليلةُ ولكن عينَ السخطِ تبدى المساويا»
فى القرن الثانى الهجرى، يضع الإمام الشافعى يده على قانون إنسانى شائع لا مهرب من الإقرار به والتسليم بهيمنته وسيادته فى كل زمان ومكان. الحقيقة المطلقة وهم لا وجود له، والنسبية راسخة فى الأعماق وتنعكس على الرؤية والتقييم. المحب يرضى بما قد يسيء لأنه لا يرى إلا ما يريد أن يراه، والساخط الكاره يكشف المثالب والعيوب التى لا وجود لها إلا من منظوره المتحامل.
هكذا الأمر فى ممارسات الحب والسياسة والعقيدة، وغير ذلك من مظاهر الحياة. البطولة للعاطفة والمصلحة ووجهة النظر التى تنقلب إلى النقيض عندما تتبدل ملامح الخريطة. المحاسن والمساوئ مفاهيم يستحيل الاتفاق عليها، والاحتكام إلى العقل الصارم ليس مجديا، ذلك أن العقل نفسه ليس عنصرا منفصلا عن مجمل الشخصية الإنسانية أسيرة الهوى والقوانين النسبية، فهو الذى يملى على العين أن ترى.
السؤال المزعج المحير الذى يطرح نفسه على ضوء البيت: هل يعى الإنسان حقيقة القانون الذى يحكمه؟. الإجابة بالنفى، فهو كائن مراوغ قادر على خداع الآخرين وخداع نفسه أيضا!.