أعلنت وزارة السياحة والآثار ممثلة في المجلس الأعلى للآثار عن البدء في مشروع ترميم معبد بن عزرا بمنطقة مجمع الأديان بمصر القديمة.
وفى ضوء هذا يؤكد خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان مدير عام البحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمى بجنوب سيناء بوزارة السياحة والآثار أن ترميم الآثار اليهودية في مصر وقد سبق للوزارة ترميم معبد إلياهو النبي بالإسكندرية يؤكد وحدة الآثار المصرية كسلسلة تاريخية لا تتجزأ منذ عصور ما قبل التاريخ وحتى الآن وأن الآثار اليهودية في مصر هي آثارًا مصرية تخضع لكل عوامل الحفاظ والترميم والصيانة والدراسات والترويج لها شأنها شأن كل الآثار الكائنة على أرض مصر وأن تاريخ المعابد اليهودية في مصر يشكل صفحة من تاريخ التعانق والتواصل الحضارى بين الأديان والحضارات.
وأشار الدكتور ريحان إلى المعابد اليهودية المسجلة في عداد الآثار بالقاهرة وهي معبد بن عزرا بمصر القديمة المسجل عام 1984، ومعبد موسى بن ميمون بحارة اليهود بالموسكي المسجل عام 1986، ومعبد حاييم كابوسى بحارة اليهود والمسجل عام 1987، وشعار هشمايم بشارع عدلى مسجل عام 1987، ومعبد نسيم أشكنازى بشارع الجيش المسجل عام 1995، ومعبد اليهود الأشكناز بشارع الجيش مسجل عام 1999، ومعبد كرايم بالظاهر المسجل عام 1996، ومعبد موسى الدرعى بالعباسية المسجل عام 1997، ومعبد حنان بقنطرة غمره والمسجل عام 1997.
علاوة على معبدين بالإسكندرية هما معبد (إلياهو النبى) بشارع النبي دانيال ومسجل عام 1987، ومعبد (يعقوب منشة) اليهودى بميدان المنشية المسجل 2018.
ونوه الدكتور ريحان إلى أن معبد بن عزرا بمنطقة مصر القديمة بالقاهرة والتي أعلنت الوزارة عن البدء في ترميمه كان أساسه كنيسة تحت مسمى كنيسة الشماعين تخطيطها على الطراز البازيليكى المستمد من أصل روماني يتكون من صحن أوسط متسع وجناحين جانبيين وثلاثة هياكل، وذلك قبل أن يشتريها اليهودي الشامى برهام بن عزرا من الكنيسة الأرثوذكسية بعد مرورها بضائقة مالية، وذلك مقابل مبلغ قدره 20 ألف دينار.
ولفت إلى أن المعبد نفسه يضم رموز اليهودية والمسيحية والإسلام مما يعد في حد ذاته ملتقى للأديان يقع بمنطقة ملتقى الأديان بمصر القديمة فهو معبد يهودى أصله كنيسة مسيحية على الطراز البازيليكي يضم تحفة إسلامية رائعة تتمثل في (ثريا) معلقة على يمين هيكل المعبد محفور عليها باللغة العربية أسماء الخلفاء الراشدين الأربعة، بالإضافة إلى (ثريا) نحاسية أخرى تتدلى من السقف على شكل مخروطي، وتحمل اسم السلطان المملوكي قلاوون، مشيرًا إلى أن الثريتين من إهداء السلطان المملوكي قلاوون بن عبدالله الألفى الصالحي، وهو ما يؤكد احتضان مصر على مر تاريخها لجميع الأديان وأن هذا المعبد يشكل مجمعًا للأديان، بالإضافة إلى وجوده في مجمع الأديان.
وتابع الدكتور ريحان أن معابد اليهود في مصر كانت حسب الطائفة فمنهم طائفة الربانيين، وهم من يؤمنون بالتوراة كتاب الرب والتلمود كلام البشر ومن معابدهم معبد بن عزرا بمصر القديمة، وطائفة القرائين وهم من يؤمنون بالتوراة فقط وصلاتهم بها ركوع وسجود ومعابدهم مفروشة بالسجاد ويخلعون أحذيتهم خارج المعبد وطائفة الأشكناز وهم اليهود من أصل أوروبي.
وأشار إلى العلاقات الطيبة بين المسلمين واليهود بمنحهم مقابر البساتين في القرن التاسع الميلادى، حيث منحهم الأمير أحمد بن طولون أراضى أقاموا بها مقابرهم الموجودة حتى الآن، وأن أشهر من دفن بتلك المقابر يعقوب بن كلس الذي عهد إليه الخليفة المعز لدين الله 341- 364 هـ، 952- 974م بولاية الخراج، ووصلت هذه العلاقة إلى درجة تعيين الخليفة الحاكم بأمر الله لطبيب خاص يأتمنه على حياته من اليهود وهو صفير اليهودي، واستقبل المسلمون في مصر اليهود من شتى بقاع الأرض ليجدوا الملاذ الآمن بمصر حيث أقاموا في عدة مناطق منها الفسطاط وحارة اليهود والجمالية والعباسية والزمالك وجاردن سيتي.
وأشار الدكتور ريحان إلى أهمية الوثائق اليهودية في مصر مثل وثائق (الجنيزا)، وهي وثائق مستخرج جزء منها من معبد بن عزرا بمصر القديمة عام 1896، وجزء آخر من مقابر الجنيزا بالبساتين عام 1987، وهي تلقى الضوء على حياة اليهود في مصر خلال العصر الحديث، كما تلقى الضوء على ثقافة وتراث شريحة مهمة من المجتمع المصري كانت جزءًا لا يتجزأ في السياسة والاقتصاد والحياة الاجتماعية والثقافية والفنية.
ونوه الدكتور ريحان إلى أن كل هذا يمثل رسائل سلام محبة من أرض السلام التي تنفرد بوجود خمسة مجمعات للأديان وأربعة طرق دينية فريدة، والمجمعات هي مجمع الواد المقدس طوى بسانت كاترين والذى يضم شجرة العليقة المقدسة وجبل موسى ودير سانت كاترين والجامع الفاطمى داخل أسوار الدير ومجمع مصر القديمة الذى يضم معبد بن عزرا وكنائس مصر القديمة منها كنيسة أبى سرجة وبها المغارة التي لجأت إليها العائلة المقدسة علاوة على جامع عمرو بن العاص ثانى أقدم مساجد مصر بعد مسجد سادات قريش في بلبيس، ومجمع حارة زويلة بالقاهرة الإسلامية بالجمالية الذى يضم كنيسة السيدة العذراء أقدم الكنائس الأثرية فى مصر التى بنيت فى القرن الرابع الميلادى وأشرفت على بنائها الإمبراطورة هيلانة أم الإمبراطور قسطنطين فى القرن الرابع الميلادى وهى أحدى محطات رحلة العائلة المقدسة قادمة من المطرية.
ومعبد يوسف بن ميمون اليهودى طبيب البلاط السلطانى فى عهد الناصر صلاح الدين الأيوبى وأحد المقربين منه، والذى يعود إلى القرن 13م ودار الخرنفش ومازالت قائمة حتى الآن وتحتفظ بآخر كسوة صنعت للكعبة داخلها حيث استمر العمل بها حتى عام 1962م علاوة على الآثار الإسلامية بشارع المعز لدين الله الفاطمى.
ومجمع البهنسا بالمنيا الذى يعد من المحطات الهامة في مسار العائلة المقدسة كما يضم بقيع مصر المجسّد فى مقابر الصحابة والتابعين الذين حضروا فى الفتح الإسلامى وعددهم خمسة آلاف صحابى وتابع منهم 70 صحابيا ممن شاركوا فى غزوة بدر ومجمع معبد إلياهو النبى بالإسكندرية الذى يضم المعبد وكنيسة القديس سابا من الكنائس التابعة للروم الأرثوذكس فى مصر المعروفة بكنيسة الجرس ومسجد أنجى هانم ومسجد العطارين.
وعلاوة على ذلك امتلاك مصر أربعة طرق تاريخية دينية تعد قيمة عالمية استثنائية، وهى طريق خروج بنى إسرائيل من مصر عبر سيناء وطريق الحج المسيحى القديم من القرن الرابع الميلادى عبر سيناء والمستمر حتى الآن، ومسار العائلة المقدسة من رفح إلى الدير المحرق ودرب الحج المصرى القديم إلى مكة المكرمة عبر وسط سيناء.
وهذا سيسهم بشكل كبير في استشعار العالم أن مصر بلد مضياف وملجأ أمان للجميع يفتح ذراعيه لكل شعوب العالم على اختلاف جنسياتهم ودياناتهم وثقافاتهم باعتبار مصر حاضنة كل الثقافات وبالتالي زيادة الإقبال السياحى للتعرف على معالم الحضارة المصرية عبر كل عصورها التاريخية.