شهدت مصر في منتصف عام 1930 العديد من الحوادث التي أثارت الرأي العام وعلى رأسها تأجيل انعقاد البرلمان الأمر الذي أدى إلى مواجهات ساخنة بين أعضاء مجلسي النواب والشيوخ وبين وزارة إسماعيل صدقي باشا، فضلًا عن وقوع العديد من الحوادث في عدة محافظات، وتدخلت الحكومة البريطانية التي سعت إلى الحفاظ على مصالحها برسائل إلى الحكومة المصرية، وهو ما رد عليه مصطفى باشا النحاس رئيس حزب الوفد بأن الأمة ستدافع عن دستورها في مواجهة الحكم المطلق.
وبحسب المؤرخ عبدالرحمن الرافعي في الجزء الثاني من كتابه في أعثاب الثورة المصرية 1919، تعمدت وزارة صدقي باشا عدم موادة البرلمان بعد كل هذه الأحداث واستصدرت مرسومًا بفض الدورة البرلمانية في 12 يوليه 1930، وهو ما يعد انتهاكًا للمادة 140 من الدستور التي تقضي بعدم جواز فض الدورة البرلمانية قبل الفراغ من تقرير الميزانية، وكذلك المادة 96 التي تقضي بدوان دور الانعقاد العادي 6 أشهر على الأقل، وكان البرلمان قد بدأ دوره الأول في 11 يناير وتأجل لمدة شهر فكان لا بد أن ينتهى دور الانعقاد في 11 أغسطس من نفس العام.
واحتج أعضاء البرلمان على فض المجلس لمخالفته للدستور، وكانت نيتهم عقد البرلمان نهاية الشهر الذي أجل له، ولكن قامت حكومة صدقي باحتلال البرلمان في 21 يوليه 1930، وهو ما دعا القوي الوطنية إلى الاحتجاج فتقدم عدلي يكن باشا رئيس مجلس الشيوخ بخطاب إلى رئيس الحكومة محتجًا على احتلال القوات دار البرلمان، كما أرسل وكيلا مجلس النواب عبد السلام جمعة بك وعبد الخالق عطية احتجاجًا بنفس الأمر، بينما كان ويصا واصف رئيس البرلمان مسافرًا إلى أوروبا في ذلك التوقيت.
وفي 26 يوليه اجتمع معظم أعضاء البرلمان في النادي السعدي بعد رفض الحكومة دعوة البرلمان لجلسة غير عادية، واتحج الأعضاء على انتهاك الدستور كما أصدرت بعض مجالس المديريات قرارات بالاحتجاج على تصرفات الوزارة، وهو ما أدى الحكومة إلى حل بعض مجالس هذه المديريات.
أعلنت حكومة صدقي باشا الأمر الملكي بإلغاء دستور 1923 في 22 أكتوبر 1930 وكذلك حل مجلسي النواب والشيوخ وإعلان دستور جديد للبلاد، كما صدر في نفس اليوم قانون جديد للانتخاب، ووصف الرافعي إلغاء الدستور بأنه اعتداء منكرًا على حقوق الشعب، واستخفافًا به، لأنه حق أساسي اكتسبته الأمة بعد جهاد طويل مرير.
وعن قضية إلغاء الدستور يقول المؤرخ محمد حسين هيكل أحد أعضاء حزب الأحرار الدستوريين آنذاك، في الجزء الأول من كتابه مذكرات في السياسة المصرية، أن صدقي باشا دعا في أوائل أكتوبر 1930 عددًا من السياسيين والصحفيين وكان هو ضمنهم وعرض عليهم إلغاء الدستور وإعلان دستور جديد، ولكن رفض الحاضرون ما حاول رئيس الوزراء إقناعهم به، ودعاهم مرة أخرى بعد أيام ولكنهم أصروا على موقفهم، وهو ما أدى بعد ذلك إلى تنكيل الحكومة بهم وإغلاق الصحف ومنها صحيفة السياسة التي كان هيكل يرأس تحريرها وكانت تصدر عن الحزب، وكذلك صادرت الحكومة على حرية التعبير والاجتماعات.
ويذكر هيكل، أن حزب الوفد والأحرار الدستوريين اتفقا على مقاومة حكومة صدقي باشا، وألف الحزبان لجنة اتصال، وكان يمثل الوفد فيها فتح الهل باشا بركات ومكرم عبيد، بينما مثل الأحرار محمد علي علوبة باشا وهيكل، وتعمل على دعوة الشعب للمقاومة والتضحية.
وعن قواعد الدستور الجديد الذي أعلنه صدقي باشا يقول الرافعي، إن الدستور الجديد أهدر سلطة الأمة وحقوقها، وتتجلى قواعده في أن الحكومة اعتبرته منحة من الملك وهذا معناه أن الملك يلغيه وقتما شاء، فضلًا عن أنه جعل الدستور الجديد غير قابل للتجديد لمدة 10 سنوات، وقيد المسئولية الوزارية وهي حق مجلس النواب في مسائلة الحكومة وثقته بها من عدمه، كما جعل للسلطة التنفيذية حق التشريع وهو حق أصيل للسلطة التشريعية دون غيرها، وأيضًا جعل لها سلطة نقل اعتمادات من بابا إلى آخر في الميزانية دون حاجة إلى تصديق البرلمان، والصحف جعلت عرضة للتعطيل بقرار، فضلًا عن جعل الأعضاء المعينين بمجلس الشيوخ ثلاثة أخماس، بينما كان دستور 23 يقضي بانتخاب الثلاثة أخماس وتعيين الخمس.
دستور 1930 الجديد أيصًا جعل للملك وحده حق تعيين شيخ الأزهر وغيره من الرؤساء الدينين بدلًا من تعيينهم وفقًا للقانون، بالإضافة إلى أن الدستور أعطى للملك حق تقدير الدعوة لاجتماع غير عادي للبرلمان، في حين كان دستور 1923 في مادته رقم 40 ينص على أن الملك يدعو البرلمان لاجتماع غير عادي متى طلبت الأغلبية المطلقة لأعضاء المجلسين ذلك.
يضيف الرافعي أن الوزارة أصدرت قانون الانتخاب وألغت القانون الائم من عام 1924 وجعلت الانتخاب على درجتين، كما جعلت حق الانتخاب في مندوبين خمسينيين أي أن كل مندوب ينوب عن خمسين ناخبًا، وجعلت سن الانتخاب 25 سنة بعدما كان 21 سنة، كما حرم أصحاب المهن الحرة خارج القاهرة من الترشح للبرلمان، وهو ما أدى إلى حرمان الأطباء والصحفيين والمحامين والمهندسين والتجار المقيمين في الأقاليم من الترشح.
وقامت العديد من المظاهرات في عدة مناطق بالبلاد احتجاجًا على إلغاء الدستور، ولكن قُمعت بشدة إذ كانت الحكومة قد أعدت قوات كبيرة من الجيش والبوليس لقمع كل حركة تبدو على إثر صدور الأمر الملكي بهذا الانقلاب ومنعت عقد الاجتماعات العامة، كما صدر في 29 أكتوبر 1930 مرسوم ملكي بحل جميع مجالس المديريات.
وتوالت احتاجات الهيئات السياسية على إلغاء دستور 1923، فاتحج الوفد طوال الوقت في جميع اجتماعاته، وأصدر الحزب الوطني بيانًا في 4 أكتوبر من نفس العام أعلن فيه رفضه الإلغاء ووصفه بالاعتداء الصارخ على الدستور ووصف ما حدث بالعبث، فيما قرر حزب الأحرار الدستوريين عدم تأييد الوزارة، كما تقدم عدلي يكن باشا الذي كان في أوروبا آنذاك فأرسل استقالته من رئاسة مجلس الشيوخ في أواخر أكتوبر، واتفقت الأحزاب على مقاطعة الانتخابات القائمة على الدستور الجديد.
وتقدم العديد من العمد والمشايخ باستقالاتهم وأعلنوا رفضهم المشاركة في الانتخابات، وحاولت حكومة صدقي تدارك الموقف وأعلنت أن 83 عمدة و192 شيخًا بمختلف المحافظات استقالوا لأسباب سياسية، ومع تزايد الاستقالات قامت الحكومة برفض استقالاتهم وإحالة المستقيلين إلى لجنة العمد والمشايخ وتغريمهم غرامات مالية كبيرة، كما عقد الوفد والأحرار الدستوريين ائتلافًا وأصدورا ميثاقًا اسموه "عهد الله والوطن" قرروا فيه مقاطعة الانتخابات، وزاروا الأقاليم عقدوا مؤتمرًا وطنيًا، ولكن تجاهلت الحكومة كل هذه الأحداث بما فيها الأحداث الدموية التي وقعت مع انطلاق الانتخابات في مايو ويونيه 1931.